وراء كل قصيدة قصة
حسين الصدر
-1-
مرثية الشاعر محمد بن عمر الأنباري لنصير الدولة الوزير محمد بن محمد بن بقيّة شاعت وانتشرت بين الناس وتناقلتها كتب التاريخ والادب لأنها من غرر القصائد وعيون الشعر .
-2-
لقد أمر عضدُ الدولة بصلب ابن بقيّه وبقي مصلوبا الى أنْ تُوفي عضد الدولة .
-3 –
واليك بعض أبياتها :
عُلوٌ في الحياة وفي المماتِ
لَحقٌّ أنت إحدى المعجزاتِ
كأنَّ الناس حَوْلَكَ حين قاموا
وفودُ نَداكَ أيامَ الصِلاتِ
كأنّك قائِمٌ فيهم خطيبا
وكلهُمُ قِيامٌ للصَلاةِ
مددتَ يديك نحوهُمُ احتفاءً
كَمَدِكها إلَيْهِمْ بالهباتِ
فلما ضاقَ بطنُ الأرض عن أنْ
يضمَ عُلاك مِنْ بعدِ المماتِ
أصاروا الجو قبرك واستنابوا
عن الأكفان ثوب السافياتِ
لِعِظْمِكَ في النفوس تبيتُ ترعى
بِحُّفاظٍ وحُرّاس ثقاتِ
وتُشعل عندك النيرانُ ليلاً
كذلك كُنتَ أيامَ الحياةِ
ركبتَ مطيةَ مِنْ قَبْلِ زيدٍ
علاها في السنين الماضياتِ
وتلك فضيلةٌ فيها تأسٍ
تباعد عنك تعبير العِداةِ
فلم أر قبلَ جِذْعِكَ قطُّ جِذْعا
تمّكنَ مِنْ عناقِ المُكْرُماتِ
أسأت الى النوائب فاستثارت
فأنتَ قتيل ثأرِ النائبات
قال الحافظ ابن عساكر في ( تاريخ دمشق ) :
لما انشدت القصيدة بين يدي عضد الدولة ( قاتل ابن بقية ) تمنى أنْ يكون هو المطلوب دونه .
-4-
وحين أخذ الصاحب بن عباد الأمان لابن بقيّه ودخل على عضد الدولة قال له :
أنت القائل هذه الأبيات ؟
قال :
نعم
قال أنشدْنِيها من فيكَ
فقال له عضد الدولة :
ما الذي حملك على رثاء عدوي ؟
فقال :
حقوقْ سلفتْ ،
وأيادٍ مضتْ .
واللافت في القصة أمران :
1 – وفاء الانباري العميق لابن بقيّة المصلوب، وهو من الوفاء النادر، حيث أنه عرّض نفسه للمخاطر والملاحقات المنتظرة مِنْ قِبل عضد الدولة ولم يمنعه ذلك من ذكر مناقب ابن بقية بأروع ما يمكن ان يكون عليه الرثاء من حرارة وصدق في الأحاسيس والمشاعر .
2 – ان عضد الدولة تمنى أنْ يكون هو المصلوب لكي يُرثي بمثل هذه القصيدة، وهذه صيغةُ متنهى الجموع في التفاعل مع الشعر العالي في سبكه ومعانيه:
والسؤال الآن :
هل ترى مثل هذا التفاعل والتقدير للشعر العربي عند كبار المسؤولين اليوم ؟
واضَيْعَة الأدب عند مَنْ لا يهتمون الاّ بالحفاظ على كراسيهم غير عابئين ولا مكترثين بعالم الادب والثقافة ..!!
Husseinalsadr2011@yahoo.com