رسامو كاريكتير بأفكار متميزة
رحلتي إلى مصر أم الدنيا
علي إبراهـيم الدليمي
1- (الحلم .. والطموح)
رحلتي مؤخراً إلى جمهورية مصر العربية الشقيقة، «أم الدنيا»، لم تكن وليدة صدفة عابرة، أو ظرف طارئ، أو دعوة فنية نبيلة، بل جاءت بعد مخاض حلم طويل جداً جداً، بدأ أعراضه تظهر في مخيلتي وضميري منذ منتصف العقد السبعيني تقريباً، عندما بدأت تتبلور عندي هواية المطالعـــــــــة الشامـــــــــلة للصحف والمـــــــــــجلات العـــــــــــــــراقية والعربية، وقراءة كل ما يقع تحت يدي من كتب فنية وأدبية وروايات ومجاميع قصصية قصيرة، وكذلك أصابتي بـ «فايروس» الفن، والرسم الكاريكاتيري بالذات، التي انتقلت (عدوته) لي من المجلات المصرية المتخصصة الرصينة أنذآك، والتي كانت تتصدر المكتبات في بغداد، مثل مجلتيّ: «روز اليوسف» و»صباح الخير» الشهيرتان اللتان كانتا المصدر الأول والمهم في فهم رسالة الكاريكاتير الصحيح، فنياً وفكرياً، حيث خرج من معطفهما كل رسامي الكاريكاتير العرب.. دون إستثناء.. فضلاً عن الصحف والمجلات الفنية الأخرى، ومنها المجلات اللبنانية كذلك مثل (الصياد)، التي كان الكاريكاتير متواجداً فيها بقوة، وجميعها عموماً كانت لها تأثير مباشر وراسخ في بلورة ونضوج ذائقتنا الفكرية الشبابية.فقد كانت مجلتيّ «روز اليوسف وصباح الخير» تضم كبار رسامي الكاريكاتير في مصر، وكانت خطوطهم الفنية المتنوعة في أساليبها تبهرنا وتسحرنا كثيراً، حد الجنون، أما أفكارها فكانت متميزة جداً، في طريقة تناولها وطرحها، بطريقة محببة حيث كانت السخرية اللاذعة فيها، التي نكتسبها منهما، بمثابة البلسم المداوي لجروحنا العميقة جراء الحالات السياسية والإجتماعية اليومية المتواصلة في مجتمعاتنا العربية عموماً.
اتسمت هاتان المجلتان، وقتذآك، بتفرد صور الرسوم الساخرة من غلافهما الأوليان حتى غلافهما الأخيران.. وحتى رسم البورتريت الكاريكاتيري كان هو المهيمن في متابعة أخبار الفنانين والأدباء والسياسيين وغيرهم.
حصار اقتصادي
كان في داخلي يتأجج دائماً الإشتياق العميق أن ألتقي بهؤلاء العظماء من رسامي الكاريكاتير الكبار، ولكن الظروف السياسية زمنذآك حالت دون تحقيق ذلك، حيث التحقت في أتون حرب السنوات الثمان، حتى حرب الكويت.. وبعدها نقع تحت يافطة الحصار الاقتصادي، حيث منعنا من السفر نهائياً، لتكمن الطامة الكبرى باحتلال العراق، وتدميره عن بكرة أبيه..
والجدير بالذكر انه في أثناء الحرب الثمانينيات، زار بغداد أربعة من كبار رسامي الكاريكاتير المصريين المعروفين، وهم كل من الفنانين (زهدي، وأحمد طوغان، و رؤوف عياد، وجمعة فرحات)، بدعوة من نقابة الصحفيين العراقيين لإقامة معرض لهم في قاعة «كولبنكيان» بتاريخ 4/9/ 1986، وقد كنت حينها متواجداً في جبهات القتال ولم أحظ بهم.
كان همنا الوحيد كيف نوفر لقمة العيش لعوائلنا، لم نفكر بالسفر حتى لمحافظاتنا داخل بلدنا نفسه، فكيف سنسافر إلى دول خارج العراق.. لكن هذا لا يعفيني أن «أفكر» بجدية السفر إلى مصر العزيزة «أم الدنيا» مهما كلف الأمر.. رغم ان المطبوعات المصرية ومنها «روز اليوسف وصباح الخير» قد انقطعت أخبارهما نهائياً من تواجدها في المكتبات العراقية، منذ بداية الثمانينيات بسبب الحرب، ولكني كنت أحتفظ بأعداد كثيرة منها، أرجع إليها كلما هزني الحنين إليها.فلم تبارح ذاكرتي قط أسماء الرسامين الكبار، وأفكارهم المتميزة واللاذعة، وأساليبهم الفنية اللذيذة.. التي كانت راسخة في مخيلتي طوال مسيرتي الفنية وأنا أمارس عملي الصحفي في نشر رسوماتي الكاريكاتيرية في صحفنا العراقية على مدى نصف قرن...
يتبع الجزء الثاني