الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
التكنولوجيا وتآكل مفهوم السيادة

بواسطة azzaman

التكنولوجيا وتآكل مفهوم السيادة

خالد المعيني

 

يشهد العالم بفعل تطورات الثورة العلمية والتكنولوجية وانعكاساتها في انتقال المعلومات ورؤوس الأموال بغير حواجز إلى التداخل بين أمور السياسة والاقتصاد دون اعتداد بأن المجتمع الدولي يتكون من دول ذات سيادة ، لقد اجتاحت التكنولوجيا الحدود وتآكلت معها المسافات وسلطات الدول ففتحت أبواباً جديدة للتدخل المباشر وغير المباشر في أمور كانت تعد من الشؤون الداخلية والمحرمة للدول. ولعل الأثر المباشر للثورة العلمية والتكنولوجية يبدو واضحاً في تأثيره على النظريات التقليدية للسيادة ، فقد أخلت التفرقة التقليدية بين السيادة كمفهوم قانوني أي صفة من صفات الدولة قوامها الاستقلال القانوني في مواجهة غيرها من السيادات الأخرى ـ وبين السيادة كمفهوم سياسي ـ وتعني قدرة الدولة الفعلية على تأكيد ذاتها في المجال الدولي بحرية كاملة دون امتثال لدى سلطة خارجية أي القدرة الفعلية على تحقيق الاستقلال والإرادة الحرة في المجال الدولي ـ

ثورة علمية

أن الثورة العلمية والتكنولوجية والاكتشافات العلمية في مجال النقل والاتصالات ونقل المنظومات عبر الأقمار الصناعية وقنوات المعلومات، أحدثت تغيراً في مفهوم السيادة وأصبحت الممارسة الفعلية لمظاهر السيادة تتحقق بقدر ما تحوزه الدولة أو يتيسر لها من إمكانيات يوفرها التقدم العلمي في شتى المجالات فأصبحت ممارسة السيادة مفتوحة لدى بعض الدول ومحددة لدى البعض الآخر وأصبح كمال السيادة ونقصها - من الناحية السياسية - مرتبط بما للدول من إمكانيات علمية وفنية متقدمة تتيح لمعرفة ما يدور في إقليمها بل وفي أقاليم غيرها من الدول ، ولم تعد الحدود السياسية صعبة الاختراق بل أصبحت أقل صموداً أمام التقدم التكنولوجي في الاتصالات والمواصلات فعلى سبيل المثال فإن موجات الإذاعة والبث التلفزيوني الفضائي ووسائل الإعلام وشبكة المعلومات العالمية والبريد والاتجار الإلكتروني أصبحت تدخل حدود الدول دون أستئذان منها ، الامر الذي يرتب تساؤلا يطرح نفسه بدوره عن ضرورة إعادة النظر بمفهوم (العدوان) في القانون الدولي لان الامر لم يعد مقتصرا على المحتوى المادي والعسكري لهذا المفهوم بقدر حساب الحصيلة والآثار المدمرة الذي تمارسه الدولة (أ) على الدولة (ب) من خلال تسخير الوسائل غير المادية وشن هجمات عبر الحدود لممارسة التخريب والعدوان ولكن بوسائل ناعمة .

من جانب آخر أدت التكنولوجيا وزيادة الإنتاجية باضطراد إلى الحاجة لأسواق أوسع خارج إطار الدولة القومية (تسويق سلع وخدمات، تسويق معلومات، تسويق ثقافات وأفكار) بعد أن تراكم الادخار وأصبح أكثر من الاستثمار.

لقد قادت الشركات عابرة القومية من خلال منظمات عالمية أعدت لهذا الغرض عملية تفتيت وتقليص سيادة الدول من خلال تحكمها في تدفقات وتحركات رؤوس الأموال والأسهم العالمية ، ويشهد العالم اليوم ظاهرة الإنتاج عن بعد ، حيث تظهر منتجات معينة تصنع في بلدان مختلفة ويكون مقر الإدارة العليا للشركة عابرة القومية موجودة في بلد ما حيث توجد أقسام البحث والتطوير وإدارة التسويق. وباعتماد هذا الأسلوب من الإنتاج يصعب تحديد عائدية سلعة معينة إلى بلد واحد باعتبار أن السلعة منتجة كأجزاء في آلاف المصانع المنتشرة في العديد من البلدان. فالعالم يشتري ماركات عالمية لا تحمل منشأ بلد الصنع وبدأت تختفي عبارات مثل صنع في ألمانيا أو صنع في فرنسا أو إنكلترا أو اليابان وهكذا بدأت تظهر السلع مجردة من بعدها الوطني لتدخل بعدها العالمي .

 مدير مركز دجلة للدراسات والتخطيط الإستراتيجي

 

 

 


مشاهدات 36
الكاتب خالد المعيني
أضيف 2024/08/16 - 8:42 PM
آخر تحديث 2024/08/18 - 4:08 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 83 الشهر 7302 الكلي 9982846
الوقت الآن
الأحد 2024/8/18 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير