أين نحن من الحداثة الفكرية ؟

عدالت عبد الـله

ترسيخ قيم الحداثة الفكرية في العراق ليس أمراً سهلاً ولايمكن تحقيقها بين ليلة وضحاها. الأمر يتطلب دوماً حضوراً فاعلاً لتفكير نقدي تجاه القيم البالية السياسية والمجتمعية والدينية، التي تعيق عملية التحديث وتُعرقل مشروع بناء بلد جديد يتمتع فيه المجتمع ومكوناته المتعددة بالحقوق المرجوة والوصول الى ضمان الأمان والحرية والعدالة المفقودة.

ومن بين القيم التي ينبغي الإشتغال عليها على كافة المستويات لهذا المبتغى، هي المواطنة. هذه الفكرة، هي التي توحِّدنا في العراق إذا ما أردنا ممارستها وتجذيرها فعلياً في بنية المجتمع وعبر مؤسسات الدولة. المواطنة فقط هي الكفيلة بإزالة الإختلاف المتخلف الذي نعاني منه، والذي يتم تسويغه دوماً للبقاء في قوقعة الطائفية والقوموية والجهوية البالية دون الخروج منها.

الإختلاف فضيلة، لاننكر ذلك، ولكنه عندما يعني لنا الإبتعاد عن التعصب والتشدد والقبول بالآخر من خلال الفعل التواصلي ومناقشات الفضاء العام كما يقول لنا هابرماز، لاسيما حينما يكون مرادفاً للإنفتاح وتطوير الذات والتعايش السلمي والتأقلم مع منجزات العصر.

المواطنة لايُنجز إلا بتجاوز الإختلافات القائمة على تبرير التخلف وخطاب التقوقع بأسم الهوية والخصوصية، فضلاً عن إستحالة ممارستها إلا من خلال حضور قوي للدولة ومؤسساتها القانونية الحامية لحقوق الجميع وتدخلاتها الإيجابية في مجال تحقيق العدالة الإجتماعية. أنها ببساطة روح الدولة الحديثة ولايمكن الإعتراف بأي إنجاز تاريخي لأي البلد طالما لم يرسي هذه القيمة في المجتمع والدولة ولم يفلح في إدارتها إدارة عادلة ونزيهة.