الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
عالم‭ ‬الأطباء‭ ‬و‭ ‬الظلم‭ ‬المركب‭ ‬

بواسطة azzaman

عالم‭ ‬الأطباء‭ ‬و‭ ‬الظلم‭ ‬المركب‭ ‬

حامد‭ ‬الراوي‭ ‬

 

نحن‭ ‬لا‭ ‬نرى‭ ‬من‭ ‬عالم‭ ‬الأطباء‭ ‬إلا‭ ‬القشور‭ ‬،‭ ‬و‭ ‬نحن‭ ‬،‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬،‭ ‬كمن‭ ‬لا‭ ‬يرى‭ ‬من‭ ‬الشجرة‭ ‬إلا‭ ‬ثمارها‭ ‬و‭ ‬ظلالها‭ ‬،‭ ‬متجاهلا‭ ‬هذا‭ ‬التكوين‭ ‬العجيب‭ ‬و‭ ‬المعجز‭ ‬،‭ ‬و‭ ‬الممتد‭ ‬من‭ ‬الجذر‭ ‬و‭ ‬شعيرات‭ ‬الإمتصاص‭ ‬فيه‭ ‬،‭ ‬و‭ ‬أذرع‭ ‬التثبيت‭ ‬التي‭ ‬تدعم‭ ‬وجود‭ ‬الشجرة‭ ‬و‭ ‬تحميها‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬تقتلعها‭ ‬الرياح‭ ‬و‭ ‬العواصف‭ ‬مرورا‭ ‬بالجذع‭ ‬و‭ ‬صولا‭ ‬إلى‭ ‬الفروع‭ ‬و‭ ‬الأغصان‭ .‬

هذا‭ ‬التكوين‭ ‬المعجز‭ ‬هو‭ ‬ما‭ ‬يجعل‭ ‬من‭ ‬الطبيب‭ ‬شخصا‭ ‬استثنائيا‭ ‬و‭ ‬مختلفا‭ ‬،‭ ‬و‭ ‬هو‭ ‬ما‭ ‬يستلزم‭ ‬منا‭ ‬أعادة‭ ‬صياغة‭ ‬لصورة‭ ‬الطبيب‭ ‬في‭ ‬رؤوسنا‭ ‬،‭ ‬لكي‭ ‬لا‭ ‬يتورط‭ ‬أحدنا‭ ‬بالظلم‭ ‬المركب‭ ‬الذي‭ ‬يقع‭ ‬عليه‭ ‬،‭ ‬و‭ ‬الذي‭ ‬يصل‭ ‬في‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الأحيان‭ ‬إلى‭  ‬الإساءة‭ ‬إليه‭ ‬أو‭ ‬الإعتداء‭ ‬عليه‭  ‬لفظا‭ ‬أو‭ ‬فعلا‭ ‬،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تهم‭ ‬يتم‭ ‬إطلاقها‭ ‬و‭ ‬تعميمها‭ ‬جزافا‭ .‬

فقبل‭ ‬أن‭ ‬يبلغ‭ ‬الطبيب‭ ‬مرحلة‭ ‬الدراسة‭ ‬الطبية‭ ‬،‭ ‬يكون‭ ‬قد‭ ‬أجهد‭ ‬نفسه‭ ‬و‭ ‬أجتهد‭ ‬ليتفوق‭ ‬تفوقا‭ ‬استثنائيا‭ ‬في‭ ‬مراحل‭ ‬دراسته‭ ‬الأولى‭ ‬،‭ ‬فيحرم‭ ‬نفسه‭ ‬و‭ ‬يحرم‭ ‬عليها‭ ‬كثيرا‭ ‬من‭ ‬المتع‭ ‬التي‭ ‬ترافق‭ ‬تلك‭ ‬الفترة‭ ‬المشاغبة‭ ‬من‭ ‬الحياة‭ , ‬و‭ ‬لا‭ ‬ننسى‭ ‬ما‭ ‬يكلف‭ ‬عائلته‭ ‬من‭ ‬جهد‭ ‬و‭ ‬حرص‭ ‬حتى‭ ‬يتخطاها‭ ‬بالنجاح‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬ينافسه‭ ‬فيه‭ ‬سوى‭ ‬أقرانه‭ ‬من‭ ‬المتفوقين‭ …‬

ثم‭ ‬تأتي‭ ‬سنوات‭ ‬الكلية‭ ‬،‭ ‬ست‭ ‬سنوات‭ ‬من‭ ‬العذاب‭ ‬و‭ ‬التعذيب‭ ‬ليحصل‭ ‬على‭ ‬شهادة‭ ‬يوصف‭ ‬بها‭ ” ‬طبيب‭ ‬عام‭ ” ‬ليلتحق‭ ‬بعدها‭ ‬طبيبا‭ ‬مقيما‭ ‬في‭ ‬مستشفى‭ ‬،‭ ‬تحت‭ ‬التدريب‭ ‬،‭ ‬و‭ ‬تحت‭ ‬مراقبة‭ ‬صارمة‭ ‬من‭ ‬الأطباء‭ ‬ذوي‭ ‬الإختصاص‭ ‬،‭ ‬ثم‭ ‬يتدرج‭ ‬لمدة‭ ‬لا‭ ‬تقل‭ ‬عن‭ ‬سنة‭ ‬في‭ ‬اطراف‭ ‬المدن‭ ‬والقرى‭ ‬والمناطق‭ ‬النائية،‭ ‬ويعود‭ ‬بعدها‭ ‬لفترة‭ ‬تحديد‭ ‬الاختصاص‭ ‬والتدريب‭ ‬مرة‭ ‬اخرى‭ ‬ضمن‭ ‬الاختصاص‭ ‬الذي‭ ‬اختاره‭ ‬لمدة‭ ‬لا‭ ‬تقل‭ ‬عن‭ ‬سنة‭ ‬قبل‭ ‬ان‭ ‬يدخل‭ ‬معترك‭ ‬الدراسة‭ ‬من‭ ‬جديد‭ ‬بغية‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬شهادة‭ ‬البورد‭ ‬ضمن‭ ‬الاختصاص‭ ‬الذي‭ ‬اختاره‭ ‬،‭ ‬و‭ ‬هي‭ ‬شهادة‭ ‬تعادل‭ ‬الدكتوراه‭ ‬في‭ ‬التخصصات‭ ‬الأخرى‭ ‬،‭ ‬تمنحه‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬التخصص‭ ‬في‭ ‬فرع‭ ‬معين‭ ‬من‭ ‬الطب‭ ‬،‭ ‬ليصبح‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬طبيبا‭ ‬اختصاصيا‭ ‬و‭ ‬يبدأ‭ ‬من‭ ‬جديد‭ ‬متدرجا‭ ‬من‭ ‬المناطق‭ ‬النائية‭ ‬واطراف‭ ‬المدن‭ ‬لمدة‭ ‬لا‭ ‬تقل‭ ‬عن‭ ‬سنتين‭ ‬قبل‭ ‬ان‭ ‬يحق‭ ‬له‭ ‬العودة‭ ‬الى‭ ‬مستشفيات‭ ‬المدن‭ ‬المركزية‭ ‬او‭ ‬ان‭ ‬يقوم‭ ‬بدخول‭ ‬دراسة‭ ‬جديدة‭ ‬تسمى‭ ‬التخصص‭ ‬الدقيق‭ ‬في‭ ‬جزئية‭ ‬واحدة‭ ‬ضمن‭ ‬حقل‭ ‬الاختصاص‭ ‬نفسه،‭ ‬ثم‭ ‬بعد‭ ‬10‭ ‬اعوام‭ ‬من‭ ‬نيل‭ ‬الاختصاص‭ ‬وبعد‭ ‬نشر‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬البحوث‭ ‬يصبح‭ ‬استشاريا‭ ‬و‭ ‬يترتب‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬اللقب‭ ‬ما‭ ‬يترتب‭ ‬عليه‭ ‬من‭ ‬مسؤوليات‭ ‬اضافية‭ ‬تتعلق‭ ‬بالاشراف‭ ‬و‭ ‬التدريس‭ ‬و‭ ‬النشاطات‭ ‬العلمية‭ ‬الكثيرة‭ ‬و‭ ‬الملزمة‭. ‬و‭ ‬بين‭ ‬هذه‭ ‬و‭ ‬تلك‭ ‬مئات‭ ‬المصطلحات‭ ‬الطبية‭ ‬المتقاربة‭ ‬و‭ ‬المتداخلة‭ ‬،‭ ‬و‭ ‬مثلها‭ ‬أسماء‭ ‬الأدوية‭ ‬بتفرعاتها‭ ‬و‭ ‬حدود‭ ‬تأثيرها‭ ‬و‭ ‬تفرعاتها‭ ‬،‭ ‬فلكل‭ ‬دواء‭ ‬تفرعات‭ ‬و‭ ‬لكل‭ ‬منها‭ ‬مصطلح‭ ‬تفرضه‭ ‬الشركات‭ ‬المصنعة‭ ‬لها‭ .‬

رحلة‭ ‬الاختصاص‭ ‬تلك‭ ‬،‭ ‬رحلة‭ ‬قاسية‭ ‬يكون‭ ‬دوامه‭ ‬فيها‭ ‬أطول‭ ‬و‭ ‬أصعب‭ ‬و‭ ‬أشد‭ ‬خطورة‭ ‬و‭ ‬مسؤولية‭ ‬من‭ ‬دوام‭ ‬أي‭ ‬موظف‭ ‬آخر‭ ‬،‭ ‬فهو‭ ‬تحت‭ ‬الضغط‭ ‬دائما‭ ‬،‭ ‬لأنه‭ ‬يعي‭ ‬و‭ ‬يدرك‭ ‬أن‭ ‬أي‭ ‬خطأ‭ ‬سيكلفه‭ ‬الكثير‭ .. ‬

ثم‭ ‬تأتي‭ ‬ساعات‭ ‬الدوام‭ ‬في‭ ‬عيادته‭ ‬،‭ ‬ليختلط‭ ‬ببؤسنا‭ ‬و‭ ‬أمراضنا‭ ‬و‭ ‬أوجاعنا‭ ‬و‭ ‬قلة‭ ‬صبرنا‭ ‬،‭ ‬و‭ ‬كل‭ ‬هذا‭ ‬يحتاج‭ ‬إلى‭ ‬أعصاب‭ ‬من‭ ‬حديد‭ ‬،‭ ‬أما‭ ‬نحن‭ ‬فنلومه‭ ‬على‭ ‬أنه‭ ‬لم‭ ‬يعطنا‭ ‬إلا‭ ‬القليل‭ ‬من‭ ‬الوقت‭ ‬،‭ ‬و‭ ‬لم‭ ‬ينصت‭ ‬إلى‭ ‬مطولات‭ ‬الشكوى‭ ‬جيدا‭ ‬،‭ ‬و‭ ‬أخيرا‭ ‬نشكو‭ ‬من‭ ‬خطه‭ ‬الرديء‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬نستطيع‭ ‬فك‭ ‬رموزه‭ ‬،‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬نسأل‭ ‬أنفسنا‭ ‬ما‭ ‬شأننا‭ ‬نحن‭ ‬المرضى‭ ‬ما‭ ‬دام‭ ‬الصيادلة‭ ‬يفعلون‭ ‬ذلك‭ ‬؟‭ ‬

الأطباء‭ ‬ليسوا‭ ‬مثلنا‭ ‬،‭ ‬و‭ ‬لا‭ ‬ينبغي‭ ‬لأحد‭ ‬أن‭ ‬يرى‭ ‬في‭ ‬نفسه‭ ‬كفوا‭ ‬لهم‭ ‬،‭ ‬فقد‭ ‬كانت‭ ‬رحلتنا‭ ‬،‭ ‬نحن‭ ‬أصحاب‭ ‬التخصصات‭ ‬الأخرى‭ ‬،‭ ‬مجهدة‭ ‬بعض‭ ‬الجهد،‭  ‬للحصول‭ ‬على‭ ‬الدكتوراه‭  ‬،‭ ‬و‭ ‬لكنها‭ ‬ممتعة‭ ‬،‭ ‬أما‭ ‬عملنا‭ ‬في‭ ‬الجامعات‭ ‬،‭ ‬فيكاد‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬نزهة‭ ‬قياسا‭ ‬بالأعمال‭ ‬الشاقة‭ ‬و‭ ‬الخطيرة‭ ‬بل‭ ‬و‭ ‬المقرفة‭ ‬غالبا‭ ‬التي‭ ‬يقوم‭ ‬بها‭ ‬هذا‭ ‬الطبيب‭ ‬أو‭ ‬ذاك‭ ‬،‭ ‬و‭ ‬يكفي‭ ‬أن‭ ‬تنظر‭ ‬إلى‭ ‬جرح‭ ‬لدقيقة‭ ‬لتفزع‭ ‬،‭ ‬فكيف‭ ‬بمن‭ ‬ينظر‭ ‬في‭ ‬جوف‭ ‬مفتوح‭ ‬لساعات‭ ‬طويلة‭ ‬؟

فهل‭ ‬من‭ ‬العقل‭ ‬أن‭ ‬نسيء‭ ‬إلى‭ ‬من‭ ‬نحن‭ ‬سنظل‭ ‬بحاجة‭ ‬إليهم‭ ‬؟

و‭ ‬هل‭ ‬من‭ ‬الإنصاف‭ ‬أن‭ ‬نطالبهم‭ ‬أن‭ ‬يقدموا‭ ‬خدماتهم‭ ‬مجانا‭ ‬،‭ ‬و‭ ‬لا‭ ‬قيمة‭ ‬لشيء‭ ‬لا‭ ‬تدفع‭  ‬أنت‭ ‬أو‭ ‬أنا‭ ‬ما‭ ‬يستحق‭ ‬أن‭ ‬يدفع‭ ‬له‭ ‬،‭ ‬و‭ ‬في‭ ‬الحقيقة‭ ‬أننا‭ ‬ندفع‭ ‬أقل‭ ‬من‭ ‬قيمته‭ ‬بكثير‭ ‬،‭ ‬فتصليح‭ ‬نقطة‭ ‬كهرباء‭ ‬لا‭ ‬يستغرق‭ ‬سوى‭ ‬خمس‭ ‬دقائق‭ ‬يطالبك‭ ‬الكهربائي‭ ‬بمبلغ‭ ‬‮٢٥‬‭ ‬ألف‭ ‬و‭ ‬ربما‭ ‬بعد‭ ‬جهد‭ ‬سيتنازل‭ ‬عن‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬المبلغ‭ …‬

إن‭ ‬فهم‭ ‬عالم‭ ‬الأطباء‭ ‬و‭ ‬هو‭ ‬عالم‭ ‬لا‭ ‬يحسدون‭ ‬عليه‭ ‬،‭ ‬قد‭ ‬يمنحنا‭ ‬فرصة‭ ‬في‭ ‬تصحيح‭ ‬سوء‭ ‬الفهم‭ ‬و‭ ‬توجيه‭ ‬نقدنا‭ ‬و‭ ‬تبرمنا‭ ‬إلى‭ ‬الجهات‭ ‬التي‭ ‬ينبغي‭ ‬علينا‭ ‬أن‭ ‬نلومها‭ ‬،‭ ‬و‭ ‬أعني‭ ‬بذلك‭ ‬إهمال‭ ‬المؤسسات‭ ‬الصحية‭ ‬،‭ ‬بدءا‭ ‬بالبنى‭ ‬التحتية‭ ‬لها‭ ‬،‭ ‬و‭ ‬انتهاءا‭ ‬بتجهيزها‭ ‬بما‭ ‬تحتاج‭ ‬إليه‭ ‬من‭ ‬أجهزة‭ ‬و‭ ‬معدات‭ ‬،و‭ ‬تقديم‭ ‬الدعم‭ ‬لها‭ ‬،‭ ‬و‭ ‬قبل‭ ‬ذلك‭ ‬علينا‭ ‬أن‭ ‬نلوم‭ ‬أنفسنا‭ ‬و‭ ‬نظامنا‭ ‬الغذائي‭ ‬الذي‭ ‬حول‭ ‬مجتمعنا‭ ‬إلى‭ ‬مجتمع‭ ‬مريض‭ ‬بإمتياز‭.‬

سأقول‭ ‬شكرا‭ ‬لكل‭ ‬طبيب‭ ‬وهبني‭ ‬بعضا‭ ‬من‭ ‬وقته‭ ‬،‭ ‬و‭ ‬أدرك‭ ‬انه‭ ‬وقت‭ ‬مستقطع‭ ‬من‭ ‬ذهب‭ ‬الأيام‭ ‬،‭ ‬و‭ ‬من‭ ‬منجم‭ ‬الجد‭ ‬و‭ ‬الجهد‭ ‬و‭ ‬سهر‭ ‬الليالي‭ . ‬

 

شاعر‭ ‬و‭ ‬أكاديمي‭ ‬متقاعد


مشاهدات 446
الكاتب حامد‭ ‬الراوي‭ ‬
أضيف 2024/05/29 - 3:32 PM
آخر تحديث 2024/06/30 - 2:07 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 307 الشهر 11431 الكلي 9361968
الوقت الآن
الأحد 2024/6/30 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير