القراءة القرآنية
عبد الكريم احمد الزيدي
ترد في تلاوة القرآن الكريم قراءات قد تبدو للسامع منا انها مختلفة لا نكاد نألف سماعها نظرا لطريقة النطق بحروف وكلمات القرآن الكريم فيها ، وكلنا على يقين بان الكتاب انزله الله سبحانه بلغة العرب وبلسان عربي مبين ، ولتقريب المعنى والمراد فأن الآيات الكريمة تلقاها الصحابة رضي الله عنهم عن لسان النبي صل الله عليه وسلم شفاهيا حتى تحفظ في الصدور كما جاءت بالوحي وبالكيفية التي انزلت بها ، ولم تكن لتكتب كما هي الان في رسم المصحف العثماني الذي نقرأ فيه .
وتُعرّف القراءة القرآنية بأنّها وجهٌ من وجوه النطق بكلمات القرآن الكريم، يختصّ به أحد الأئمة مخالفاً غيره في طريقة وكيفيّة النطق بالحروف ، أو في الهيئة ، بمعنى ان تعلم القرآن الكريم وحفظه يتم من خلال لفظ وتلاوة القارئ الحافظ من الصحابة رضوان الله عليهم الى من يعلمهم قراءته في الامصار والقبائل العربية والبلاد التي كان النبي صل الله عليه وسلم يرسلهم اليها مبشرين وداعين بدعوة رسالته ، وما كان هؤلاء من الناس ليحفظوه الا بلهجة وقراءة السنتهم ولفظ حروف لغتهم بهدف التيسير عليهم وتخفيف نطقها على لسان اهل قريش من الصحابة الذين يرسلون اليهم .
وقد أنزل الله القرآن على سبعة أحرفٍ ، أي أوجهٍ للقراءة ، وجاءت العديد من الأحاديث النبويّة الدالّة على ذلك ، منها : ما أخرجه الإمام مسلم في صحيحه عن عمر بن الخطّاب رضي الله عنه لما سمع تلاوة بعض الصحابة بوجه يختلف عما سمعها
وتعلمها من رسول الله صل الله عليه وسلم ، فلما قرأها الصحابي للرسول الكريم قال هكذا انزلت ، ونفس القول لسيدنا عمر بن الخطاب لما اعاد قراءتها للرسول صل الله عليه وسلم وقال له « هكذا انزلت ، ان هذا القرآن انزل على سبعة احرف ، فأقرؤوا ما تيسر منه « .
وقد أجمع العلماء على تعدّد القراءات ، واعتبار المتواتر منها وحياً الهياً ثابتاً ، والاختلاف فيها مصدره التّلقّي عن النبي صل الله عليه وسلم حيث كان اعتماد القراءات على المشافهة ، وقد كان خلوُّ المصحف العثماني من النقاط وحركاتها مُعيناً في استيعاب القراءات الصحيحة ووجوهه المتعدّدة وذهب أهل العلم إلى أنّ المقصود بسبعة أحرفٍ سبع لهجاتٍ أو كيفيّاتٍ للقراءة ، وذلك من باب التسهيل والتيسير ، فكان المسلمين يقرؤون ما تعلّموه دون أن ينكر أحدٌ على الآخر ، وقد اختلفت قراءة كلّ بلدٍ من البلاد بحسب قراءة الصحابة ، إذ أرسل النبيّ صل الله عليه وسلّم لكلّ بلدٍ صحابيّاً يعلّمهم القرآن وأحكامه .
والاختلاف في أوجه القراءات يتفرّع إلى سبعة أوجه : الأوّل : الاختلاف في الحركات فقط دون التغيير في معنى الكلمة أو صورتها . الثاني: الاختلاف في المعنى دون الصورة ، مثل : مالك و ملك . الثالث : الاختلاف في الأحرف ، وتغيّر المعنى وبقاء الصورة نفسها ، مثل: تبلوا، وتتلوا . الرابع : التغيير في الأحرف والصورة دون المعنى ، مثل : الصراط والسراط .
الخامس : الاختلاف في الصورة والأحرف ، مثل : يتأل ويأتل . السادس : الاختلاف في التقديم والتأخير ، مثل : قاتلوا وقتلوا . والسابع : الزيادة والنقصان ، مثل : وصّى وأوصى .
اما الحكمة من تعدّد القراءات فتكمُن من تعدّد القراءات واختلافها في العديد من الأمور ، فيما يأتي بيان البعض منها ، التسهيل والتيسير على المُسلمين في قراءة كتاب الله ، بما يُوافق لهجاتهم ، فالحكمة من نزول القرآن على سبعة أحرف مراعاةً لاختلاف لهجات العرب ، للاضافة والزيادة في المعاني المُستنبطة من كتاب الله ، وبذلك اعتمد العلماء في الترجيح بين الأقوال في كثير من المسائل الفقهيّة ، بناءً على القراءة التي فيها زيادة بيان أو استدلال للمسألة ، فتقوم القراءة مقام الآية المستقلّة في إضافتها لمعان وأحكام جديدة ، زيادة الثواب المترتّب للأمّة بالنظر إلى مسؤوليّتها في حِفْظ القراءات ، تعليمها ، نشرها ، ونقلها مع كامل الضبط والإتقان وإثراء اللغة ببيان الأوجه المتعدّدة الصحيحة لبعض المسائل اللغوية ، والاستدلال عليها بشواهد قرآنيّة كذلك بيان وإبراز إعجاز القرآن الكريم برغم اختلاف القراءات فيه فإنّه لم يستطع أحد إيجاد أيّ خلل أو عيب فيه.
ولقد وقع بعض الخلاف بين العلماء في ماهية الحروف السبعة وكان في ذلك ضروب شتى من التأويل سنختار منها ما خلص عليه الإمام أبو الفضل الرازي في «كتابه اللوائح»، وهو أن المراد بهذه الأحرف التي وقع فيها هذا التباين والتضاد ، لا تخرج عن كونها سبعة لغات ، ميزة اللهجات العربية بعضها عن بعض ، ونورد هنا أوجه الاختلاف كما جاءت في أكثر الدراسات التي تناولت هذا الموضوع بالبحث والإفاضة ، وقد استوحت مادتها من الكتاب العزيز والسنة المطهرة ، وهي بمجملها لا تخرج عن الأطر التالية:
1- اختلاف الأسماء: من أفراد وتثنية وجمع وتذكير وتأنيث ، مثال قوله تعالى : « والذين هم لأمانتهم وعهدهم راعون « قرئ لأمانتهم بالإفراد والجمع ، وقوله : « يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم «بيان التذكير وتاء التأنيث .
2- اختلاف تعريف الأفعال : من ماض ومضارع وأمر ، ومثال ذلك قوله تعالى : « فقالوا ربنا باعد بين أسفارنا «قرئ ربنا بفتح الباء على أنه منادى وباعد بكسر العين وإسكان الدال ، على إنه فعل أمر ، أو دعاء ، وقرئ برفع ياء ربنا على أنه مبتدأ ، وباعد بفتح العين والدال على أنه فعل ماض ، ولجملة خبر مبتدأ .
3- اختلاف وجوه الأعراب : مثل قوله تعالى : « لا تضار والدة بولدها « قرئ بنصب الراء ورفعها .
4- الاختلاف بالنقص والزيادة : مثل قوله تعالى : « وما عملته أيديهم « قرئ عملته بحذف الهاء وإثباتها ، وفي قوله تعالى : « وأعد لهم جنات تجري من تحتها الأنهار « قرئ بزيادة من .
5- الاختلاف في التقديم والتأخير : مثل قوله تعالى : « وقاتلوا وقتلوا « قرئ بتقديم قاتلوا على قتلوا ، وقرئ العكس .
6- الاختلاف بالإبدال : مثل قوله تعالى : « وانظروا إلى العظام كيف ننشزها «قرئ بالزاي المعجمة والراء المهملة ، ومثل قوله : « وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثا « وقرئ « عند الرحمن « ، ومثل قوله تعالى : « فتبينوا «قرئ « فتثبتوا « .
7- اختلاف اللهجات : كالفتح والإمالة « الكسر « أو الإدغام والإظهار والإخفاء ، والتفخيم والترقيق والتسهيل والتحقيق ، والإبدال إلى غير ذلك من اللهجات التي اختلفت فيها لهجات قبائل العرب ، ويؤخذ من هذه الشروح أن جميع القراءات متساوية في الأهمية ، كونها حق وصواب ، فمن قرأ بأي قراءة منها ، فهو على الطريق الصحيح ، ويؤخذ هذا من قول النبي صل الله عليه وسلم « فأيما حرف قرءوا عليه فقد أصابوا « .