الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
اللـه وياك (عبوسي).. ما أنسى أبد طعم الـ (ركَية)

بواسطة azzaman

اللـه وياك (عبوسي).. ما أنسى أبد طعم الـ (ركَية)

رياض شابا

ياتينا بعد السادسة او السابعة مساء، بلا موعد، قد نتعانق او نتصافح او لا نفعل، لكننا نكتفي بصيحات خافتة تفلت منا، مهللين، مرحبين بشخص احبه الملايين عبر الشاشة الصغيرة، فكيف بمن تربطه به معرفة ويلتقيه وجها لوجه؟

اول طاولة يتوقف عندها هي «مكتب» زهير الدجيلي رئيس التحرير، ثمة صحبة مميزة بين الرجلين، وبما اننا جميعا محشورين داخل فضاء يحتوينا  في شقة لا تفصلها جدران او حدود، فانه يجول بناظريه بيننا بابتسامة، سرعان ما تتحول الى ضحكة عرف بها لعقود طويلة.

وبعد حين لا يُقَدَّر مداه، يقترب من مكاني:

(يا الله_ يللا رياض)

**شنو حمودي؟

( خلّينا نشوف فلم حلو اليوم).

   حصل الامر ثلاث او اربع مرات طوال المدة التي كان مقر مجلة (الاذاعة والتلفزيون) في تلك العمارة الهرمة بجوار ( نقليات الاقتصاد) و(مطعم ابن سمينه) بالصالحية بداية السبعينيات. يبدو انه لايفضل شيئا على السينما في (سهراته) خارج المنزل، وعندما يطلب حمودي الحارثي مني مرافقته، اعِدُ جماعتي باللحاق بهم فور انتهاء العرض المسائي الاول بعد التاسعة والذي يكون قد بدا بعد السابعة عادة.

لم يقبل حمودي ان ابتاع تذاكر الدخول ولا مرة:

(اكعد راحة.. اني عازمك).

يقول ذلك واضعا اصابعه كلها فوق شفتيه، ما معناه (اسكت). وفي الاثناء يراقب الرواد المشهد بشكل لافت حقا، لا هرج و لا تجمع ولا فوضى، يكتفون بالنظر اليه من بعيد وفرحة المفاجاة تكسو وجوههم، اعجاب لا يخفونه، يقابله حمودي بضحكته المعهودة.

  لكن حمودي كسر القاعدة المتبعة في اخر سهرة جمعتنا، ارادنا معا في عرض التاسعة هذه المرة! لم افهم السبب، لكنني جاريته حبا واحتراما وامتنانا، وكانت سينما (الخيام) ذات (النجوم) المتلالئة والكراسي ذات  الجلسات الزاحفة، ملتقانا تلك الليلة، لا اتذكر عنوان الفيلم، لكنني اتذكر جيدا انه باغتني بطلب مرافقته الى (مكان ما) بعد انتهاء العرض!

** وين حمودي؟   (اصبر ..راح تعرف)   قالها على طريقة(عبوسي)، حاولت ان اقرا شيئا على محياه، فلم احزر.

  **قابل اني حجي راضي حتى تسويلي مقلب؟؟

  يبقى (عبوسي) صامتا ونحن نعود ادراجنا الى جانب الكرخ عبر احد جسرين (الجمهورية) او (الاحرار) و لكن ذاكرتي وبعد كل هذه السنين تهمس: اننا صرنا في الصالحية من جديد، ياخذني في شارع فرعي لنتوقف امام بيت اصطبغ بـ (طوابيك) وشبابيك و(محجرات) ذلك الزمان، شرفته مضاءة بمصباح يتدلى من فوق، والارضية مغطاة بمربعات من الكاشي الصقيل رغم نتوءات تسللت اليه، وسيدة عجوز تجلس على فرشة صغيرة، وكانها في انتظار.. ..انتظاره  هو اكيد.

  (يُمّه.. هذا صديقي رياض).   «ياهلا ..هلا ومرحبا ابني».

   ازدانت اشراقة وجهها بمسحة خجل وبنظرات حنان وبضحكة كبيرة يسهل عليّ تخيلها حتى اللحظة مثل هالة مضيئة، هرعَت على الفور الى الداخل لتاتي بـ(ركَية)، راحت تقطعها بعناية وببعض السرعة، بينما نحن جالسين حول طاولة صغيرة بمقعدين. شعرت وكاْن المكان معد حسب ترتيب مسبق باتفاق دائم بين الاثنين، كانت (الركَية) حمراء باردة.. مازالت رائحتها تعبق في مخيلتي.. وحلاوة تشبه طيبة ام عراقية ترحّب يصديق لابنها..

 ** شكرا حجية.. شكرا حمودي.

  قلتها وانا اصافحهما واهمّ في المغادرة، اردت تقبيل راسها او يدها، لكنني لم افعل خجلا او انبهارا او ارتباكا،  وها انا اقولها اليوم للمرة الاخيرة .. في ختام عرض موجع!

الله وياك (عبوسي)..!


مشاهدات 95
الكاتب رياض شابا
أضيف 2024/08/18 - 5:32 PM
آخر تحديث 2024/08/22 - 10:24 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 330 الشهر 9333 الكلي 9984877
الوقت الآن
الخميس 2024/8/22 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير