المدينة التي لا يجوع فيها أحد
حسين الزيادي
بين الكرم والتضحية أتصال وثيق وصلة متينة؛ فالمجاهد يجود بنفسه - وهذا غاية الجود- والمتحرر من نزعة المال وشهوة الغنى، يكون أقدر على السخاء والعطاء؛ لما يؤصله الكرم في النفس من معاني البذل والتضحية والإيثار، فيكون شديد التوكل، قوي اليقين، ثابت الجنان ولذلك ارتبط الكرم بالإيمان .
يُعد التجمّع البشري الذي تَشهده مدينة كربلاء خلال زيارة الأربعين ظاهرةً فريدة لا نظير له في أرجاء المعمورة ، فهذا التجمّع السلمي الذي تجاوز(22) مليون نسمة في مدينة لا تتعدى مساحتها (2379 كم2) يُعد حدثاً استثنائياً وأمراً لافتاً للانتباه، فالكثافة السكانية خلال يوم الزيارة تبلغ (9178.1) نسمة/كم2 ، وهي أعلى كثافة سكانية مُسجلة على مستوى العالم، ومن المذهل أن المدينة التي تحتضن هذه الملايين لم تُسجل حالة من النقص والعجز في توفير خدماتها من الطعام والإيواء والمعونة والإقامة، فضلاً عن الخدمات الصحية، وخدمات أخرى كغسيل الملابس وإصلاح الأحذية ومياه للاستحمام وخدمات الاتصال وغيرها من الخدمات التي تشهد تنافساً وتسابقاً لتقديمها من قِبل أصحاب المواكب والمتطوعين، وكُل تلك الخدمات تُقدم مجاناً بلا دعم أو تدخل حكومي، ولو اجرينا عملية حسابية بسيطة لما تحتاجه هذه الأعداد من وجبات طعام نَلحظ أن المدينة تحتاج في يوم الزيارة، وهو يوم الذروة ما يقارب (30) مليون وجبة طعام إذا افترضنا أن هناك ثلاث وجبات لـ (10) مليون زائر ، فما بالك إذا كانت المدينة تقدم خدماتها على مدى (20) يوماً .
في أية دولة عندما يبلغ التجمع البشري مليون شخص تَدخل الدولة بكافة مؤسساتها حالة طوارئ، ويُشكل ذلك كابوساً لها على كل المستويات الأمنية والاقتصادية والتموينية والبيئية ، لذلك تقف عاجزة عن تنظيم وطعام وايواء هذه الأعداد، لكن الأمر في كربلاء مختلف تماماً، فهناك صورة فريدة للبذل والعطاء والتكافل الاجتماعي لاوجود لها على سطح الارض، فهذه المدينة التي اعطيت من الشرف ما لم تنله أي بقعة من بقاع الأرض ، تبعث برسائل واضحة تُؤكد ان قضية الحسين عليه السلام ذات قيمة إنسانية وعطاء منفرد النظير، وأثر عاطفي فعّال، و اصلاح للمبادئ التي انحرفت والحق الذي غُيب، نعم كربلاء قضية مبدأ، ومشروع ثوري إصلاحي لا يتوقف.