هل أتاك خبر عافية القاضي ؟
حسين الصدر
-1-
عافية بن يزيد القاضي من أصحاب أبي حنيفة وقد ولاّه المهدي العباسي القضاء ببغداد في الجانب الشرقي .
-2-
وقد جاء وقت الظهر في يوم من الأيام وليس عند (المهدي) أحد واستعفاه من القضاء .
فظن المهدي أنّ بعض الولاة قد غض منه ،
أو أضعفَ يَدَه في الحكم فقال له في ذلك :
فقال :
ما جرى من هذا شيء ،
قال المهدي :
فما كان سبب استعفائك ؟
قال :
كان يتقدم اليّ خصمان موسران وجيهان في قضية معضلة وكلٌّ يدعى بَيّنةً وشهوداً ويُدلي بحجج تحتاج الى تأمل وتثبيت فرددتُ الخصوم رجاء أن يصطلحوا ،
او يتبين لي وَجْهُ فصل بينهما
قال :
فوقف احدهما من خبري على أنّي أحبُ الرطب .
فعمد في وقتنا - وهو أول أوقات الرطب – الى ان جمع لي رطبا لا
يتهيأ في وقتنا جمعُ مثله الاّ لك ،
وما رأيتُ أحسنَ منه ، ورشا بوّابي جملة دراهم على أنْ يدخل الطبق اليّ ولا يبالي إنْ رُدّ ،
فلما دخل اليّ أنكرت ذلك ،
وطردتُ بوّابي ،
وأمرتُ بردِ الطبق ،
فلما كان اليوم تقدّم اليّ مع خصمه فما تساويا في قلبي ولا عيني ،
هذا وأنا لم أقبل فكيف يكون حالي اذا قبلتُ ؟
ولا آمنُ أنْ تقع عليّ حيلةٌ في ديني فأهلكُ ،
وقد فسد الناس فأقلني أقالك الله واعفني فأعفاه .
انّ هذه القصة جديرةٌ بانْ تكتب بماء الذهب ، لانها عكست بجلاء
انَّ النزاهة والخشية من الله ومن الوقوع في المطبات تبلغ ذروتها عند بعض الرجال فيضحي بكل المكاسب والامتيازات من اجل الحفاظ على دينه وسلامة موقفه .
وهذه النزاهة العالية مطلوبة من الجميع ولكنها مطلوبة من القضاة بشكل أكبر .
-3 –
اننا لا نورد هذه القصص للتسلية وانما نوردها لما اشتملت عليه من دروس ثمينة في مضمار السلامة من اخطار الانزلاق والوقوع في المطبات والفرار من تبعاتها الثقيلة .
ولتكن قراءةُ هذه القصص محطةً نتأمل فيها مواقفنا ومساراتنا .
وليس شيء أعظم وأهم من تحصين النفس وارهاف الوازع الديني الرادع عن كل ألوان الانحراف والالتواء والانحياز لطرف على آخر خلافا لمقتضيات الحق والدين .