بغداد .. حضارة وتأريخ

عبد الكريم احمد الزيدي

لطالما كان شاغلنا الشاغل أن نرى بغداد كما يستحق تأريخها وذاك المجد والزهو الذي ولدت فيه وشبّت عليه ، ليس بمعنى الأسم والعنوان وذاك تشترك فيه العديد من المدن والعواصم في العالم وأنما الدور الريادي في أحداث التغيير والنهضة الفكرية والعلمية واستفطاب مراكز التجاذب والتجديد لتجتمع نوراً يضئ أركان المعمورة بما لها من أرث ومكانة ودور في إحياء معالم الأصل والتنظير وآفاق الزهو والأرشاد ...لقد شهد لها التأريخ منذ بنائها عاصمة للنور والعلم والثقافة والآداب ومركزاً يلوذ اليه طلاب العلم والأدب ومدرسة يسعى لها العالم للدراسة والتعليم ، وقد زادها تيهاً وجمالاً موقعها وطريقة بنائها وهي تتسوّر دجلة الخالد على ضفتيه وعذب مياهه ورقة شاطئه وطراوة منظره ، وكلنا يشهد في عراقة تأريخها وأهمية وجودها منذ أن كانت عاصمة للخلافة العباسية ومركزاً لأنطلاق الفتوحات والتوسع والأزدهار وحاضرة للعلماء والشعراء ورافداً لأهل الأدب والتعليم .. وعلى الرغم من ويلات الحروب والفتن وأطماع الشر والظلام ظلت بغداد حتى بعد سقوطها على يد التتار 1258 م محافظة على معاني الرفعة والتميز والأثراء ولم تستسلم للهزيمة والإنكسار بل عاودت بعث تأريخها ودورها الأنساني للبشرية وأحياء تراثها الدائم والباقي  ، وهنا نتسائل بعد هذه المقدمة الموجزة ، هل ان مساعي التحديث والتطوير والإعمار الحالي هي ما كنا نطمح ونتمنى ؟ ومتى كان معنى الأحياء والمحافظة على معالم وتراث وحضارة بغداد هي محاولات تعرية ونزع الروح وتغريب وجهها بقوالب الأعمار المستوردة لتصبح كما قيل بالأمس القريب على شاكلة مدينة زرق ورق ، ليس هذا ما كنا نتأمله بل المحافظة على وجهها الحضاري وتاريخها العريق بحداثة الروح والشكل والصورة .. وإيجاد الحلول المناسبة لفك الاختناق السكني والمعماري والمروري وأعتماد الطراز والمفهوم السامي لمعنى بغداد حضارة وتأريخ .