الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
عقدة التاريخ .. عقدة الثالوث العراقي

بواسطة azzaman

عقدة التاريخ .. عقدة الثالوث العراقي

سنان السعدي

 

تعد عقدة التاريخ من اخطر العقد التي تواجه بناء الدولة في العراق بعد عام 2003, فهي تمثل التحدي الاول بل الاخطر في حال لم يتم تجاوزها ، وتظهر هذه العقدة بكل وضوح على اكبر ثلاث مكونات وهم ( الشيعة ، والسنة , والاكراد ) الذين وصفتهم هنا بالثالوث .

مصلحة وطن

حقيقة الحال تؤكد ان اغلب النخب السياسية تتقصد عدم تجاوزها من اجل تحقيق مكاسبهم على حساب مصلحة الوطن والشعب ، وهنا اقصد النخبة السياسة التي يمكن وصف  بعضها بالطفيلية التي تعيش وتنمو في جراح الوطن وكلما زادت الجراح قيحا تكاثرت وتحورت .

السائد في الشعوب المتخلفة هو ان تتبع العامة من الشعب النخبة ، سواء كانت هذه النخبة دينية او سياسية ، فتشيع بينهم ثقافة القطيع . مما يسهل قيادة هذه الشعوب من قبل النخبة التي تعمل جاهدة من اجل المحافظة على الطاعة العمياء لها ، ولا يتم ذلك ان من خلال الاستمرار العمل على تجهيل المجتمع عن طريق نشر الخرافة ، والطائفية ، والافكار القومية المتطرفة .

عقدة التاريخ اليوم  سواء كانت حقيقة ام مزيفة تجثم على صدور العراقيين بجميع مكوناتهم ، شيعة , وسنة ،واكراد ، وغيرهم من القوميات

فالشيعة يعانون من عقدة الحرمان من الحكم لما يزيد على مئة عام ، فضلا عن مظلومية السلطة منذ نشأة العراق الحديث ، لا بل تعود هذه المظلومية الى العهد العثماني .ذلك جعل البعض من رجال النخبة الشيعية معبأين بعقد التاريخ التي نتج عنها سلوك اقصائي ثأري .في الوقت نفسه حرصوا على نقل هذه الروح الى العامة من الشيعة وبأنهم جاؤوا منقذين ومخلصين من الاضطهاد الذي استمر لمئات السنين .

       السنة كذلك دخلوا على خط الازمة فاقحموا انفسهم في العقدة نفسها حديثا بعد عام 2003 , بعد ان رفضوا الاندماج في النظام الجديد الامريكي الهوى ، وهنا وقعوا في الخطأ نفسه الذي كان قد وقعوا به الشيعة عند تأسيس الدولة العراقية الحديثة البريطانية النكهة . ففاتت عليهم الفرصة والمناصب الدسمة . فارتفعت اصوات المظلومية والتهميش بعد تمرسهم على الحكم لمئات السنين فضاعت الدولة من يد رجال الدولة.

الاكراد ومظلوميتهم التاريخية المتمثلة بالشتات العظيم وحلم الدولة , فهم شعب كبير متوزع على اكثر من دولة ذبحتهم بريطانيا وفرنسا في اتفاقية سايكس - بيكو عام 1916 ، فلم تعترف بوجودهم وقسمتهم بين الدول ، وبذلك كانوا قد قتلوا أمة عظيمة خرج منها المئات من العظماء وعلى رأسهم صلاح الدين الايوبي (رحمة الله ) . قتل الحلم الكردي بسقوط  جمهورية مهاباد التي اعلن عن قيامها في عام 1946 برئاسة قاضي محمد وبدعم من الاتحاد السوفيتي الذي عاد وغدر بالأكراد نتيجة صفقة سياسية تمكنت من خلالها الحكومة الايرانية من اسقاط الدولة الكردية واعدام قاضي محمد في عام 1947 .وقبلها جمهورية ارارات التي اعلن قيامها في شرق تركيا عام 1927 بقيادة احسان نوري باشا ومنظمة خويبون (منظمة كردية قومية ) ، الا انها لم تستمر طويلا ، اذ تمكن الاتراك من اسقاطها في عام 1930 .

حجز عثرة

عقدة التاريخ هي حجر عثرة في طريق بناء العراق بعد عام 2003  ونتج عنها ، فضلا عن اصرار اغلب القوى السياسية على ابقاها والمتاجرة بها ، انهيار العراق وضياع الهوية الوطنية وتحول العراق من دولة محورية في المنطقة الى مجرد خارطة ادارية تضم تجمعات بشرية شيعية وسنية وكوردية لا تجمعهم سوى واردات النفط والمحاصصة السياسية وفي بعض الاحيان التهديدات الخارجية ، فضلا عن القوميات والديانات الاخرى مع كل الاعتزاز بها وانا هنا لا اتجاهلها عندما اخترت كلمة الثالوث في هذا المقال , بل على العكس انا هنا ابرئها مما اصاب العراق فالمسؤولية انا القي بها على النخبة السياسية لأكبر ثلاث مكونات وهم ( الشيعة ، والسنة ، والاكراد ) .

اغلبية شيعية محرومة من ابسط الحقوق ، لاسيما في الفرات الاوسط والجنوب ، فهناك في كل بيت اما شهيد او معاق او مفقود ، اما المكسب  الوحيد الذي حصلوا علية فهو ممارسة طقوسهم بكل حرية ، حتى اصبحت بعض هذه الممارسات محط انتقاد عقلاء الشيعة انفسهم .

       السنة دخلوا في مرحلة الشتات فانتشروا في ارجاء المعمورة بين نازحين ومهاجرين فاصبحوا بلا قيادة حقيقية ، وانما قيادة مؤقتة تفرزها التوافقات السياسية الداخلية والخارجية ، واغلب هذه القيادات تذوب وتتلاشى بعد خروجها من السلطة , فيكون مصيرها الانزواء او التزلف للقيادات السنية الجديدة من اجل الحصول على بعض الفتات ، فبالنسبة لهم أي  شيء افضل لهم من لا شيء ، وبعضهم يؤجر نفسه لبعض القوى السياسية من المكونات الاخرى من اجل ان يستعمل كضد نوعي لبعض السياسيين الجدد الذين يصعب ترويضهم او الذي يحاولون الخروج من المساحة المرسومة لهم . اما العامة من اهل السنة فهم لا يقلون بؤسا من اخوتهم في الدين والدم والوطن من عامة الشيعة .

الاكراد هم الافضل قياسيا بالشيعة والسنة ، فهم اليوم اشبه بدولة مستقلة عن المركز وتمكنوا من بناء مناطقهم ونجحوا في جعلها مناطق جاذبة للاستثمار والسياحة معتمدين في ذلك على قرار الحكم الذاتي الصادر في 11اذار 1970 الذي اعطاهم سندا قانونيا في اعلان اقليمهم ، كما أمن لهم حدود اقليمهم بعد عام 2003 ، لكنهم يعيشون واقعا امنيا هشاً بسبب التدخلات التركية في مناطقهم ، فضلا عن الضربات الصاروخية الايرانية ، التي يعجز الاكراد من الرد عليها . رغم ذلك نجح الاكراد من الاستفادة من علاقاتهم الدولية السابقة التي تعود الى ايام معارضتهم للأنظمة السابقة ، فأصبحت لهم قنواتهم الدبلوماسية الخاصة بهم بشكل مستقل عن حكومة المركز بل تفوقوا بها على حكومة المركز . اما عامة الشعب الكردي فهم لا يختلفون عن اخوتهم في الدين والدم والوطن من عامة الشيعة والسنة ، فهم ضحية الصراع والاختلاف بين الاقليم والمركز .

    السؤال هو اما ان الاوان  لهذا الثالوث ان يفكر ببناء دولة موحدة وقوية والنهوض بالعراق ، ألم يكفيهم عشرون عام  من الفساد والانفراد بالسلطة وهدر الثروات ، ألم تمتلئ خزائنهم ، لذلك عليهم ان يتجاوزا عقدة التاريخ قبل ان يذبحهم التاريخ فسيف التاريخ باشط ولا يرحم .

  سياسي مستقل

 


مشاهدات 15
الكاتب سنان السعدي
أضيف 2024/09/14 - 3:35 PM
آخر تحديث 2024/09/15 - 1:26 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 40 الشهر 5733 الكلي 9994355
الوقت الآن
الأحد 2024/9/15 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير