كما هو معلوم لكل َمن خدم في الجيش العراقي، أن وجبة الغداء(القصعة) تصل بعد الساعة الواحدة ظهراً، محملة بقدور كبيرة مغطاة، تحملها عجلات الكاز 66، وهذه العجلات غير مرتفعة مما يصعب استمكانها اثناء المرور بين القطعات في ساحة العمليات الحربية.
وكان لوعورة الطرق ينفك غطاء القدر الكبير الذي يحوي الرز وهي مادة رئيسية في كل الجيش، وكان من أسباب انكشاف اغطية القدور هي ان الدروب كلها ترابية متعرجة، والعجلة تقطع مسير ساعتين للوصول إلى هدفها الأخير
وكنت ذات يوم مكلفاً بواجب مراقبة وتدقيق الطعام الذي يصل الينا. صعدت إلى عجلة الأرزاق، وهالني منظر قدر الرز الأبيض المغطى بطبقة سمكها اكثر من 2 انج لونها داكن يميل إلى لون مادة الدارسيني المطحون. تعجبتُ كيف تمّ صرف هذه الكمية من الدارسيني.
سألت الطباخ المسؤول عن توزيع الأرزاق وهو يمسك بالكرك:
هاي اش طابخين اليوم؟ أجاب بتلقائية عادية: تمن ومرك قرنابيط .
وكما تعلمون ان رائحته تزكم الأنوف، قلت له: ومن اين لكم كل هذا الدارسيني!!،أجاب: أبو ليلى هذا مو دارسيني هذا تراب الوطن، غطاء القدر سقط من أثر وعورة الطريق وانتشر تراب الطريق على وجه التمن، لاتخف سوف اوزع على الجنود التمن غير المخلوط بالتراب. نزلت أردد لاحول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. وأكل الجنود يومها تمنا معفرا بتراب الوطن الغالي، واكلت معهم قليلا ،ورفضنا مركة القرنابيط كلنا.
اما العشاء فكل مجموعة تتكفل بواجب عشائها، وكان نصيبي أن كانت مجموعتي مع رئيس عرفاء الوحدة الذي تحت إمرته مجموعة من الجنود سلاحهم القزمة والكرك ويطلق عليهم جنود شغل، يتولون تحصين الملاجئ وإخلاء الشهداء والجرحى ونقل العتاد، واي عمل آخر طارئ.
وكان جنود الشغل يتولون تهيئة عشائنا كل يوم، طبعا بتوجيهات ر.ع.الوحدة ،وكانت لدينا علبة معجون زنة 5كيلو فارغة تستخدم لسلق البطاطا والبيض، وغالبا ما يتولى هذا الأمر ر.ع. الوحدة ،حيث يشارك الكل بالعشاء ،وتتلخص مسؤوليتي بتحصيل اكبر كمية من الأرزاق حين يجري توزيعها صباحا مثل البيض والجبن والحليب والسكر والشاي .اذ لايستطيع عريف الاعاشة أن يخالف لي أمراً.
في ساعة الغروب تبدأ فعاليات العدو بالرمي المدفعي، وتستغرق بين 15إلى 25دقيقة بشكل قصف ثقيل مركز، حينها كل الجنود يدخلون المواضع كحماية لأنفسهم، لأنّ القصف الثقيل لايمزح معه احد، وأثناء ذلك ينهمك الجنود بتحضير العشاء قبل خروج المجموعات إلى “الحجابات” الليلية.
في ذلك اليوم استمر القصف الثقيل أكثر من نصف ساعة، حدث أن انهارت قسم من الملاجئ على جنودها. بعد القصف هرع جنود الشغل مع زعيمهم إلى الحفر لاستخراج الشهداء والجرحى، وعندها ناداني ر.ع.الوحدة:
: ابو ليلى خلي بالك على قوطية المعجون اللي بيها عشانا.
وغادر مسرعاً، طبعا الفوانيس أطفئت بسبب عصف القصف، نظرت إلى علبة المعجون لم اتبين فيها سوى الماء، قلت في نفسي، نسي عبد الحسين أن يضع البيض للسلق، أخذت نصف طبقة بيض وضعتها بالعلبة على النار، نادى الحماية: ابو ليلى الآمر يريدك.
تركت العلبة على النار وصحت أحد المخابرين واوصيته دير بالك على عشانا، راح اطوّل.
جاء المسكين وبدون اضاءة تذوق الماء، وقالك لقد نسوا ان يضيفوا ملحا، ووضع ملعقة ملح كبيرة، تذوق المزيج احس انه يحتاج شيئاً، فوضع ملعقة كبيرة من الكاري، وأضاف معجون الطماطم على المزيج، ولشدة “ذكائه” قلل من وهج النار، بسبب طلبه من مسؤوله للحضور. انتهت واجباتنا باخلاء الجرحى والشهداء وإرسال موقف للمراجع، وجئنا لتناول العشاء، أشعلوا الفانوس وجاءوا بالقصعة، ثم سكبوا المزيج وياللهول اتضح أن عبد الحسين ر.ع.الوحدة حينما اوكل المهمة لي كان قد وضع كمية من البطاطا غير المغسولة لسلقها، وأنا اضفت البيض، والمخابر اضاف المعجون والكاري والملح ،ولا احد يدري بصاحبه ماذا فعل ومن اين بدأ، الجوع كان كافرا فبدأنا بتقشير البطاطا وهي بالمرك وتكسير قشور البيض، وغمس الصمون بمرك البطاطا والبيض والمعجون بطعم الكاري.
العجيب أن القصعة مسحت مسحا، وكانت اسوأ وجبه تناولتها بحياتي أنا ورفاق سلاحي، وبعضنا يلوم بعضا.
ما كان صالحا للاستخدام البشري فقط هوالشاي، أشعلت السجائر مع اقداح الشاي الكبيرة وبدأ كويظم بغناء لالالا…لالا…لالالاااااا ومنها عشقت وتكلفت بطور المحمداوي… الروح جيف اصبرت يومن جفا خلها يلي تجس النبض بالله عليك خلها.