الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
فريا ستارك .. موظفة حكومية أم رحالة معجبة بالصحراء؟

بواسطة azzaman

فريا ستارك .. موظفة حكومية أم رحالة معجبة بالصحراء؟

مليح صالح شكر

تعرضت  حكومة جميل المدفعي التي تولت السلطة بعد فشل حركة مايس 1941 لمشكلة شغور المناصب الحكومية المختصة بالدعاية بعد أن هرب رجال الحركة ومنهم صديق شنشل الى خارج العراق، وفي كل الأحوال كان سيتعرض للعقاب  لو أنه قد بقي، وتم أعتقال كل من عمل في مجال الدعاية ومنهم سلمان الصفواني،وسعت لملأ هذه المناصب لكنها لم تجد من تراه مناسباً لمنصب مدير الدعاية بوزارة الداخلية.

فعينت الحكومة لهذا المنصب نور الدين داود بعد أن نقلت خدماته من منصبه معاون مدير الكمارك ، كما عينت حسين بستانة مديراً للإذاعة.

ويتفق المؤرخ عبد الرزاق الحسني في الصفحة رقم 40 من الجزء السادس لموسوعته تاريخ الوزارات العراقية والباحث نجدت فتحي صفوت في الصفحة رقم 41 من كتابه ذكرياتي عن الإذاعة العراقية في القول أن نور الدين داود لم يكن يتمتع بدراية في شؤون الدعاية ، وربما جاء تعينه الجديد لقرابته العائلية مع رئيس الوزراء جميل المدفعي.

مجاراة الظروف

ولم أجد تفسيراً لما يقوله الحسني وصفوت عن عدم دراية داود بالدعاية وهو الذي بقي في منصبه فترة لم تكن قصيرة، وترك منصبه الحكومي في  صيف عام 1947 ليصدر في شهر آب صحيفة أسماها ( النداء) ثم أستبدل أسمها لاحقاً بصحيفة ( الرائد).

وأعتقد أن نور الدين داود كان مضطراً لمجاراة الظروف السياسية آنذاك ، ولم تسجل له مبادرات معينة ، ولكنه بالتأكيد كان يعرف حدود واجباته في وقت كانت فيه السفارة البريطانية صاحبة الكلمة الأولى والأخيرة في شؤون الدعاية عقب فشل حركة مايس.

ونشطت السفارة لملأ الصحف العراقية برسائل ( أخوان الحرية) ونشرات خاصة يقول المؤرخ الحسني  أنها كانت تتضمن شتائم على شخصيات وطنية عراقية بمن فيهم الملك الراحل غازي ، وشجعت ومولت ( بعض المأجورين ) على نشر الكتب والكراسات والمنشورات (أفسدت الأخلاق وشوهت الحقائق وطعنت الوطنيين في الصميم ) ، وأنفقت السفارة عليها بسخاء، وحتى أصبح (بيرون) مدير العلاقات العامة بالسفارة البريطانية ( المدير العام الفعلي للدعاية في العراق) يوجهها كيفما  يشاء ويلعب بها  كما يشاء ، والويل كل الويل لمن يخالف له أمراً، أو يحاول الحد من تصرفاته المشينة)!

وقد أثارت إشارة المؤرخ الحسني لهذا الشخص ( بيرون ) إهتمامي خلال إعدادي لشهادة الدكتوراه في بريطانيا، فتتبعت سيرته في المصادر البريطانية، فوجدت  أنه ستيوارت بيرون الموظف في وزارة الأعلامالبريطانية عام 1938 وأصبح منظماً للبرامج العربية في هيئة الإذاعة البريطانية ، وبعدها أنتقل إلى العمل الدبلوماسي ليصبح مديراًً للعلاقات في عدن ، وتم استدعاءه الى بغداد ثم التحقت به فريا ستارك، كما تحدثت هي في أحد كتبها:

ستارك، فريا، غبار في مخلب الأسد، سيرة ذاتية، 1939 – 1946، جون موري،لندن

Stark, Freya, Dust in the Lion’s Paw, An Autobiography, 1939 – 1946 , John Murry, London

وقد صدرت ترجمة لهذا الكتاب إلى اللغة العربية أكثر من مرة ، وكل ترجمة تختلف قليلاً في العنوان الرئيسي دون المساس بنص الكتاب.

وهذه محاولة مني تهدف إلى تقصي النشاطات السياسية لفريا ستارك إضافة لدورها في ما قامت به من رحلات وكانت مفتونة بالشرق ومدنه وصحاريه منذ أن قرأت آلف ليلة وليلة وهي بسن  التسع سنوات .

ولدت فريا مادلين ستارك في باريس في 31 كانون الثاني عام 1893 من أبوين بريطانيين كانا يدرسان الفنون في فرنسا، وتوفيت في مدينة  أسولو  في شمال إيطاليا في 9 أيار عام 1993، أي إنها عاشت مائة عام وأربعة شهور ، ونشرت أربعة وعشرين كتاباً وعشرات المقالات والبحوث عن رحلاتها في دول الشرق الأوسط وأفغانستان.

ففي عام 1939 عرضت فريا ستارك خدماتها على وزارة الإعلام البريطانية التي وظفتها لخبراتها الواسعة النطاق في الشرق الأوسط وأوفدتها فوراً إلى اليمن لنشر الدعاية لصالح السياسة البريطانية ، وأعتمدت في عملها على عرض أفلام بالرغم من أن الحكام المحليين يحرمون مشاهد الأشخاص.وبعد شهرين نقلت وزارة الإعلام فريا الى القاهرة براتب قدره 1200 باوند أسترليني وهو ضعف راتبها الذي كانت تتقاضاه في اليمن.

وفور  وصولها إلى القاهرة بدأت في عقد أجتماعات صالون أربع مرات أسبوعياً لنشر الدعاية البريطانية وخاصة بين الطلبة الذين كان كرستوفر سكافيه أستاذ اللغة الإنكليزية  في جامعة فؤاد الأول يختارهم ليتعرفوا على موقف الحكومة البريطانية في الحرب العالمية الثانية بينما شجعت هي هـؤلاء الطلبة على أصطحاب أقاربهم وأصدقائهم الى هذه اللقاءات حتى أتسعت الاهتمامات الى آثار الحرب على مصر.وشكلت لمن كسبت ولائه في مصر جمعية أسمتها ( أخوان الحرية) وهي في الواقع شبكة دعاية هدفها إقناع العرب بدعم الحلفاء ونجحت في إعداد طابور خامس لخدمة الإمبراطورية!

ولما تضاعف أعداد أعضاء هذه الجمعية جرى تقسيمهم  الى خلايا لكل عشرة أعضاء وأصبح أستاذ الجامعة كريستوفر المشار اليه في السطور السابقة رئيساً للجمعية الذي قالت ستارك أنها أصبحت  تضم عشرات الآلاف  من الأعضاء وكانت تطوف في أنحاء مصر للتحدث لهؤلاء الأعضاء ، وكتبت تجربتها في هذه الجمعية في مصر والعراق في كتابها الشرق هو الغرب East is West المطبوع عام 1945. والتحقت فريا ستارك بعملها في السفارة البريطانية ببغداد في اواخر آذار 1941 قبل أيام معدودة من توتر العلاقات بين الحكومة العراقية وبين بريطانيا ، وعاشت داخل السفارة مع كل الموظفين الإنكليز خلال حركة مايس 1941.وخلال عملها في بغداد طلب السفير كنهان كرونوالس منها إنشاء فرع لجمعية اخوان الحرية في العراق وقضت فترة وجودها في العراق تنشر الدعاية البريطانية بين العشائر العربية والكردية ، وكذلك  أقامت طابوراً خامساً يروج للسياسة البريطانية.وكتبت فريا ستارك عن فترة وجودها داخل السفارة بينما كانت المعارك تدور بين القوات العراقية والقوات البريطانية في ضواحي بغداد وفي الطريق الى معسكر الحبانية ونشرت ملاحظاتها في كتابها غبار في مخلب الأسد.

وبعد إحباط الثورة العراقية بالقوة العسكرية البريطانية عام 1941  انطلقت فريا ستارك للم شمل الموالين لبريطانيا في العراق ، وشكلت لهم ببغداد ( جمعية أخوان الحرية)  وتحت أدارتها المباشرة  لتصبح القناة الرئيسية لضمان ولائهم، وتجولت في شمال العراق وجنوبه لكسب رؤوساء العشائر الكردية والعربية ، وتركت عند انتهاء عملها في العراق في تموز 1943، سبعة آلاف عضو في الجمعية، وصفتهم هي بأنهم كانوا     ( من الوزراء والمحامين والشيوخ والضباط).

وقد اتخذت (جمعية أخوان الحرية) مقرها  في المبنى الذي كان نادي المثنى يستخدمه في بغداد  ، بعد أن أغلقته الحكومة وصادرت جميع ممتلكاته بعد فشل الثورة ، وكان هذا القرار أول قرار لمصادرة الملكية في العراق .

وأمتدت الهيمنة البريطانية إلى المدن العراقية الأخرى من خلال (مكاتب الإرشاد) التي يديرها موظفون إنكليز وفقاً لتعليمات مكتب العلاقات العامة في السفارة البريطانية ، ومهمتها بث الدعاية من خلال الصور والنشرات وغرف المطالعة والأفلام بواسطة سينما جوالة تروج لأسلوب الحياة في بريطانيا والمجتمعات الغربية الأخرى.

وقد أسهب الدكتور عماد أحمد الجواهري في الحديث عن تلك الفترة من تاريخ العراق في بحثه بعنوان ( نادي المثنى بن حارثة الشيباني ، صفحات من تاريخ الحركة القومية في العراق، 1935 –1941)  الذي نشره في ، مجلة آفاق عربية ببغداد الصفحات من 49- 63 العدد المزدوج لشهري  أيلول وتشرين الأول عام 1983، السنة التاسعة .

كما أورد  المؤرخ عبد الرزاق الحسني تفاصيل مماثلة في ، الصفحة 119  من الجزء السادس لموسوعته تاريخ الوزارات العراقية.

وأقتبست الدعاية الامريكية في العراق من بريطانيا بعد سنوات الحرب العالمية الثانية فكرة السينما الجوالة ، وأتذكر جيداً وكنا فتياناً تلاميذ في قضاء عنه بلواء الدليم، محافظة الأنبار حالياً نشهد سنوياً تقريباً سيارة باص صغيرة في ساحة سراي الحكومة وسط عنه وتعرض على شاشة كبيرة مثبتة على الحائط أفلاماً باللغة العربية عن الحياة في أمريكا وتوزع علينا كراسات ومجلات وصوراًً من أمريكا.

رعاية عراقية

وأنهمكت السفارة البريطانية ببغداد بعد فشل الحركة وتحت إشراف بيرون بمساعدة ستارك  وكلاهما موظف في وزارة الأعلام في إصدار النشرات الخاصة ،ومنها ( النفير) و( أخبار الحرب)، والأشراف المباشر على شؤون الدعاية العراقية ، والتدخل في شؤونها الصغيرة والكبيرة والصرف المالي وشراء الذمم والتهديد والتمويل، حتى أنها كانت الجهة التي تقوم بتوفير الورق لبعض الصحف دون الصحف الأخرى، حتى لو باع أصحاب هذه الصحف المستفيدة ، الورق في السوق السوداء. فكانت صحيفتا  ( الأخبار) و( الزمان) كما أكد لي المرحوم الصحفي المعروف صادق الأزدي   تحصلان على الورق بهذه الطريقة بمبلغ 600 فلساً ، ويبيعه أصحابها  في السوق السوداء بسعر ستة دنانير،للطن الواحد.

وكان المرحوم الأزدي إنذاك سكرتير التحرير في صحيفة ( الأخبار).

وعرف العراقيون تلك الأيام هذه المرأة  البريطانية  غير تلك المرأة ، المس بيل التي عرفوها في السنوات الأولى للانتداب البريطاني في العشرينيات من القرن العشرين وطغت شهرتها على الكثير من الشخصيات البريطانية رجالاً ونساءً من الذين عملوا في العراق.وهذه المرأة البريطانية الثانية هي فريا مادلين ستارك الموظفة في مكتب العلاقات بالسفارة البريطانية في القاهرة  ، وصدرت الأوامر إليها بالسفر فوراً إلى بغداد، فوصلتها في أواخر آذار 1941 ، وأنضمت للعمل تحت إدارة ستيورات بيرون.

وعندما بلغت فريا ستارك سن التاسعة من عمرها تلقت كما ورد في السطور السابقة هدية هي كتاب ألف ليلة وليلة فبدأ تعلقها بالشرق وصحاريه.

وأشتغلت وهي في الخامسة عشر من عمرها في أحد المصانع في شمال إيطاليا حيث تعرضت لحادث حينما تعلق شعرها في الماكنة التي كانت تديرها وسحبتها حتى إنتزعت جزءً من فروة الرأس وأذنها اليمنى وقضت في المستشفى أربعة شهور لترقيع ما تشوه في وجهها .

 وبقيت طيلة حياتها تستعمل القبعات وأغطية الراس وتصفف شعرها على الجانب الأيمن من رأسها لإخفاء الندوب ، كما يبدو في صورها ومنها الصورة المنشورة مع هذا المقال.

وفي عامها الثلاثين إتجهت فريا ستارك للدراسة الجامعية هروباً من حياتها الصعبة في شمال إيطاليا وأختارت دراسة اللغات فتعلمت على مدى ثلاث سنوات في معهد الدراسات الشرقية والافريقية في لندن ، اللغة العربية ثم اللغة الفارسية.

ولأنها عليلة كانت فريا ملزمة صحياً بملازمة المنزل وشغلت نفسها بالقراءة باللغة الفرنسية وتعلمت اللغة اللاتينية فأتقنت في حياتها ثماني لغات قراءة وكتابة هي الإنجليزية والفرنسية والايطالية واللاتينية والألمانية والعربية والفارسية والتركية.

#######

وفي أواخر شهر تشرين الثاني من عام 1927 أبحرت على متن سفينة نحو بيروت حيث بدأت قصتها مع العرب والشرق وأقامت  في بيروت  وأمتطت ظهور  الحمير للتنقل في رحلاتها السرية في جبل الدروز وسوريا حيث كانت سلطات الانتداب الفرنسي تمنع التنقل في هذه المناطق حتى أكتشف ضابط فرنسي هويتها وأعتقلها  ثم أطلق سراحها بعد ثلاثة أيام، وكتبت عن هذه التجربة مقالاً في مجلة بريطانية  انتقدت فيه النظام القمعي للسلطات الفرنسية في سوريا ولبنان، ونشرت عام 1928 كتابها رسائل من جبل الدروز.

وبحلول عام 1931،أكملت ثلاث رحلات خطيرة في براري غرب إيران لم يسبقها  أي رحالة غربي بزيارة أجزاء منها ،وحددت موقع وديان الحشاشين  الأسطورية .

والحشاشون وهم كما تقول الكتابات المعنية من الطائفة الإسماعيلية مارست الاغتيالات السياسية على نطاق واسع، ونشأت في قلعة بجبال قزوين، وأمتد نفوذها فيما بعد الى سوريا.

ونشرت فريا ستارك  في عام 1934 مقالة عنهم بعنوان( وديان  القتلة) The valleys of Assassins  وقبلها كانت  الجمعية الجغرافية الملكية قد منحتها جائزة تقدير.

         ######

وأبحرت فريا ستارك مرة أخرى، وهذه المرة عبر البحر الأحمر نحو عدن في اليمن على أمل أكتشاف ما يعرف بطريق البخور في حضرموت حيث حاول عدد من الرحالة الغربيين قبلها التعرف على معالم  محدودة جدا.

وكان هدفها هو أكتشاف مدينة شبوة حيث كانت ملكة شيبة تقيم لكن فريا تعرضت لمرض الحصبة أصابتها من طفل ضمن قسم الحريم ، وساءت صحتها أكثر بأصابتها أيضاً بمرض الديزانتري  أستوجب  نقلها جواً الى المستشفى البريطاني  في عدن .

ولم تنجح فريا ستارك في العثور على مدينة شبوة لكنها في وقت لاحق سافرت عدة مرات الى اليمن ولاحظت أستخدام الرق في المجتمعات العربية باليمن.

ونشرت تجربتها في جنوب الجزيرة العربية  في ثلاثة كتب هي  البوابات الجنوبية لشبه الجزيرة العربية: رحلة في حضرموت (1936)، شوهد في حضرموت (1938)، وشتاء في شبه الجزيرة العربية (1940).

######

وغادرت فريا ستارك العراق في شباط 1943 وزارت قائد القوات البريطانية في الهند المارشال آرشيبالد ويفيل وعائلته وهو الذي ساعدها في تدبير سيارة حكومية لها لتستخدمها في عودتها الى العراق لكنها  باعت هذه السيارة في طهران مما أغضب المسؤولين البريطانيين في مصر واليمن والهند لتصرفها غير المسؤول في سيارة حكومية خلال الحرب ، لكنها كانت ترى بأنه طالما وضعت السيارة في خدمتها  فيمكنها التصرف بها وبيعها !

وفي عام 1943 وصلت فريا ستارك الى فلسطين تحت الانتداب البريطاني وأدلت بتصريحات وخطباً تدعو إلى إعتماد  الحصة، ( كوتا )، لهجرة اليهود الى فلسطين مما أغضب المنظمات اليهودية خارج فلسطين ونشرت مقالة آنذاك تقول  فيها (  أنا حقا لا أرى أن هناك أي طريقة للتعامل مع المسألة الصهيونية إلا عن طريق مذبحة بين الحين والآخر.. ماذا يمكننا أن نفعل؟ إنه الفلس الأخير الذي يأخذونه  منك لا يرحم ).

وتوقفت فريا ستارك عام 1947 عن الترحال بعد أن تزوجت وهي بعمر 54 عاماً من موظف دعاية يتقن اللغة العربية مثلها  وهو  ستيوارت بيرويين  وتعرفت عليه عندما كانت مساعدته في عدن،ولم يكن زواجهما  موفقاً قيل انه بسبب الشذوذ الجنسي لزوجها فأنفصلت عنه لكنهما لم يوقعان وثيقة طلاق رسمي،وإدعت أنها  لم تكن تعرف بميول زوجها الشاذة بالرغم من أن  غالبية أصدقائه يعرفون!

وبعد فشل زواجها عادت فريا ستارك لرحلاتها الخارجية فقامت برحلات بعيدة في تركيا ، وكانت تتقن اللغة التركية أيضاً وكتبت فيما بعد ثمانية كتب عن هذه الرحلة منها ( على طريق الاسكندر) وكذلك (الإبحار في نهر دجلة)

وكانت أفغانستان آخر رحلاتها الخارجية فقامت في 1968 وعمرها آنذاك 75 عاماً بجولة فيها وزارت منارة جام التي شيدت في القرن الثاني عشر في منطقة نائية ونشرت عام 1970 مقالة عنها.

وتقاعدت فريا ستارك في مدينة أسولو في أيطاليا وأشغلت نفسها في كتابة المقالات  وسيرة حياتها ورسائلها ومجموعة كبيرة العدد من الصور الفوتوغرافية عن كل مكان زارته .

ومنحتها ملكة بريطانيا أعلى وسام في الامبراطورية يمنح للسيدات اللواتي يقمن بمهام وطنية.

وتوفيت في المدينة الايطالية التي عاشت فيها كل حياتها بعد ان تجاوزت عامها المائة من عمرها بأربعة شهور تقريباً.

#######

وفي  التاسع من تشرين الأول 1941 أستلم نوري السعيد الحكومة من جميل المدفعي وبدأ فوراً في ( تصفية الحساب) مع كل من شارك أو أيد ثورة مايس، فأضاف معتقلين جدد للمعتقلين سابقاً ، واستعان بالقوات البريطانية لاستعادة قادة الثورة العسكريين والمدنيين من إيران، ومنهم صديق شنشل مدير الدعاية خلال فترة الحرب العراقية البريطانية.

ويفترض ان تغييرات قد حصلت في  كادر السفارة البريطانية ببغداد من المختصين بالشؤون العراقية الذين غادروا العراق عائدين الى بريطانيا ثم تولى آخرون العمل ضمن لجان خلف بغداد وحتى قيام النظام الجمهوري في تموز عام 1958. وكانت فريا ستارك قد غادرت العراق  قبل ذلك بوقت، براً الى إفغانسان عبر إيران.

الاستنتاجات:

حاولت شخصياً في عام 1986 الإتصال بمعونة مركز الدراسات العربية والإسلامية  في جامعة أكستر البريطانية مع فريا ستارك ولم تنجح محاولاتي وقيل لي آنذاك أن صحتها لا تمكنها من التحدث هاتفياً.

وأصدرت فريا ستارك أربعة وعشرين  كتاباً وعشرات المقالات والبحوث عن تجربتها وترحالها وعملها الحكومي .

ويحتفظ مركز الشرق الأوسط بجامعة أوكسفورد بأربعين ألبوماً تضم ستة آلاف صورة بالأبيض والأسود مع خمسين ألف نجاتف التقطتها فريا ستارك طيلة رحلاتها بكاميرا واحدة لم تستبدلها منذ أن أشتريها في بداية عقد الثلاثينات من القرن الماضي.

وهنالك مجموعة صغيرة من هذه الصور لدى  مركز دراسات النهضة الايطالية في جامعة هارفارد وكذلك في جامعة تكساس الامريكية وجامعة كانبيرا الاسترالية.

وأستخدمت في تنقلاتها ورحلاتها بين المدن والدول وسائط نقل على ظهور الجمال والحمير وبين  السلع والخضروات في سيارات الحمل المحلية.

ولاحظت خلال متابعتي تنقلاتها الوظيفية سهولة إلتحاقها بمقر وظيفتها بين لندن وعدن والقاهرة وبغداد في وقت كانت سماء الدول الأوروبية تزدحم خلال الحرب العالمية الثانية بمئات الطائرات الحربية لطرفي الحرب ، الحلفاء والمحور، وتوقفت حركة الملاحة الجوية المدنية ، بينما كانت مياة بحر الشمال والبحر الابيض المتوسط تزدحم أيضاً بالأساطيل الحربية ، فكيف تسنى لفريا ستارك السفر الى مقر وظيفتها ؟

وأفترض دون أن أطلع على دليل رسمي تاريخي أنها كانت تسافر على متن الطائرات العسكرية البريطانية التي تنتقل بين العواصم المعنية حاملة الدعم العسكري والموظفين والبريد والبضائع الى السفارات.

ولديها جنسية مزدوجة  بريطانية وأيطالية وليس معروفاً ان كانت تتمتع بالجنسية الفرنسية بحكم الولادة في باريس وكانت تسافر بجواز سفر بريطاني وتقيم خلال رحلاتها لدى عائلات محلية في الجزء الذي تشغله النساء فقط أو في مقر المندوب السامي أو السفير.

ومن نافلة القول أن نشاطاتها وكتبها ومقالاتها وما نشر عنها بعد وفاتها تؤكد أن فريا ستارك لم تكن جاسوسة  لأنها كانت تتصرف علانية لنشر الدعاية وتتجول وتجتمع بشكل صريح دون أي تكتم أو تخفي، ولم يتهمها أحد من الذين كتبوا عنها بذلك.

 

* باحث صحفي مغترب


مشاهدات 543
أضيف 2024/04/27 - 12:29 AM
آخر تحديث 2024/12/15 - 3:04 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 69 الشهر 6036 الكلي 10062131
الوقت الآن
الأحد 2024/12/15 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير