الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
نهاية التاريخ في العراق

بواسطة azzaman

عراق جديد يتشكل (1)  

نهاية التاريخ في العراق

منقذ داغر

 

لطالما وُجهت لي أسئلة،وأشتركت في نقاشات خاصة وعامة،عن سبب هذه الفوضى الأجتماعية والسياسية والأقتصادية بل وحتى الآيدلوجية التي يشهدها العراق ويعاني منها العراقيون يومياً. وبما أنني من جيل ربما يكون من أكثر الأجيال التي عايشت وشهدت تغييرات أجتماعية وسياسية وأقتصادية وتكنولوجية خلال مراحل حياته المختلفة،حتى بات يمكن تسميته «الجيل غير المستقر»،فيمكنني أن أؤكد فعلاً أن ما نشهده في حياتنا الأجتماعية والسياسية والأقتصادية يمثل معاناة وألم كبيرَين لكنهما كما أعتقد معاناة وآلام ما قبل الولادة. أنها فوضى نهاية التاريخ ليس بالصيغة الفوكايامية -نسبةً الى فوكاياما- بل بالصيغة الهيغلية -نسبةً الى هيغل- فكيف ذلك؟

حينما رأى هيغل،الفيلسوف الألماني المعروف،نابليون ممتطياً فرسه غازياً بلاده في عام 1806 قال قولته الشهيرة «رأيت الأمبراطور،روح العالم على حصان...أنه لأمرً رائع حقاً أن ترى مثل هذا الشخص يهيمن على العالم».لم يكن هيغل عميلاً لنابليون أو فرنسا،بل كان مؤمناً أن أفكار التنوير والثورة الفرنسية هي التي ستنهي التاريخ القديم المظلم للعالم وتفتح تاريخاً جديداً أساسه التقدم والعلم. لذا لم يرَ في نابليون سوى وكيل للتغيير الذي سيعم العالم. فنهاية التاريخ عند هيغل تعني بدأ تاريخ جديد افضل للبشر. لكن فوكوياما كان ينظر الى نهاية التاريخ في كتابه «نهاية التاريخ والإنسان الأخير»، سنة 1992، بأنها حقبة أنتصار الرأسمالية ونهاية كل الآيدلوجيات الأخرى المنافسة لها. أما في العراق فيبدو أن الفوضى الأجتماعية والسياسية والأقتصادية والآيدلوجية التي نعيشها ونشعر بها حالياً،ماهي الا مقدمة أو أعلان لنهاية حقبة تاريخية أمتدت لأكثر من قرن منذ تأسيس العراق الى الآن. لم يكن تأسيس دولة العراق في 1921 على يد المحتل الأنكليزي مجرد حدث سياسي عابر،بل كان أعلاناً واضحاً عن تدشين تاريخ عراقي جديد يختلف جذرياً عما سبقه،وأن كانت جذوره ممتدة في الماضي وناهلة منه. لم يكن الأنتقال السياسي من نظام الولايات العثمانية الثلاث الى نظام الدولة الملكية الدستورية سوى قمة جبل الجليد،غير أن غاطسه كان أعمق بكثير. لقد شهد المجتمع العراقي تغييرات جذرية في بنيته الأجتماعية الأساسية وأقصد بها علاقات القوة الآيدلوجية والأقتصادية والسياسية وحتى العسكرية. فعلى الصعيد العسكري مثلاً أنتقل العراق من نظام القوة العشائرية الى القوة العسكرية والشرطية للدولة. وهذا النظام أنشأ طبقة الضباط الذين باتوا ينافسون-بل ويتفوقون أحياناً- على قوة شيوخ العشائر. وفي المجال الأقتصادي نشأت طبقة من الموظفين )أو الأفندية كما يسميهم الوردي) وملاك الاراضي في المدن بما ينافس طبقة الشيوخ.وعلى الصعيد الآيدلوجي بدأت الحركات القومية والأممية والعلمانية تنافس الآيدلوجيات الدينية،وبدأ الصراع بين العمامة والسدارة بالظهور للعلن. كما بدأ تشكل جديد للوعي السياسي وأن كان مضطرباً. يقول الوردي عن تلك الفترة» كان تنازع العراقيين سابقاً تقليدياً ينشأون عليه من الطفولة كالتنازع بين الطوائف والقبائل والمدن...أما الأحداث الجديدة-يقصد بعد تشكل الدولة- فقد صار مبدئياً غير مرتبط بالأنتماءات التقليدية».  وظهر القطار والسيارة والهاتف...الخ في حياة العراقيين بطريقة زادت من تواصلهم ومن شبكات علاقاتهم الأقتصادية والسياسية وحتى الأجتماعية.بأختصار فأن عراق مابعد 1921 بات مختلف تماماً عن عراق ما بعده. لقد كان العراق آنذاك  يشهد ولادة جديدة جعلته وشعبه مضطربَين بين الفوضى التي يمثلها النظام التقليدي العشائري،والنظام الذي تمثله الدولة الحديثة.أننا نشهد اليوم ذات الصراع بين الفوضى التي يمثلها نظام مابعد الأحتلال في 2003 وبين قوى النظام والتقدم التي تريد عراقاً مختلفاً كلياً عما مضى. بين بُنى ومؤسسات وشخصيات وأدوار تأسست في الماضي وباتت مستهلكة وغير قادرة على أداء أدوارها التقليدية (كالدولة،والشيخ،والمثقف،والمدرسة) بسبب التغيير الحاصل في الحياة وبين بُنى ومؤسسات وعلاقات آخذة بالتشكل اليوم ولا نعرف مدى نجاحها أو فشلها. لقد تعرض العراق الى صدمتًين كبرى تزامنتا في آن واحد جعلتا شعبه،وثوابته،وعلاقاته،وقيمه،ومعاييره تترنح بشدة كاشفةً عن عدم قدرتها على مواجهة عواقب هاتين الضربتين أو هذين الزلزالين المتزامنَين وهما الأحتلال والتطور التكنولوجي.ولعل أهم مظاهر هذَين الزلزالين تمثلت في هدم علاقات القوة التقليدية التي قام عليها المجتمع العراقي لمدة طويلة. مثلاً ينقل لنا الوردي في كتابه لمحات من تاريخ العراق الحديث مقولة للشاعر معروف الرصافي تجسد هذا التحول في علاقات القوة نتيجة الأحتلال الأنكليزي بسبب محاباته لبعض العراقيين المتعاونين معه بحيث جعلت أحد الشواكين»من يبيعون الشوك» يصبح من كبار الملاك والأغنياء لأنه كان جاسوساً للأنكليز فكافأوه بمنحه أراضٍ كثيرة. فكم شواكاً بات ملياردير في يومنا هذا،وما تأثير ذلك على موازين القوة الأجتماعية؟ وكم من مستضعفين أستقووا،وكم من أقوياء أستُضعفوا اليوم؟ كم طبقة سًحقت،وكم طبقة تشكلت؟ كم قوة أندثرت،وكم ميليشيا ظهرت؟ بأيجاز: ماهي تأثيرات هذين الزلزالَين على العراق،وهل فعلاً نحن أزاء تشكل عراق جديد يختلف عن الذي عرفه آباؤنا؟

 

 

 

 

 


مشاهدات 21
الكاتب منقذ داغر
أضيف 2024/09/14 - 3:58 PM
آخر تحديث 2024/09/15 - 1:56 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 42 الشهر 5735 الكلي 9994357
الوقت الآن
الأحد 2024/9/15 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير