إشكالية عندما يكون الضيف والدخيل..(بلوه) 2-2
المصداقية بفيلم إختفاء صدام حسين.. هل كذب علاء في روايته؟
قاسم حسين صالح
المأخذ على المخرج هلكوت انه اعتبر (علاء نامق) صادقا في كل ما قاله، فيما الحقيقة ان بطل فلمه كان صادقا في روايته عن احداث الأشهر الأولى مع صدام ،غير انه ما كان صادقا في خواتيمها. فوفقا لروايته في الفيلم فان الذي وشى بصدام هو حارسه الشخصي بجهازه الأمني..محمد ابراهيم المسلط. والرواية الثانية تنسب للمحامي الدكتور خالد الدليمي رئيس هيئة الدفاع عن صدام حسين والشخص الوحيد الذي كان يلتقي بصدام في معتقله،أن الذي وشى به هو (علاء)..بطل الفلم!.
ويذكر خالد الدليمي نقلا عن صدام انه قال له:(قبل القبض علي، تكونت لدي بعض الملاحظات على صديقي صاحب الدار(يقصد علاء او قيس نامق). فقبل أسبوع من الاعتقال،بدا لي شارد الذهن، وقد بدأ وجهه يتغير وتصرفه غير طبيعي. ومن شدة ثقتي به لم يساورني أدنى شك في احتمال أن يغدر بي..بدا لي في بعض اللحظات أنه خائف ومرتبك، ومع الأسف فإنه ركب الهوى،وتبع الشيطان، وربما هي الغنيمة التي وعده بها الأمريكان..لذا، عليكم أن تخبروا العراقيين أن قيس النامق وإخوانه هم الذين وشوا بي). وبعبارة اخرى لصدام :(وشى بي صديقي فاستسلمت للأمريكان دون مقاومة). يدعم هذا الرأي أن رغد صدام حسين تؤكد أن الذي وشى هي عائلة قيس النامق، فيما اظهر الفيلم (علاء) نامق بأنه بطل..عذبه الأمريكان كثيرا لدرجة ان وجهه تلطخ بالدماء التي سالت من رأسه، وانه برغم هذا التعذيب القاسي والبشع..لم يعترف !
وفي رواية ارسلها لنا الأخ (حجي فاضل التميمي) يؤكد ان اهم شهادة هي تلك التي ادلى بها مرافق صدام الشخصي .يقول: بعد أن التقى صدام باهالي الاعظمية ذهبنا إلى بيت قريب من بيت هدى صالح مهدي عماش،ثم أمرنا صدام ان نتوجه إلى محافظة الانبار، وتوقفنا عند ال الخربيط الساعة السابعة مساءا.فتحوا لنا الباب واستقبلونا،وبعد ساعة انتقلنا لبيت اخر يبعد مسافة 150 مترا،عائد ايضا لال الخربيط .ذبحوا لنا خروفا وتعشينا، قام بعدها ال خربيط بنقل العائلة التي تسكن البيت الذي تعشينا به للمنام في البيت الأول.ودخل صدام لينام في غرفة بالطابق الأرضي فيما جلسنا انا وعبد حمود والآخرون في الصالة التي تعشينا بها.
في الساعة الثالثة فجرا سمعنا صوت انفجار هز المنطقة..وبعد دقائق دخلت علينا امرأة عجوز من ال خربيط تصرخ وتولول بأعلى صوتها،وقالت بالحرف الواحد {خره بروح موتاكم} لو مو طبتكم علينا جان ما انقصفنا.ركضنا باتجاه البيت فوجدناه قد دمر بالكامل وكان عدد الذين طمروا تحت الانقاض 17 شخصا 16 من ال خربيط ومعهم روكان الذي حضر متأخرا.
ضاقت الدنيا بعين صدام فطلب منا المكوث حتى الفجر لكننا طلبنا منه المغادرة الفورية فغادرنا لا نعلم الى اين!.بعدها طلب صدام ان نتوجه لمنطقة الدور في تكريت، فوصلنا بيت قيس النامق الساعة الثامنة صباحا. وبعد ايام قلت لصدام..انا لا ارتاح لقيس واخوته،فأجابني (صفي النية وليدي)..فعلمت ان خياراته قد نفدت وأنه مجبر على المكوث في بيت قيس النامق.
□ علاء.. هل اجاد اللعبتين؟
- ان صحت هذه الروايات فأن (علاء نامق) اجاد لعبة خداع صدام وباعه بـ 25 مليون دولارا ، واجاد لعبة انه استغل واستغفل فضائيات عربية تتعاطف مع صدام حسين وتعتبره بطلا عربيا، فيما هو بوصف الدكتور خالد الدليمي..(خائن)..اوصل صدام الى مشنقة الأعدام.
□ هل سيعرض الفيلم في بغداد؟
- تمنى المخرج (هلكوت) ان يعرض الفيلم في بغداد ،وذكر أن «لجنة من وزارة الثقافة العراقية، حضرت عرض الفيلم في أربيل،وأن وكيل الوزارة، فاضل البدراني،صرح لشبكة رووداو الإعلامية، إن «يد الوزارة مفتوحة»، متعهدا «باستقبال مخرج الفيلم في مكتبه ببغداد».
وما نتوقعه،ان الفلم سوف لا يعرض في بغداد،لأنه سيثير فتنة امنية، وانه اذا عرض في دار سينما للجمهور فأن الدار ستحرقها اكثر من فصيلة مسلحة. والأرجح ان وزارة الثقافة العراقية ستعتذر لهذا السبب، وقد تقدمه بعرض خاص لمخرجين سينمائيين ونقاد فن وصحفيين وعدد من موظفي الوزارة.
شهادة المخرج
في ظهر (23 تموز 2024) تم التواصل عبر الواتساب بالمخرج هلكوت في حواراستمر اكثر من ساعة ،خلاصته..ان هلكوت غادر العراق بعمر 12 سنة بعد كارثة حلبجة، وانه يتذكر تلك اللحظات التي بكى فيها لحظة وصل فيشخابور هو وعائلته،وان الفكرة قدحت عنده لعمل فلم عن اختفاء صدام حسين،فجاء الى العراق (23) مرة بحثا عن الرجل الذي اخفاه الى ان التقاه عام (2012) وتم الأتفاق بينهما.
□ بدأ الحوار بسؤالنا: ما الرسالة التي اردت ان توصلها عبر الفيلم؟
- أجاب: ان نتعلم من الماضي..وانا اطلب من كل السياسيين: عرب،كرد، سنّة، شيعة...ان يشاهدوا الفليم ليأخذوا العبرة منه،ويعرفوا نهاية من يسيء استخدام السلطة.
وأوضح هلكوت،ان بلدانا عربية طلبت منه عمل افلام سياسية (واعتذرت ،فانا مخرج ولا علاقة لي بالسياسة، وكان هدفي ان اعمل فلم عن 235 يوما.. كيف عاشها صدام، وحول موضوع الحفرة التي شغلت العالم في حينها).واضاف بأنه كان صادقا مع نفسه في فلم اراد له ان يكون درسا اخلاقيا ايضا.
وعن سؤالنا عن الجهة الممولة للفيلم،أجاب بأن وزارة الثقافة النرويجية ساعدته،وانه صرف عليه من جيبه مليونا ومئتي الف دولارا امريكيا.
□ وهل تنوي عرض الفلم في بغداد؟
- نعم..وقد قدمت طلبا الى رئيس الوزراء محمد شياع السوداني وما زلت بانتظار الجواب.
□ وهل انت تصدّق بكل ما قاله علاء في روايته التي حكاها؟
- لقد اخذت عليه تعهدا مكتوبا بأنه سيكون هو المسؤول أمام القانون عن كل ما يقوله.
□ واين علاء نامق الآن، هل هو في العراق أم في اميركا؟
- لا تعليق!
وشكرا للأخ (ايهان جاف) الذي تولى ترجمة الحوار بيني وهلكوت الذي كان يتكلم اللغة الكردية.
ومع كل هذه الأشكاليات فأنه ينبغي ان نحيي المخرج ( هلكوت) على فلم اراده ان يروي قصة انسانية مزج فيه بين الدراما والتوثيق ،لاسيما في تضمينه مشاهد توثق وحشية وهمجية القوات الأمريكية في تعاملها مع العراقيين، وبالأخص تلك المشاهد المنافية للأخلاق في تعامل الأمريكان مع السجناء العراقيين،وعرضهم وهم عراة ، وسخريتهم من شعب يعرفون انه اعرق منهم تاريخا واسبق منهم تحضرا. ونكبر فيه قدرته على تحقيق طموح استغرق عشر سنوات، وتجاوزه الأحباطات والتحذيرات..والمخاطر ايضا.
ختاما .. نرى ان الفلم اوصل رسالة خلاصتها ..أن نهاية الطغاة بشعة ،وان عرضه الآن..بعد عشرين سنة على اعدام صدام هو اختبار سيكولوجي للعراقيين بين من يلعنه وبين من يترحم عليه، لأن من جاء بعده،بنظرهم،هم افشل واقبح وافسد من حكم العراق في تاريخه السياسي.
□ تنويه مهم: لتكتمل عندك الحقيقة..اقرأ مقالنا بعنوان : صدام حسين ..في قراءة الأستخبارات المركزية الأمريكية لشخصيته . تحليل لكتاب عميل تلك المخابرات جون نيكسون.