أمل المدرس: العمل الإعلامي يمر بأزمة خطرة جداً
الطاقات الشابة تشق طريقها بنجاح إذا تمتلك الموهبة والمؤهّلات
بغداد - رجاء حميد رشيد
فرحتي كبيرة وأنا اجلس قبالة الإعلامية الرائدة أمل المدرس كضيفة في برنامجها الشهير ستديو عشرة الذي مازال راسخا في ذاكرتنا والذي قدمته لأول مرة في عام 1996 بحضورها المميز وصوتها الرخيم مصاحبة لها تغريدة بلبل الإذاعة وهي تقول: إذاعة جمهورية العراق من بغداد، والذي استمر لأكثر من خمس وثلاثين عاما يتابعه الجمهور في جمعة كل أسبوع ، حيث عادت لتقديمه مجددا في عام 2018 بعد اعتزالها العمل الإعلامي لمدة عشر سنوات قضتها خارج العراق اثر تعرضها لمحاولة اغتيال جعل نسبة العجز لديها 90 بالمئة إلا أنها تقول أن 10 بالمئة كافية حتى اخدم بلدي,وعند تقديمها للحلقة الأولى من برنامجها الشهير بعد سنوات من توقفه اتصل بها المستمعون رجالاً ونساء وهم يبكون فرحا وينادونها بأم العراقيين وتعده من أجمل الالقاب التي حازتها يوما في حياتها وهو الفوز الحقيقي بالنسبة لها.
اقتنصت فرصة لقائي هذا وأجريت معها حوارا جميلا كجمال قلبها.. وحتى تقدم دروسا وعبرا في العمل الإعلامي عامة والإذاعي خاصة من خلال مسيرتها الإعلامية التي استمرت أكثر من ستين عاما، وهي أول مذيعة ترأس قسما للمذيعين وتعد كذلك أول مذيعة في لجنة اختبار المذيعين في ثمانينات القرن الماضي.. لقبت بكروان الإذاعة والتلفزيون، ورشحت مذيعة القرن خلال استفتاء شعبي لقناة الشباب عام 2000 كرمت من قبل جامعة الدول العربية في القاهرة كأفضل إعلامية عراقية عام 2017 اختيرت مذيعة امرأة العام من قبل منظمة بريطانية في لندن.
{ اليوم كيف تقيمين العمل الإعلامي؟
- العمل الإعلامي اليوم يمر بأزمة خطرة جدا، ولكن هذا لا يعني أن الجميع غير مؤهلين في العمل الإعلامي،حيث هنالك طاقات تستطيع أن تشق طريقها في هذا المسار بنجاح.. ولكن إذا استطاعوا أن يقيمون أنفسهم بالدرجة الأولى.. وان تكون لديهم مؤهلات الإعلامي الناجح، الآن مع الأسف ألاحظ بعضهم يمتلك الطاقة والإمكانية والموهبة التي تؤهله ليكون إعلاميا لكن هذه الموهبة لا يحيطها بالجهد والمثابرة المتواصلة في تنميتها وتطويرها بالشكل الملموس..بل نلاحظ العكس من ذلك فانه يحاول جاهدا بإمكاناته المتواضعة أن يقلل من ساعات العمل وزيادة المادة التي يتلقاها في هذا العمل.
{ ما أفضل محطات عملك؟
- أفضل محطات عملي في بلدنا العزيز خلال السبعينات..كان أفضل سياسيا وماديا ومعنويا وعمليا.
{ ما الشروط المطلوبة لتكون الإعلامية ناجحة في عملها؟
- أول شرط هي الموهبة وهي لا تأتي بجهود ذاتية حسب..وإنما هي هبة ألهيه يمنحها رب العالمين للشخص ليكون متمكنا منها.. فموهبة الإلقاء،اللغة، الشعر،الكتابة.. جميعها هبات الخالق تعالى، وعلى من يمتلكها إن ينميها ويطورها محسنا مهاراته فيها.. ومحققا ضمانة النجاح في مسيرته العملية، فعلى المذيع أن تتوافر فيه خصائصا ومؤهلات ليكون إعلاميا متميزا.. معزز ذلك بصقل مهاراته واثبات ذاته من خلال إتقانه اللغة العربية، وجمالية إلقائه، إضافة إلى الشخصية التي يتطلبها العمل في كل مجالات الإعلام.
{ كثيرة هي البرامج المتنوعة اليوم، هل هناك برنامجا يخلد في ذاكرة الأجيال أسوة بالبرامج القديمة التي تم تقديمها من قبلك وزميلاتك الإعلاميات؟
- نحن لا نغمط حق الموجودين الآن.. نعم هناك برامج جيدة وجميلة تقدم ولكن الإعلامي في هذه الأيام محاط بكثير من الصعوبات ومنهم الجيد هو الذي يستطيع أن يتجاوز الصعوبات ويتقدم نحو الأفضل إذا كانت لديه الموهبة وكل الإمكانات التي تحمي هذه الموهبة.
{ أول فنان عملت معه لقاء؟
- أجريت لقاءات كثيرة وقريبة إلى نفسي ولكن أكثرها قربا كان مع قارئ القرآن الكريم المصري الشيخ عبد الباسط محمد عبد الصمد خلال زيارته العراق، لقائي معه حول القرآن الكريم وطرق تلاواته، ولقاء آخر مع شاعر العراق الأكبر محمد مهدي الجواهري.. ومعي زميلتي المخرجة الرائعة خوله رجب في وقتها وأخذنا جهاز التسجيل والمايكروفون وكل ما يحتاجه اللقاء وذهبنا إلى بيته الكائن في جانب الكرخ ببغداد وكان متواضعا جدا جدا وأجاب عن كل الأسئلة التي طرحتها مبديا اهتمامه بضيافتنا فكان يقدم لنا بنفسه الشاي والحلويات والمكسرات وغيرها مما تتطلبه الضيافة ويسألنا هل أعجبتكم؟.
{ بمن تأثرتي من الإعلاميات؟
- سبقتني إعلاميات وإعلاميين كثيرين وكان معظمهم أصحاب خبرة وكفاءة وعندما يلاحظون الشخص المتقدم لهكذا عمل ويمتلك الكفاءة والموهبة التي تؤهله للعمل فهم يأخذون بيده ويحيطونه برعايتهم ويقدمون له النصيحة والإرشاد مع ترشيحه لدورات تدريبية في فن الإلقاء والفنون الإذاعية واللغة العربية لتحسين مهاراته وزيادة كفاءاته.
{ دخلتي مجال الإعلام وأنت صغيرة العمر جدا ما دور الأهل في هذا الموضوع؟
- عندما دخلت مجال الإعلام كنت صغيرة ودون السن القانوني وطلبوا مني أن أعمل في هذا المجال ولكن بعد استحصال موافقة الأهل ، وكانت والدتي معي وهي من وقعت على هذا التعهد بالموافقة على عملي في الإذاعة وكانت ترافقني دائما أثناء دوامي في الإذاعة.
{ موقف محرج واجهك خلال عملك؟
الموقف المحرج الذي واجهني هو عند نقلي من قسم التمثيليات والبرامج الخاصة لأنني أعد هذا القسم ليس مدرسة حسب.. وإنما هو الكلية الجامعة التي تخرجت منها أمل المدرس، كان هذا القسم يحيط بكل الفنون الإذاعية ، تمثيل، برامج سواء سياسية أو ثقافية أو تربوية الخ...والمذيع يتدرج في عمله ليكون بعدها مقدما للأخبار، فعليه أن يدخل أولا قسم البرامج ليكون مقدما للبرامج التي يتم تسجيلها وإذا اخطأ خلال التقديم يعاد التسجيل مرة أخرى مع تشخيص الأخطاء قد تكون لفظية أو لغوية أو في طريقة الإلقاء وحتى نبرة الصوت وكيفية تصحيحها من خلال متابعة المشرف اللغوي، وبعدها يكون المذيع مؤهلا فيكون مذيعا ومقدما لنشرة الأخبار، هكذا عشنا وهكذا تتلمذنا وهكذا عملنا..
في البدء كنت مذيعة ربط (عمله يقتصر على تقديم الأغاني والربط مابين مادة ومادة يعني مثلا بين البرنامج والمادة التي تليه من أغاني أو لقاءات أو مواد أخرى) وعند تقديمي لزاوية المقام العراقي التي تبث الساعة الثامنة وخمسة وأربعين دقيقة مساء بدأت اقرأ اسم الأغنية أو أسم المقام (اقرأه من ألبير لو مشربت) فبقيت حائرة لم افهم معناه فهو ليس اسما لأغنية.. وأسم المطرب حسن خيوكة، لم استطع قراءته وأحسست أن هناك خطأ ما ، فخرجت من الاستديو ولم أقدمه وكان زميلي معي في الفترة نفسها إبراهيم الزبيدي، فقلت له، إبراهيم هذه الأغنية من ألبير لو مشربت ما معناها ؟ فراح في نوبة ضحك فسألته لم هذا الضحك إبراهيم لان المادة التي قبلها ستنتهي ويجب أن أكون في الاستديو ، فقال لي الأغنية من البير لو من شربت لحسن خيوكّةّ مو حسن (خيوكة) ، فكنا نسأل زملاؤنا في العمل عن الأخطاء التي تصادفنا لتلافي وقوعها أمام جمهور المستمعين.
وتابعت المدرس ، ونقلت من قسم التمثيليات والبرامج الخاصة الى قسم المذيعين بعد سنتين من عملي حيث وجدوا أنني مؤهلة لأكون مذيعة للأخبار، ولكن أيضا لم اقـرأ نشرة الأخبار، خلاف ما نلاحظه اليوم حيث يأتي المذيع مباشرة إلى ستديو المذيعين ويكلف بقراءة نشرات الأخبار وعلى الجو مباشرة وهذا خطأ فادح يرتكب بحق المتقدم لهذا العمل.
{ نتيجة التطورات التكنولوجية السريعة وفي كل المجالات الحياتية, استعانت بعض القنوات الإخبارية بمذيعة آلية (ربوت) لتقديم النشرات الإخبارية ما رأيك بذلك؟
- من المستحيل أن نقارن بين ما خلقه الله تعالي وما أبدعته الإنسانية من التطورات التكنولوجية.
{ كيف وفقت في عملك بالإذاعة ومهامك كزوجة خصوصا، انك أحيانا تقدمين برنامجين في أوقات مختلفة وباليوم نفسه؟
- وفقت في عملي بالإذاعة ومهماتي كزوجة وأم لأنني كنت احسب لكل دقيقة حسابها.