رحلة البحث عن الحقيقة والصفاء في عالم متغير
نوري جاسم
في عالم يزدحم بالتحديات والصراعات، تبدو الروح الإنسانية وكأنها تبحر في بحرٍ هائج، تبحث عن ميناء أمان تجد فيه صفاءها وحقيقتها، وإن هذا البحث عن الحقيقة والصفاء ليس مجرد عملية فكرية أو فلسفية، بل هو رحلة روحية تغوص في أعماق النفس البشرية، حيث تتجاوز المظاهر المادية لتلامس جوهر الوجود، وأن البحث عن الحقيقة تلك الكلمة التي تحوي في طياتها أبعادًا لا نهاية لها، هي الغاية التي يسعى إليها كل إنسان في مسيرة حياته، وإننا نعيش في عالم تزداد فيه الضوضاء، حيث تتصارع الأفكار والمفاهيم، مما يجعل الوصول إلى الحقيقة تحديًا يتطلب الصبر والتأمل والسعي والسير في طريق التصوف والعرفان الكسنزاني في رحلة النور والإحسان المحمدي، وفي هذه الرحلة نجد أنفسنا أمام أسئلة كبرى تتعلق بالغاية من الوجود، وبمصير الإنسان، وبمفهوم العدالة والمحبة، وأن الحقيقة ليست مفهوما جامدا أو مطلقا يمكن الوصول إليه بسهولة، بل هي كالنجمة التي تضيء درب الباحثين في ظلمات الشك، وهذه الرحلة نحو الحقيقة تتطلب انفتاح العقل والقلب معًا، حيث يتعين على الإنسان أن يكون مستعدًا لتحمل عبء الأسئلة الصعبة، وأن يقبل بحقيقة أن الإجابات قد تكون مؤلمة أو تتطلب تغييرات جذرية في حياته بحثا عن الحقيقة، ويجد الإنسان نفسه أيضًا في سعي مستمر نحو الصفاء الداخلي.
هدوء ظاهر
وهذا الصفاء ليس مجرد هدوء ظاهري، بل هو حالة من التوازن النفسي والروحي التي تمكّن الإنسان من مواجهة التحديات الحياتية بروح مطمئنة وعقل متزن، وإن الوصول إلى الصفاء الداخلي يتطلب من الإنسان أن يتحرر من قيود الأنا والتعلق بالماديات في عالم يزداد فيه التنافس المادي، حيث يصبح من السهل أن ينسى الإنسان جوهره الروحي، وأن يغرق في دوامة الطموحات الدنيوية في أعماق النفس، ويدرك الإنسان أن السعادة الحقيقية لا تأتي من امتلاك الأشياء، بل من التوافق مع الذات ومع الكون، والتصوف والعرفان الكسنزاني الإسلامي كطريق إلى الحقيقة والصفاء لطالما كان مصدر إلهام للباحثين عن الحقيقة والصفاء، حيث يركز التصوف والعرفان الكسنزاني على تجربة الروح والبحث عن روابط الحب والتعلق بالله سبحانه وتعالى من خلال الحب والفناء في الرسول الأعظم صلى الله تعالى عليه وآله وسلم، والتعلق بالولي المرشد أستاذ الطريقة العلية القادرية الكسنزانية، وأن الخدمة والتأمل في الطريقة تمكن المريد من الترقي الروحي.
وأن التصوف والعرفان الكسنزاني هو مدرسة ترفض الانغماس في التفاصيل المادية وتدعو إلى العيش في بساطة واتصال دائم مع الله، والطريقة الكسنزانية تعلم الإنسان أن الحقيقة لا تقتصر على المعارف العقلية.
بل هي تجربة روحية يعيشها الإنسان في قلبه وذاته وروحه، وتدعو إلى تحرير الروح من الأغلال الدنيوية، والسير في درب المحبة الصافية التي تقود إلى الله، وفي هذه الرحلة يصبح الصفاء الداخلي نتاجًا طبيعيًا للاتصال الدائم بالحقيقة المحمدية والإلهية، وأن العالم المتغير وتحديات الروح ونحن نعيش في زمن يتغير فيه كل شيء بسرعة فائقة فالتكنولوجيا تتطور، والمجتمعات تتغير، والقيم تتحول. في وسط هذه التحولات، قد يشعر الإنسان بالضياع أو بالعجز عن مجاراة هذا التغير، ولكن هذا الشعور ليس إلا دعوة للعودة إلى الذات، للتأمل في معنى هذه التغيرات، وفي كيفية التعامل معها بروحانية عالية، والتحديات التي يفرضها هذا العالم المتغير هي فرصة للروح لتثبت قوتها ولتبحث عن معناها في وسط هذا الاضطراب والامواج العاتية، وإن الأزمات والصراعات قد تكون في ظاهرها عقبات، لكنها في عمقها دعوات للتطور الروحي، وتحفيز على البحث عن الحقيقة والصفاء، وختامًا فأن النبض المستمر للروح بالحب والإنسانية، ورغم كل ما تواجهه من تحديات وصعوبات، لا تزال تشعر وتنبض بالحياة، وتواصل رحلتها نحو الحقيقة والصفاء، وإن هذه الرحلة ليست نهاية بحد ذاتها، بل هي حالة مستمرة من التطور والنمو الروحي، حيث كل يوم تفتح أبوابًا جديدة للتأمل والتعلم، وكل لحظة وهي فرصة للبحث عن الحقيقة في أعماق النفس.
نهايو المطاف
وللسعي نحو الصفاء في عالم يزداد اضطرابًا، وفي نهاية المطاف، ستظل الروح تنبض بالحياة ما دامت تسعى نحو الله، وتبحث عن الحــــــــــــــقيقة في كل زاوية من زوايا هذا الوجود، وستظل تبحث عن الصــــــــــــفاء في أعماق قلبها، حتى تجد الراحة التي تـــــــــــــــطمئن بها في نور الله، حيث تتلاشى كل الأســــــــــــئلة، ويستقر القلب في سكينة الأبدية، وصلى الله على سيدنا محمد الوصف والوحي والرســـــــــــــالة والحكمة وعلى آله وصحبه وسلم تسليما .