فاتح عبد السلام
ركّزت إيران طويلاً على التحقيقات في عملية الرئيس الامريكي ترامب في اغتيال قائد فيلق القدس للحرس الثوري الجنرال قاسم سليماني، رمز نفوذها في الشرق الأوسط. وحين تشكلت حكومة جديدة في العراق خفتَ العزف الحزين على وتر التحقيقات لكنه لم ينقطع، في حين انَّ لهجة التحقيقات لم تعتر حتى الان خطاب إيران بعد اغتيال نخبة قياداتها الميدانية الأساسية في سوريا ولبنان، ومن حق المراقبين أن يتساءلوا عن نوع الخطاب الذي كان سيصدر عن طهران لو انّ الضربة الإسرائيلية استهدفت قيادات إيرانية كبيرة داخل العراق وليس خارجه؟
في النهاية، التحقيقات شأن إيراني داخلي خالص، بالرغم من انّ الخطاب الإيراني حين يخرج الى العلن يكون من ملك الناس لأنّه متوجه إليهم.
في كل المواصفات، لم تتلق إيران ضربة مزدوجة وموجعة مثل هذه منذ مقتل سليماني، والضربة مزدوجة لأنها نالت من القيادة العسكرية الموكلة في الصراع مع إسرائيل عبر جبهة لبنان وسوريا، ومن جهة أخرى هي رسالة في انَّ لا سقف آمناً للحرس الثوري خارج ايران وان أي غطاء دبلوماسي وسيادي لا يعني شيئا في المواجهة المفتوحة مع تل ابيب.
الأصعب على إيران من خسارتها القيادات الأساسية في الميدان وقت الحرب، هو كيف يمكن ان تتعامل إيران ما بعد الضربة، وكيف سيكون ردها، وهي التي أظهرت حذرا شديدا في تحاشي المواجهة الكبرى، والاقتصار على تغذية بقاء اسم محور المقاومة في المقدمة عبر جبهة حزب الله في جنوب لبنان وعبر الحوثيين في البحر الأحمر، وكذبك من خلال الموالين لها في العراق قبل ان تضع واشنطن حداً لعملياتهم.
أي خطأ ترتكبه إيران في سياق الرد على الهجوم الموجع قد يجرها الى ساحة الحرب التي تصل الى عمق إيران، وهذا هو الخط الأحمر الذي تعمل ايران المستحيل وبأي ثمن لكي لا تصل اليه. انها تحتمل كل النيران خارج إيران، ولكن داخل أراضيها فقد لا تحتمل لسعة نار واحدة لأن ذلك خيار مفتوح على احتمالات غامضة وقاسية وسهلة التحريك من الخارج، لاسيما ان الداخل الإيراني محتقن منذ أكثر من سنتين فضلا عن ضغط العقوبات الامريكية على حياة الملايين من الشعب الإيراني.
لذلك لن تغامر ايران هذه المرة او في المرات المقبلة ايضاً مادامت النيران تلتهب خارج أراضيها.
رئيس التحرير-الطبعة الدولية