الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
البهجة والمعنى في عالم محمود شبّر

بواسطة azzaman

البهجة والمعنى في عالم محمود شبّر

لوحات بحدائق روحية وطقوسية تنقل البوح الخفي للمكان

نعيم عبد مهلهل

عالم اللون حتى تكتمل فيه غايات المعنى ينبغي أن تتلامس فيه الاطياف وتتحد في شكل يمنحنا لذة قراءة ما نرى. والفن هو صيغة الحياة بكل صنيعته أي أنه  الجمال الذي تتقنه موهبة وحلم وحرفة.

وحتى تكون فنانا (رساماً) على روحك أن تجتهد قبل الأصابع والريشة.فمسافة النظر بين الجفن وقماش لوحة هي مقدار تلك الايحاءات والرغبة والهواجس والافكار التي تسكنك لتختار ما تريد أن تجعله بوحا لونيا وجمالياً وتهديه الى ناقد أو متذوق أو هاو يعتقد أن مشاهدة اللوحة تساوي متعة سماع اغنية ليلة لكوكب الشرق (أنا في انتظارك ــ مثلاً).

الفنان التشكيلي العراقي محمود شبر  والمقيم في مدينة دبي يمضي وفق تلك الرؤية التي كانت ألهة بابل وأكد وسومر والنمرود تتخيل فيها أن الانسان اذا اراد أن يشاركها حلم تخيل الليل مع النجوم والورد والكاهنات عليه أن يمتلك المواهب الناعمة والجميلة وهما الرسم او كتابة الشعر. محمود شبر يتقن موهبة الهاجسين معا حين تشعر أن لوحته قصيدة، قصيدة بحدائق روحية وطقوسية تشتغل بتقنية الفطرة الاولى،ولكنها ببنائها وهيكلتها تبدو رسوما متقنة البناء والمهارة والحرفنة والتكنيك والرؤية منظورا وتجسيدا،وما يميزها هو قوة الحدث داخل اللوحة، شكلا وفكرة ورسالة. موضوعات محمود شبر يربطها خيط من عاطفة ريشته،فهو فنان وعي وجمالية وفنتازيا، وربما في لحظة غيب ممتعة يمد رؤاه واحلامه الى امكنة يعتقد انها امكنة لخليقة البوح ومدن الطين وغابات القصب وتنانير صناعة الخبز والدمى. فعنده شغف روحي وملون بالبيئات التي تخلق بواكير احساسنا بتلك الولادات الطقوسية لحلم الكتابة واللون والحب الانساني الذي زرعاه آدم وحواء قرب أديم طين الجنوب ثم بعثاه رسائل الى كل جهات الأرض بيد من تناسلوا منهما . فما يرسمه شبرعن بيئة الاهوار،هو ما يرسمه الوعي الأول لدى الفنان السومري عندما تلك الصباحات الممتلئة بفنتازيا البوح والعشق ودموع تواريخ الموت والعشق والتجفيف تتحول في ذاكرة شبر الى فنتازيات لوطن اللوحة،ويشتغل عليها بتناظر جمالي بين العاطفة وقراءة المكان حدثا متشابكا وليس منظرا طبيعيا يسكن مخيال السائح والزائر ومن يحج الى تلك الامكنة ليصطاد  الطيور المهاجرة، أو مأمور تجانيد او الموظف  الصحي الذي  يتجول بمشحوف بين تلك القرى التي تعيش نأي امكنة الماء وتواريخ سلالات سومرية قديمة. وربما لوحته الطريق الى الجبايش هي توثيق حسي وروحي وطوبغرافي وجغرافي وجمالي عن مدينة هي وردة في خاصرة بيئة الاهوار وبابا الى جنائنها،عندما كانت هي واحدة من جهات دلمون،ففي لوحة محمود شبر (الجبايش) تشاهد ممكنات المكان وموجوداته وقد رسمها بحس واقعي ــ فنتازي تشعرك فيها زواية النظر الى ما في اللوحة من أن اؤلئك (البشر والجماد) هم من يصنعون للمكان خصوصيته وغرابة واساطير وجماله. لتشعر أن  لوحة محمود شبر ليست معايدة سياحية،بل هي معايدة سومرية تنقل البوح الخفي الذي يشعره المكان ويحاول ان يوصل احلامه وامنياته ومظلومياته الى ابعد نقطة في الكون عبر لوحة رسام انتمى الى هاجسه المتعاطف مع البيئة في حزنها ودفعها الى حافة العطش، فتعاطف مع المكان فرسمه بأثارة وتميز وجعل الواقعية هنا فنتازيا لقصيدة حروفها اللون والطبيعة بمن يديرون عجلة الحياة فيها.

الامكنة وتواريخها

أعمال محمود شبر هي اعمال مثقفة عالية الأداء والتقنية، وفي داخل اعماله سرد كبير لحكايات الامكنة وتواريخها. فهو يرسم بوعي ولغته اللونية تؤدي دورها الجمالي والمعرفي حتى دون الحاجة الى شروحات وخصوصا اهتمامه بالطقس العاشوري الذي يصاحبها تعاطف خفي ومعلن بين موروثات وثقافة اكثر من الف عام مع الحزن الذي يقرا شبر شخوصه واناسه جيدا،فيتخيل بمساحات ما نشأة عليه فطرة الانتماء الى المكان وحكاياته،ومتى عرف العالم موهبته اشتغل بحس لا ارادي على جماليات تلك الرؤى الحزينة في مشهديات عاشوراء وكل هاجسه في النهاية ان يكون السيف نداءا حسينيا للسلام وان يكون مارثون طويريج هو السير الى الحقيقة التي رسمها بهاجسها الفطري والشعبي والمحلي،ولكن هي ايضا رسالة بأن صناعة الحياة الجديدة يمكن ان تكون درسا من ملحمة المباديء التي صنعت فلسفة المقاومة ضد الظلم، وليس فلسفة لشعائر غريبة كالتطبير وايذاء الجسد. لوحات محمود شبر الطقوسية تحتاج الى شروحات تتأرجح بين العقل وعاطفته  والتابوهات العميقة في ثقافتنا،ولكنه في هكذا نمط من الفن المرتهن بعميق الذاكرة يحاول أن يحول قطرة الدم الهاطلة كما قطرة مطر من سيف امام شهيد يحولها الى تداخل حسي وسردي ولوني من حكايات وميثلوجيات ونواح سبايا كلها تمشي من طويرج الى كربلاء (بمشيتها الشهيرة) لتبدو في واحدة من لوحاته،ظلال الفارس المعصوم بذاكرة الثورة التي تسكنه وتخفي ملامح وجهه المبارك ليحل معها النور ونحيب المنابر والمواكب والركض خفافا الى ذهب قبته المباركة. يبدو أن اشياء كثيرة تستهوي محمود شبر ليكتب قصيدته على شكل لوحة، غرائبيات في مشاعر الوجوه،وكتل مغايرة للتركيب الطبيعي ولكنها في النهاية تعكس ما تراه العين وفق منظور جمالي يعكس أحاسيس كل الكائنات التي يضع شبر احلامها في رغبة لتفجير الكامن في خواطرنا اتجاه موجوداته، البشر والورد والوجوه المسكونة بأساطير شعب ينبغي أن نعرفه من خلال تقاليده وخرافاته وحكايات مقاهيه والحكواتي الذي يؤسطر المعركة ليجعل فيها السيف الواحد ينتصر على الف سيف. يقول الماركيز : ان الغرائبية أن لاتكون غريبا كما يراك الآخر، بل كما يشعرك. ومن يقصده ماركيز هم قارئه،وربما من يقصدهم محمود شبر هو اؤلئك الذي يحضرون معارضه ويقفون أمام لوحاتهم،بعضهم يرى ما فيها وبعضهم لا يرى، والثاني جاء من ضمن أتكيت هذه العولمة الغريبة،الذي يكون الفن الجميل هو الضد المقاوم لها عندما نعرف ان بأمكان الذكاء الصناعي قريبا أن يرسم الموناليزا بأدق مما رسمها دافنشي.. هذا مختصر أولي لكتاب يحمل رسومات بعض فناني العراق.وربما صديقي الفنان محمود شبر  له فتنة خاصة ومثيرة بينهم.


مشاهدات 178
أضيف 2024/07/28 - 3:40 PM
آخر تحديث 2024/08/14 - 2:13 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 292 الشهر 5864 الكلي 9981408
الوقت الآن
الأربعاء 2024/8/14 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير