غدير خم بين رؤية العقل والضمير
احسان باشي العتابي
ربما ما سأطرحه ليس بالشيء الجديد بالنسبة لي،او لغيري من المهتمين بهذا الشأن،لكن يبقى الامل معقوداً ،في ان تؤثر كلماتي المتواضعة، في اصحاب العقول، الذين يحاولون البحث عن الحقيقية بتجرد تام.
كثر اللغط موخراً ،حول احتساب مناسبة «يوم الغدير» ،عطلة رسمية في ارجاء البلاد كافة، بعد مصادقة رئاسة الجمهورية العراقية، على مقترح القانون الذي رفعه إليها مجلس النواب؛ وسبب اللغط الذي جرى وربما ما زال يجري، ليس بدوافع طائفية ،كما يحاول البعض ان يصوره،انما بسبب دوافع عقلائية ،هدفها العبور بالبلاد إلى بر الأمان،في ظل الأوضاع المزرية التي تعيشها البلاد، على مدار اكثر من عقدين من الزمن، والسبب الرئيسي لها، كما هو واضح، ولا يقبل الشك»الطائفية المقيتة»،التي لعب على وترها وما زال يلعب الكثير، بغية الوصول لماربهم الشخصية، التي هي بالحقيقة ،تنفيذاً لمآرب اسيادهم من اعداء العراق بل والإنسانية ،رغم كل محاولات التبرير التي يتبعونها، لدفع صفة الخيانة عنهم لكنها ثابتة وفق كل المقاييس. لا أبالغ ان قلت ،انه لا يختلف اثنان من ذوي البصيرة، في العالم العربي والاسلامي ،وربما في العالم اجمع، على أن علي بن أبي طالب ،كان حاكماً مثالياً بكل ما تعني الكلمة من معنى، بل وانسان حقيقي، ويشهد بذلك البعيد قبل القريب، والعدو قبل الصديق ،واستشهد بقول للشاعر العباسي، السري الرفاء الموصلي، حيث قال»وشمائل شهد العدو بفضلها والفضل ما شهدت به الأعداء».
واذا ما تتبعنا سيرة ذلك الرجل النادر، للمسنا كل الصفات النبيلة ،في كلامه فضلاً عن افعاله، تجاه الجميع، سواء المتوافقين مع توجهاته، او المخالفين له بسبب تلك التوجهات ،التي سببها»نهج ومنهاج الحق»،الذي لم ولن يحيد عنه ،حتى مع اقرب المقربين له ،وخير شاهد ما تفوه به ،مع ابن عباس ساعة دخوله عليه في ذي قار، فوجده يخصف نعله ،فساله علي بن ابي طالب قائلاً:» ما قيمة هذا النعل؟ فأجابه :لا قيمة لها! فقال علي: والله لهي احب الي من إِمرتكم، إلا أن أقيم حقاً ، او ادفع باطلاً» ،ومنطقه ذلك ،يثبت ترفعه عن طلب السلطة والسعي لها ،إلا بشروطها وشرائطها ،التي اسس لها الرب الذي يؤمن به علي،لمن استخلفهم في الارض، وجعلهم حملة لرسالاته السماوية ،واحدا تلوى الاخر بمختلف عناوينهم.
مصادر التاريخ
اذا يتبين مما تقدم، ان رغبة علي بالسلطة، كانت غايتها إقامة الحق، والعدل ،والمساواة ،وفق النهج والمنهاج ،الذي خطه ربه كما اسلفت، وليس بهوى النفس، ولغايات دنيوية رخيصة، رغم انه متيقن، انه اولى من الغير بتلك القضية، بحسب ما تذكره مصادر التآريخ طبعاً ،لكن مع كل ذلك، فقد تركها نزولا عند رغبة المجتمع انذاك، لكن رغم كل ذلك ،لم يترك علي المجتمع، بحجة انه لم يسانده في تسنمه منصب الخلافة ،باعتباره احق من غيره» بحسب فرضية حادثة غدير خم». كذلك لم يحاول ان يحيك المؤامرات والدسائس، لمن تصدوا لتلك المسوولية، بل العكس صحيح ،كان دائما وأبدا ،يقف في جوارهم ،بكل صغيرة وكبيرة، خدمة للصالح العام، وخير شاهد ما قاله الخليفة الثاني عمر بن الخطاب-رض- «لا ابقاني الله لمعضلة ليس فيها ابو الحسن» ،وموقفه تجاه الذين فرضوا الحصار على الخليفة الثاني عثمان بن عفان-رض-،قبل أن يقتلوه شر قتلة داخل داره، وغير تلك المواقف الكثير التي ملئت بطون الكتب،الخاصة بنقل احداث تلك الحقبة الزمنية.
فعلي كان يرى الخلافة وسيلة، لخدمة المجتمع سواسية، دون تمييز ولأي سبب كان ،وليس خدمة نفسه، واهله، والمقربين منه، من خلال استغلال السلطة، وأموال العامة، كالذي لمسناه ولسنوات طويلة، على يد الكثيرين ممن يدعون بالانتماء العقائدي له! حتى ثبت للقاصي والداني، ان الفساد والإفساد ،الذي حل في العراق، لم يشهد مثله التاريخ القديم كله ،على مستوى العراق بل والمنطقة والعالم اجمع! واغلب ذلك الفساد والإفساد، ان لم يكن كله ،الذي نوهت عنه،سببه الكثيرين ممن يدعون بالولاء لعلي بن ابي طالب وبشهادة واعتراف الكثير، ممن يؤمنون بقضية»الولاية لعلي بن ابي طالب»،سواء كانوا في موقع المسوولية الحكومية، او ممن هم في خارجها ،ناهينا عن حكم الطبقة المجتمعية، التي تجمعها «قضية الولاية»،مع تلك الطبقة الحاكمة، وذلك كله خير دليل ،على ان اعتراض الكثيرين اليوم، على إقرار تلك المناسبة ،عطلة رسمية في البلاد، ليس بدافع طائفي ،لان الاعتراض جاء من قبل الكثير، ممن يؤمنون بإمامة علي وأحقيته بالخلافة بحسب الفرضية، ولم ياتي فقط ،من خلال الذين لا يؤمنون بتلك القضية كما يذكرها التاريخ.
ما اود قوله من كل ما تقدم، انه بحسب المنطق ،ان النقائض لم ولن تجتمع يوماً، مهما حاول البعض جمعها، لتسير بخط متوازي، خدمة لأنفسهم ولمن خلفهم، فعلي بن ابي طالب ،لا يجتمع مع الفاسدين والمفسدين اطلاقا، مهما حاولوا ان يزينوا أقوالهم وأفعالهم ،وهذا هو جوهر اعتراضنا ،على أغلب من اسس لاحتساب مناسبة غدير خم عطلة رسمية في البلاد.
وهنا لابد من طرح هذه الإشكالات بهدف أن نستمع للإجابة عليها..
ان اعتبار تلك المناسبة عطلة رسمية، على مستوى البلاد كافة ،يوحي بين طياته،ان بقية ملل الاسلام قاطبة ،بل وجميع الأديان السماوية الأخرى قابعة في الضلال! بالتالي ان ذلك الإشكال ،يقودنا إلى أشكال أكبر وأعظم ،يمس عقيدة دين الإسلام من جهة! وشخصية الإمام علي من جهة اخرى! ولو كان المقام يسمح بتبيانه هنا ،لبينته إبانه مستفيضة، لكن للأسف لا يسمح لاسباب عدة ،لذلك ساترك القاريء اللبيب يجيب عليه مع نفسه او مع الغير حتى.
الإشكال الاخر كذلك، هل ان جناب السيد رئيس الجمهورية ،أيد القرار وصادق عليه ،من زاوية قناعة شخصية ،ام من زاوية اخرى نجهلها نحن كعراقيين مستقلين واقعا؟! وهذا الإشكال ايضا سيقودنا إلى إشكال آخر جديد ،واذا بقيت أناقش واطرح الإشكالات على ماهية ذلك القرار فإنني لن انتهي ،لاني أناقش كل شيء بمنطق العقل، وليس بمنطق الولاء والتبعية للقطيع كما غيري!
وهنا جاء طرح التساؤل البديهي المهم بل الأهم، الذي هو عوداً على بدء كما يقال: هل الذين سعوا في طرح ذلك القانون ،بغية مصادقة الجهة المسؤولة على إقراره، متمثلة برئاسة الجمهورية ،باي خصلة من خصال الإمام علي-عليه السلام-تأثروا فساروا عليها، حتى باتت منهاجا لهم في الحياة يسيرون عليها؟! أتمنى الإجابة منهم أو من مناصريهم،لكن دون سباب وكيل للتهم جزافاً.