فاتح عبد السلام
يتداول الاعلام الدولي والعربي، عبر تصريحات رسمية لحكومات في المنطقة وآراء خبراء ايضاً مصطلح “الحرب الإقليمية الشاملة”. ونرى دولا تسارع للتصريح في انها ستمنع نشوب مثل هذه الحرب التي تدق طبولها على الأبواب كما يجري تصويرها. ومعطيات الواقع تقول انه لا مكان لهذه الحرب الا في خيال سياسيين يسوقون الحرب الافتراضية الشاملة لمنع تضرر مصالح تكتيكية وجزئية لهم في المنطقة.
حين اندلعت حرب غزة قبل ما يقرب من عشرة شهور وجدنا حولنا الكثير من الأصوات التي تصدح بمصطلح الحرب الشاملة القريبة، وكلها إشارات مبطنة لقضية واحدة هي التلويح باشتراك ايران في الحرب فتتحول عندها الى إقليمية وشاملة. ذلك انّ سوريا تلملم جراحها العميقة وتتجه لتسويات استراتيجية مع تركيا وليست في صدد اية حرب خارجية. كما انّ لبنان يجري فرزه الى مجالين منفصلين بحسب الوسطاء الدوليين الامريكان والفرنسيين في اقناع إسرائيل بانّ اية حرب مع “حزب الله” يجب الا تعني تدمير بقية أجزاء لبنان. والعراق في موقع جغرافي وسياسي وأمني وعسكري وايديولوجي لا يجعله ابداً في حيز خوض حرب ليس له فيها أي هدف واضح، فضلا عن استحالة ان يكون العراق طرفا فيها.
اذن هي “ايران” التي يقترن بها تعبير الحرب الإقليمية الشاملة، وهي ذاتها ترسم استراتيجيتها في واد آخر، بعد أن دخلت مرحلة من الغزل الجديد مع الغرب مع تنصيب رئيس جديد لها يحمل اللافتة الإصلاحية ويترك الباب مواربا مع الغرب والولايات المتحدة فيما يشتغل الوسيط العُماني من اجل تخفيف الاحتقان في المفاوضات الخاصة بالملف النووي والتي تعاني التعثر والتوقف.
ايران جاهرت انها قدمت الدعم بالسلاح والمال لحركة حماس في غزة ، لكنها عند اندلاع اول يوم من الحرب سارعت الى نفي صلتها بملف هذه الحرب برمتها. وأنها لم تكن لتتحرك عسكريا في ضربة مقننة معلومة التوقيت والاتجاه لولا أن قامت إسرائيل بقتل قيادة إيران الميدانية الأساسية في ضربة القنصلية الإيرانية في دمشق. فالرد الإيراني كان أساسه هو الاعتداء على جزء صميم من ايران، وليس دفاعاً عن حلفاء في ميادين القتال والمواجهة في سوريا ولبنان واليمن والعراق، وانّ ايران أساساً تعتمد أولئك الحلفاء لخوض معارك المناورة نيابة عنها، ولن تعكس الأدوار فتقوم بالدفاع هي عنهم عند تعرضهم لهجمات او خوض حروب.
لا وجودَ فعليا لمصطلح الحرب الإقليمية الشاملة، لأنّ عناصرها لا تتوافر في الواقع ، ولن تتوافر تلك العناصر الا في حالة تعرض ايران لحرب وجود وتغيير النظام السياسي كله كما حدث في العراق في العام 2003، وهذا من الافتراضات التعجيزية الخيالية التي تساق لتقريب الأمثلة ليس إلا.
رئيس التحرير-الطبعة الدولية