قصاب يدخل معهد الفنون ولا يعرف العربية : أجد نفسي في الإخراج وأفضل المسرح الملحمي
السليمانية - باسل الخطيب
قادته الصدفة للتمثيل، وقاده الإصرار إلى معهد الفنون الجميلة في بغداد لصقل موهبته واكتساب الخبرات اللازمة، برغم عدم إجادته اللغة العربية! فنهل أصول الفن المسرحي والسينمائي على يد نخبة من كبار الفنانين يتقدمهم الرائد قاسم محمد، ليواصل مشواره في أصقاع الأرض ممثلاً ومخرجاً ومؤلفاً وصحفياً، وقبل ذلك مقاتلاً في صفوف البيشمركة.
إنه ابن السليمانية، الفنان الرائد فاضل قصاب، الذي دخل المجال الفني صدفه عام 1969 عندما اصطحبه صديق للعائلة لحضور عرض لفرقة السليمانية المسرحية التي يعمل فيها، فأعجبته الأجواء المسرحية وسرعان ما وجد نفسه منخرطاً في تمثيل عدة أدوار ثانوية، منها في مسرحيتي «حفار القبور» و «في ظلال الأشواك»، وبغية صقل موهبته واكتساب خبرة علمية، قدم لمعهد الفنون الجميلة في بغداد عام 1971، وهو لا يعرف من اللغة العربية إلا بعض عبارات السلام والمجاملة!
وفي ذلك يقول «عندما حضرت أول محاضرة للفنان الرائد قاسم محمد (1936- 2009) كدت أختنق وأحسست أن الدنيا اسودت في عيني كوني لم أفقه منها شيئاً»، ويضيف «حتى أنني قررت ترك المعهد والعودة لدياري لولا مساندة بعض الأصدقاء والمعارف».
لكن إصراره وتشجيع معارفه، جعله يتقن العربية، من بين عدة لغات أتقنها لاحقاً، ويواصل تعليمه.. وبالتوازي مع دراسته في معهد الفنون الجميلة، عمل في قسم التمثيليات بالإذاعة الكردية، التي كانت تبث من بغداد، رفقه مجموعة من الفنانين المتميزين ومنهم أحمد سالار، بديعة دارتاش، فرهاد شريف، إبراهيم سلمان، قاسم علي مندي وشمال عبه رش وغيرهم.. كما عمل أيضاً في إذاعتي العراق وصوت الجماهير.
وفي المرحلة الثالثة من المعهد، دخل قسم الإخراج، وفي العام الدراسة الأخير، كان بحث تخرجه مسرحية «بيت الجنون» للكاتب الفلسطيني توفيق فياض، وكانت مسرحية مونو دراما (من أشكال المسرح التجريبي القائمة على ممثل واحد يسرد الحدث عن طريق الحوار)، بإشراف أستاذه قاسم محمد، وتمثيل الفنان عامر جهاد. وقبل أن يكمل دراسته، ترك المعهد عام 1974 للالتحاق بالثورة الكردية، ليعود بعد عام، حيث عوقب بنقل خدماته من الإذاعة إلى شعبة القرطاسية في وزارة الإعلام، ومنها إلى المكتبة الوطنية، ما اضطره إلى ترك الوظيفة والتفرغ لإكمال دراسته بالمعهد.
غربة وتمثيل
في عام 1976، سافر فاضل قصاب إلى مدينة بيروجيا الإيطالية (170 كم شمال العاصمة روما)، حيث بقي فيها ستة أشهر لدراسة اللغة، ومن ثم سافر إلى مدينة فلورنسا، قبل أن يعود إلى مسقط راسه السليمانية نهاية عام 1976.. وفي عام 1977 عين مدرباً فنياً في مديرية النشاط المدرسي، وبقي في الوظيفة حتى عام 1982، حيث سافر للسويد لمدة عام.
وشارك قصاب في عدة أعمال مع فرقة السليمانية المسرحية على مدى عامي 1977-1979، منها إخراج مسرحية «بيت الجنون» تأليف توفيق فياض، إخراج وتمثيل مسرحية «الجرة» تأليف الكاتب والشاعر الإيطالي لويجي بيرانديلو (1867- 1936)، تمثيل مسرحية (جلجامش) إخراج خالد سعيد، «يهودي مالطا» للكاتب المسرحي البريطاني كريستوفر مارلو (1564- 1593)، «جسر آرتا» للكاتب اليوناني جورجيوس ثيوتوكاس وإخراج فاضل جاف، «القصة المزدوجة للدكتور بالمي» للمؤلف الإسباني أنطونيو بويرو باييخو (1916- 2000) وإخراج الراحل جهاد دلباك.
وفي عام 1984 أخرج مسرحية «بونتيلا وتابعه ماتي» للمؤلف الألماني برتولد برشت (1898 – 1956)، قبل أن ينضم لقوات البيشمركة مجدداً عام 1985 ولغاية 1988، حيث عمل رئيساً لتحرير مجلة (رنكالا) لسان حال اتحاد فناني كردستان/ شعبة الجبل، ومن ثم ذهب إلى مدينة «سقز» الكردية الإيرانية، ليبقى فيها حتى أواخر عام 1990 حيث قرر الذهاب إلى بريطانيا.
وفي بريطانيا عمل فاضل قصاب في إذاعة بي بي سي، وشارك في عدة أعمال إذاعية، كما عمل في مجال الصحافة، حيث كان يرأس تحرير جريدة «كردستان نوى» الاسبوعية، وجريدة «المنار الكردية» باللغة العربية، قبل أن يقرر عام 2001 العودة للسليمانية مجدداً.
عمل فاضل قصاب في السليمانية عام 2002 رئيساً لتحرير مجلة «استراحة كردستان نوى»، وفي عام 2003 ذهب إلى بغداد للمشاركة في افتتاح «محطة تلفزيون الحرية» التي عمل مديراً لها لمدة عام، ومن ثم عاد للسليمانية، وشارك عام 2006 في تأسيس فضائية شعب كردستان «كلي كردستان».
في عام 2009 شارك قصاب في تمثيل فلم قصير عنوانه (ضحايا الحرب) سيناريو وإخراج كامران جمال، وفي عام 2013 شارك في بطولة مسلسل «خطوات فوق الرماد» تأليف وإخراج كزيزة عمر علي، زوجة الفنان التشكيلي الراحل إسماعيل خياط (1944- 2022)، كما اشترك عام 2018 في بطولة مسلسل «أمطار الحظ» تأليف أحمد رضا وإخراج نياز لطيف.. وفي عام 2020 أخرج فلماً قصيراً بعنوان «ما بعد العزلة» من تأليف آوات عثمان، كما شاركت عام 2021 في مسلسل «المستأجرون» تأليف الكاتبة شعلة شريعتي وإخراج السوري د. غسان عبد الله، الذي سيعرض قريباً من على شاشة فضائية كردستان.. وأخرج عام 2022 فلماً قصيراً عنوانه (ما بعد العزلة)، وفي عام 2023 ترجم وأخرج مسرحية «امرأة وحيدة» تأليف الإيطالي داريو لويجي أنجيلو فو (1926- 2016) التي قدمت في مهرجان المسرح الكردي في المنفى بمدينة تويجنتال الألمانية.
يقول الفنان فاضل «أجد نفسي في الإخراج وليس في التمثيل»، ويضيف «أفضل المسرح الملحمي».
ويتابع لقد «تأثرت بأستاذي الفنان الرائد قاسم محمد والفنان المسرحي والمربي بهنام ميخائيل (1931- 1990) الذي كان رئيساً لقسم المسرح في معهد الفنون الجميلة والفنان المسرحي البريطاني جوردن كريج (1872- 1966) ومواطنه بيتر بروك (1925- 2022)»، ويشير إلى أن لديه «عدة أعمال من تأليفه أو إعداده مركونة لعدم وجود تمويل».
ويرى قصاب، أن الحركة المسرحية في إقليم كردستان «مشلولة حالياً نتيجة عدم توافر التمويل والاتجاه المادي للممثلين والفنيين»، ويستدرك «حتى إن وجد التمويل فإنه يذهب للأعمال الدعائية للأحزاب المتنفذة».ويشخص أن هنالك «ضعفاً كمياً ونوعياً في التأليف المسرحي الكردستاني بعامة وأن غالبية الأعمال التي تعرض حالياً تميل للتهريج والإسفاف»، وينوه إلى أن ذلك «يتطلب جهداً مكثفاً لإعداد ملاكات مؤهلة من مؤلفين وكتاب سيناريو وممثلين ومخرجين وفنيين».
ويحث الفنان الرائد حكومة الإقليم على ضرورة «مراعاة وضع الفنانين ودعم الحركة الفنية بعامة»، ويعزو ذلك إلى «أهمية الثقافة والفن في حياة الشعوب كونهما يشكلان قوة ناعمة تنشر الوعي وتعرف العالم بقضايانا المصيرية».
• بيبلوغرافيا
يذكر أن فاضل عبد الله عثمان، المعروف فنيا باسم فاضل قصاب، من مواليد السليمانية عام 1953، وأنه أكمل تعليمه الابتدائي والمتوسط في السليمانية، وتخرج من معهد الفنون الجميلة في بغداد/ قسم المسرح عام 1976، وهو عضو ومدير فني لفرقة مسرح السليمانية، وعضو نقابة الفنانين العراقيين منذ 1978، وعضو بورد مهرجان السليمانية السينمائي الدولي لأريع دورات.