غارة طوفان الأقصى.. تداعيات حرب الإبادة الصهيونية
قتيبة آل غصيبة
مع استمرار القصف الوحشي الصهيوني منذ أكثر من ثلاثة أشهر ؛ وحرب الابادة ضد الشعب الفلسطيني في غزة العز والصمود ؛ الذي لا يزال صامدا بوجه هذا العدوان المستمر المدمر مستهدفا كل مقومات الحياة فيها ؛ فالقوة الصهيونية الغاشمة المتغطرسة ؛ ونتيجة لعملية القرن التي شنتها فصائل المقاومة الفلسطينية في 7 اكتوبر 2023 ؛ والتي كانت العمل الحاسم في تصدع جدران هذه القوة الصهيونية الغاشمة ؛ وأفقدتها توازنها ؛ وأصابتها بهستيريا جنون العظمة ؛ فقد أصبحت هذه القوة المتغطرسة السلسلة التي تخنق الوجود الصهيوني الغاصب لفلسطين ؛ وإن نيران المقاومة الفلسطينية البطلة ؛ جعلت منه كالعقرب يلسع نفسه عندما يحاط بالنار ؛ ودفعت به الى هذا الهياج المحموم بالتطرف والحقد والقصف الوحشي الذي طال حياة عشرات الاف من الاطفال والنساء والشيوخ والمدنيين العزل ؛ ودمر البيوت والمساكن على ساكنيها وقضى على البنى التحتية اللازمة لحياة البشر ؛ ومنع دخول الغذاء والدواء ؛ ولو استطاعوا لمنعوا حتى الهواء عنهم مستهدفا إبادة هذا الشعب الصابر المحتسب ؛ الذي أثبت للصهاينة والعالم أجمع انه لا يزال يتمسك بوطنه ولن يتزحزح عن أرضه.
ونتيجة لهذا الثبات والصمود الاسطوري ؛ فقدأصبحت القضية الفلسطينية وحقوق شعبها مثار تعاطف اهتمام شعوب العالم والدول المنصفة ؛ ورغم الانحياز الاعلامي الامريكي والغربي للكيان الصهيوني على قصفه الوحشي وحصاره الخانق للشعب الفلسطيني الصامد ؛ فقد جاءت الصفعة هذه المرة من اقصى الجنوب ؛ إذ تقدمت جمهورية جنوب أفريقيا ؛ في 9 يناير / ك2 2024 ؛ بدعوى ضد الكيان الصهيوني لممارسته «حرب إبادة جماعية» ضد الشعب الفلسطيني أمام «محكمة العدل الدولية» ؛ تتهم فيه الكيان الصهيوني بارتكاب أعمال إبادة في عدوانها على قطاع غزة ؛ وطالبت جنوب أفريقيا من المحكمة إصدار «إجراءات مؤقتة» ؛ من خلال أوامر قضائية عاجلة للتطبيق ؛ فيما تنظر المحكمة في جوهر القضية التي قد تستغرق فترة طويلة ؛ وتستند دعوى جنوب أفريقيا إلى ؛ «اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية ؛ والتي أقرتها الامم المتحدة عام 1948 ؛ لاسيما وان كل من الكيان الصهيوني وجنوب أفريقيا هما من الموقعين عليها» ؛ وتنص الاتفاقية على أن الإبادة الجماعية ؛ هي: «أي فعل يرتكبه قصداً التدمير الكلي أو الجزئي لمجموعة قومية أو إثنية أو عنصرية أو دينية» ؛ وأكدت جنوب أفريقيا أن الكيان الصهيوني ارتكب جرائم إبادة جماعية ضد الفلسطينيين في غزة من خلال أعماله التالية:
جهات رسمية
1. قصف منازل الفلسطينيين والمدارس والمستشفيات والبنى التحتية المدنية.
2. قتل الفلسطينيين المدنيين ؛ بمن فيهم الأطفال والنساء.
3.تهجير الفلسطينيين من منازلهم.
4. منع وصول المساعدات الإنسانية إلى الفلسطينيين.
وعلى الرغم من مصداقية ما تصرح به وتؤكده المنظمات والجهات الرسمية والجهات الممثلة للمقاومة الفلسطينية ؛ فإن الامر المثير في توجيه هذه التهم الموجهة ضد الكيان الصهيوني ؛ ان جمهورية جنوب أفريقيا قدمت هذه الدعوى بطريقة عميقة ومتقنة موثقة بأكثر من 80 صفحة ؛ بأدلة وقرائن واعترافات وتصريحات عنصرية ومتطرفة مثيرة للإشمئزاز من قبل قادة الكيان الصهيوني ؛ إضافة الى مشاهدات وتقارير المنظمات الدولية والجماعات الناشطة في مجال حقوق الانسان .
وفي الوقت الذي يرفض الكيان الصهيوني الاتهامات التي وجهتها له جنوب أفريقيا ؛ مدعوما بالتأييد والخطاب السياسي والاعلامي الامريكي والغربي المنحاز لحرب الابادة ضد الشعب الفلسطيني ؛ حيث يزعم الكيان الصهيوني ؛ «أن حركة حماس هي المسؤولة الوحيدة عن معاناة الفلسطينيين في غزة ؛بارتكابها جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية» ؛ وكإجراءات أستباقية ؛ فقد أصدرت وزارة خارجية الكيان الصهيوني ؛ وفقا لما ذكره «موقع أكسيوس» ؛ تعليمات لسفاراتها بالضغط على الدبلوماسيين والسياسيين في البلدان المضيفة لهم لإصدار بيانات ضد «ملف جنوب أفريقيا»، ووفقا لنسخة من برقية عاجلة حصل عليها الموقع المذكور صادرة عن هذه الوزارة ؛ ( أن الهدف الاستراتيجي لإسرائيل هو أن ترفض المحكمة طلب إصدار أمر قضائي ؛ والامتناع عن تحديد أن إسرائيل ترتكب إبادة جماعية في غزة ؛ والاعتراف بأن الجيش الإسرائيلي يعمل في القطاع وفقا للقانون الدولي.) ؛ وكذلك فقد سارع الكيان الصهيوني للإعلان عن مرحلة جديدة للحرب ؛ إذ أعلن المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي «دانيال هاغاري» عن بدء مرحلة جديدة في حرب غزة ؛ أقلّ كثافة على صعيد العمليات البرية».
ومهما يكن من أمر فإن يوم الخميس القادم المصادف 11 ك2 / يناير 2024 ؛ سيكون يوما مشهودا ؛ يجعل الصهاينة يشعرون لأول مرة انهم تحت التهديد ؛ وإن قادتهم السياسيين والعسكريين عرضة للملاحقة القانونية والسجن ؛ فقررات هذه المحكمة مُلزمة وواجبة التنفيذ .
وبالرغم من التحديات الكبيرة والتي من المرجح أن تواجه هذه الدعوى ؛ فالكيان الصهيوني حليف رئيسي للولايات المتحدة ؛ التي لها نفوذ كبير في محكمة العدل الدولية؛ كما أن هذا الكيان الغاصب يتمتع بدعم قوي من الدول الغربية، التي قد تسعى إلى حماية إسرائيل من المساءلة القانونية ؛ إلا إن هذه الدعوى التي رفعتها جنوب أفريقيا ضد الكيان الصهيوني ؛ سيكون لها تأثير كبير على الصراع الفلسطيني الصهيوني ؛ إذ في حال قضت المحكمة لصالح الشعب الفلسطيني ؛ فإن ذلك سيشكل سابقة قانونية مهمة واعترافاً دولياً بممارسات الكيان الصهيوني الإجرامية ضد الفلسطينيين ؛ كما يمكن أن تؤدي هذه الدعوى إلى زيادة الضغط الدولي على الكيان الصهيوني لوقف انتهاكاته لحقوق الفلسطينيين ؛ وقد تدفع الدول الأخرى إلى اتخاذ إجراءات مماثلة ضد هذا الكيان الغاصب ؛ وفي مقدمتها فرض العقوبات عليه ؛ وبحسب تصريحات عددا من المحامين الدوليين المتخصصين بجرائم الابادة الجماعية وفي مقدمتهم المحامي الدولي الامريكي «فرانسيس بويل ؛ وهو محامي مختص في قضايا الابادة الجماعية ؛ وسبق له ان كسب قضيتي إبادة جماعية لصالح البوسنة والهرسك ضد صربيا» ؛ إذ يؤكد ؛ «استنادا الى مراجعته الدقيقة لجميع الوثائق التي قدمتها جنوب افريقيا» : ( أعتقد انها ستفوز بحكم قضائي ضد إسرائيل ؛ بالتوقف والامتناع عن ارتكاب كل اعمال الابادة الجماعية بحق الشعب الفلسطيني ) ؛ ويضيف قائلا ( وبعد ذلك سيكون لدينا قرار رسمي ؛ من محكمة العدل الدولية نفسها ؛ وهي اعلى سلطة قانونية في منظومة الامم المتحدة ؛ بأن الابادة الجماعية مستمرة ضد الفلسطينيين ؛ وبموجب المادة الاولى من اتفاقية الابادة الجماعية ؛ ستكون جميع الدول الموقعة على هذه الاتفاقية والبالغ عددها 153 دولة ملزمة ؛ بمنع الابادة الجماعية التي ترتكبها اسرائيل بحق الشعب الفلسطيني) ؛ وكذلك أضاف بأنه ؛ (عندما تصدر المحكمة الدولية هذا الحكم ضد اسرائيل .
فسيتم إدانة ادارة الرئيس الامريكي بايدن بموجب المادة 3 الفقرة H ؛ والتي تُجَرِم التواطؤ على الابادة الجماعية ؛ ونعلم بوضوح «وفقا لقوله» ؛ أن إدارة ما انفكت تساعد وتحرض على الابادة الجماعية التي ترتكبها اسرائيل بحق الشعب الفلسطيني منذ وقت طويل.).
خطوة مهمة
وعلى الرغم من هذا الصمت المطبق ؛ كصمت اهل القبور ؛ للانظمة العربية والاسلامية والمنظمات التي تمثلهم ؛ فإن هذه الدعوى التي رفعتها جنوب أفريقيا ضد الكيان الصهيوني ؛ تعتبر خطوة مهمة على طريق تحقيق الحرية للشعب الفلسطيني ؛ وحتى لو لم تصدر المحكمة حكماً لصالح الفلسطينيين؛ فإن هذه الدعوى تسلط الضوء على جرائم الكيان الصهيوني ضد الفلسطينيين ؛ وتشكل ضغطاً على المجتمع الدولي لاتخاذ إجراءات ضد هذا الكيان الغاصب لفلسطين منذ ثمان عقود مضت ...
والله المستعان.