الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
صورة الموقف المقبل وشيكاً

بواسطة azzaman

صورة الموقف المقبل وشيكاً

ضرغام الدباغ

 

الموقف الدولي يزداد تأزماً، وفي الشرق الأوسط تتبلور صورة المستقبل، وبعبارة أكثر دقة، القدرة على تشخيص الموقف رغم تعقيده. فالحرب الأوكرانية لم تكن بين روسيا وأوكرانيا، كما يعتقد الكثيرون، رغم اتضاح أبعاد القضية، ذلك أن هناك من يصر حتى الآن أن ينظر ويحلل الأحداث بمنظار مقلوب، يصغر الأشياء أو يكبرها  عشوائياً وبالمزاج، فالحرب منذ يومها الأول لم تكن بين روسيا وأوكرانيا، بل بين روسيا، وكيان أرادوا له أن يلعب دورا استفزازيا وأن يكون ملعباً للأسلحة واختباراً للنوايا، وساحة استنزاف لروسيا، دفع ثمنها الشعب الأوكراني، وبين الولايات المتحدة القائد الرسمي للغرب في العصر العولمي، ومعها حلفاءها من الناتو بدرجات متفاوتة من الحماس والمشاركة.كانت صورة الموقف قبل بدأ العمليات العسكرية تشير أن أسس الهيمنة المطلقة على قاعدة النظام الدولي الجديد الذي ولد بعد اختتام الحرب الباردة، قد لحق به وهن شديد، وأن انفراد الولايات المتحدة بقيادة العالم لم يعد ممكناً وذلك لبروز قوى اقتصادية قبل كل شيئ، وسياسية وعسكرية أيضاً، لها نفوذها على مختلف الصعد، وباتت تمثل ثقلاً لا يمكن تجاهله في تلك الميادين، وأن عصر الهيمنة الاستعمارية / الإمبريالية قد آذن بالأفول لا محال، ولابد من قيام نظام علاقات دولية أكثر عدلاً، سيبزغ فجره تدريجيا مع تواصل انحدار القوة الاستعمارية الأمبريالية التي استهانت بشعوب العالم ومقدراته طيلة نحو قرنين من الزمن.

الحرب العالمية

ولكن انحساره يتواصل (بهذه السرعة أو البطئ) بعد نهاية الحرب العالمية الثانية فصعوداً، وإن السعار الامبريالي والنزوع نحو عصر الاستعمار والهيمنة التامة، بات يدغدغ أحلام المستعمرين القدامى، بعد تفكك الاتحاد السوفيتي وبلدان المنظومة الاشتراكية، ولكن هذا كان لوهلة قصيرة، سرعان ما بدت ملامح التعادل على مسرح السياسة الدولية، رغم ان العولمة تبدي المقاومة الضارية.ومن بين نتائج سقوط النظام الاستعماري، سقوط مريع لقيمه ومبادئه وأخلاقياته الرجعية، فالرأسمالية كنظام جوهره الأساسي هو التوسع والهيمنة، والولايات ألمتحدة هي قائدة المتروبول الرأسمالي العالمي،  وتريد فرض هذا النظام على العالم بأسره،، رغم ما يبدو واضحاً للعيان من شروخ وتصدعات تنبئنا بالكثير مما سنشهده في أوربا والعالم، بل وهناك مؤشرات مادية مهمة تشير إلى تناقضات كبيرة بين الحلفاء الأوربيين، تناقض سيسفر (في ختام المعركة في أوكرانيا)، عن معسكرين أوربيين، معسكر بأسم الاتحاد الأوربي، تقوده فرنسا وألمانيا (مع دول أخرى، وهناك أكثر من تلميحات صدرت من ألمانيا وفرنسا، عن تشكيل وشيك لقوات مسلحة أوربية، وباستعجال كانت الولايات المتحدة وبريطانيا عن أعلنتا عن تكتل يضمها مع بريطانيا، وكندا، واستراليا (أوكوس). هذه الموقف يشير إلى تناقض حتمي بين أطراف حلف الناتو، وبعبر في ثناياه عن الموقف الديغولي / أديناور عن تناقض جنيني لا يمكن التكهن بحجمه بين أوربا والولايات المتحدة وهو تناقض كانت الولايات المتحدة تحاول أن تغطيه بمخاوف اندلاع المواجهة مع الصين أو مع روسيا، والولايات المتحدة وعارضت بشكل عنيد أي تعاون له طابع استراتيجي للبلدان الأوربية مع روسيا، ووقفت دون هوادة ضد مشاريع الطاقة التكاملية (خط نوورد ستريم 1، نورد ستريم 2) ولم تنجح المستشارة ميركل بأنتزاع (سكوت) عدم معارضة الولايات المتحدة إلا بشق الأنفس.ولكن المعطيات تشير أن الولايات المتحدة كانت قد صممت على تفجير الموقف مع روسيا، بأستخدام أوكرانيا كقاعدة للتحركات العلنية والسرية، وقد وجد الروس الكثير جداً من المؤشرات بعد اقتحامهم العديد من المراكز الأوكرانية، أنها في الواقع كانت مقرات للناتو، العسكرية والاستخبارية، وكان المخطط يسير قدماً باتجاه مزيد من التوغل ومزيد من تكريس لوجود الناتو في أوكرانيا، متوقعين عدم قدرة الروس على إدارة معركة حديثة، وما هي ألا وقت قليل، تكون أوكرانيا قد تحولت كليا للغرب كمقر وكممر. الآن لا يمكن إعادة التاريخ إلى الوراء، في الساحة الأوربية لما قبل الحرب الأوكرانية، في الشرق الأوسط لما قبل حرب غزة، كما لا يمكن ضمان مستقبل تايوان، التي ستعود للوطن الصيني. للرتوش النهائية على لوحة الاحداث، سوف تقررها محادثات الطاولة العلنية أو السرية، وما كانت الولايات المتحدة تخشاه قد حدث، ومرحلة العولمة انهارت بأسرع مما تتصوره، وأن العالم لم يتقبل العولمة، بل وحتى شخصيات مهمة(هورست كوهلر) في العالم الغربي حذرت من أن مصير العولمة، المؤكد سيكون الفشل. والواقع الموضوعي يطرح رؤية ثلاث معسكرات على الأقل:

1.الولايات المتحدة وتحالف أوكوس

2.تحالف بريكس (الصين وروسيا ومجموعتهما).

3.الاتحاد الأوربي.

4. هناك فسحة من الوقت لاختبار النوايا وصدق التوجهات، ولا أحد يرمي بأسلحته أرضاً بسهولة، ولكن بتقديري أن الانسحاب لخطوط الدفاع الجديدة قد وضعها الأمريكان في الحسبان، وبؤر الاستقطاب كذلك ... وسوف لن تحدث مفاجئات كبيرة .. ولكن التفاصيل مهمة ....!


مشاهدات 378
الكاتب ضرغام الدباغ
أضيف 2024/05/12 - 5:51 PM
آخر تحديث 2024/11/26 - 4:33 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 314 الشهر 11623 الكلي 10054767
الوقت الآن
الأربعاء 2024/11/27 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير