الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
حين يتخذُ الحبُ أشكالاً أخرى

بواسطة azzaman

حين يتخذُ الحبُ أشكالاً أخرى

محمد خضير الانباري

 

ونحنُ نعيشُ أجواءُ أعيادِ الميلادِ المجيد، لا بدَ منْ أنْ نتوقفَ بإيجازَ عندَ معنى الحبِ وأبوابهِ الرحبة، لنشاركْ المحبينَ أعيادهمْ وأفراحهمْ فليسَ هناكَ ما هوَ أثمنُ منْ الحبِ في عصرنا هذا؛ ذلكَ الشعورِ النبيلِ الذي يسكنُ القلوب، ويزرعَ الأمل، ويبثَ الطمأنينةَ في نفوسِ البشر، فيجعلُ للحياةِ معنى أعمقَ ونبضا أكثرَ دفئا.

يتفقَ الجميعُ على أنَ أجملَ الكلماتِ وأقربها إلى القلوبِ هيَ كلمةٌ «الحبِ » ، لما تحملهُ في طياتها منْ معانٍ ساميةٍ تتوزعُ بينَ البشرِ وسائرِ مخلوقاتِ الله- سبحانهُ وتعالى- . فالحبُ بينُ الناسِ لهُ صورٌ متعددة؛ كحبِ الوالدينِ للأبناء، وحبَ الأجدادِ والأقارب، وحبَ الأصدقاء، وغيرها منْ الروابطِ الإنسانيةِ النبيلة. غيرَ أنَ أعمقَ هذهِ الصورِ وأشدها تأثيرا يظلُ حبُ الحبيبين؛ ذلكَ الشعورِ الذي أفاضتْ الكتبُ في وصفه، وتغنى بهِ الشعراء، وسطرتهُ الأقلامُ عبرَ العصور، حتى غدٍ التاريخِ زاخرا بصورهِ وحكاياتهِ التي لا تحصى ولا يحاطُ بها. وقدْ استوقفني ما كتبتهُ إحدى الفتياتِ في مدونتها؛ عنْ حبِ زليخا للنبيِ يوسفْ عليهِ السلامُ … حيثُ كتبت: عنْ أيِ حبٍ تتحدثون..!    « زليخة طلبتْ منْ جلادِ يوسفْ أنْ يجلدهُ بشدةِ لتسمعِ صوته. . فكانَ الجلادُ كاذبا. . ويوسفْ يتوجعُ وهم. جاءتْ زليخة وعاقبتْ الجلادَ لعدمِ تنفيذهِ الأمر. قالَ لها: سيدتي أنا أجلدهُ في اليومِ خمسينَ جلدة. فقالتْ له: أنتَ كاذب. فقال: وكيفَ علمتْ يا سيدتي إنني كاذب. قالت: لأنني لمْ أشعرْ بوجعِ يوسفْ في قلبيٍ حينَ كنتَ تجلده. وعندما طلبتْ منهُ أنْ يجلدهُ حقا. . ففعلَ ذلك. فبعدَ أولِ جلدةٍ أوقفتْ الجلاد. . . وقالتْ لهُ ارفعْ سوطكَ فقدْ قطعتْ قلبي منْ الألمِ «.

اختباراتِ متراكمة

هذا هوَ الحبُ هوَ إحساسٌ ومشاعر. هوَ أنْ نشعرَ بمنْ نحبُ دونُ أنْ نراه. . . لا أنْ نتسببَ نحنُ بألمه.

 أحياناً، يأتي الحبُ منْ النظرةِ الأولى، وهنا يكمنُ الشكُ واليقينُ أحيانا؛ إذْ لا يمكنُ اتخاذَ قرارٍ مصيريٍ لشريكِ الحياةِ في سويعاتٍ منْ اللقاء، فالحياةُ تجارب واختباراتِ متراكمةٍ نكتشفُ منْ خلالها المناسبَ منْ غيره، ولهذا شرعَ الإسلامُ في فقهِ الأحوالِ الشخصية، فترة الخطبة، لتكونَ مدةَ تعارفِ واختبارِ أعمقَ قبلَ الارتباطِ النهائي، أو يولدُ الحبُ منْ ومضةٍ عينا، منْ لقاءِ عابرٍ يشعلُ القلب، غيرَ أنَ مكمنَ خطورتهِ أنهُ قدْ يغوي بعضُ الأرواحِ بالتسرع، فيتخذُ قرارٌ مصيريٌ على غيرِ بصيرة. فشريكُ العمرِ لا يختارُ بدفقةِ شعور، بلْ ينتقى عبرَ معرفةٍ عميقة، وتجربةُ صادقة، ومعايشةٌ تكشفُ الخفايا قبلَ الملامح. ولهذا فإن، حكمةِ الإسلامِ أنهُ جعلَ الخطبةَ فسحةً للتعارفِ والتمحيص، وجسرا بينَ العاطفةِ والعقل، قبلُ الإقدامِ على رباطِ الزواجِ المقدس.

قدْ يكونُ ادعاءُ الحب، أحيانا، لونا منْ العبثِ بالمشاعر، وتلاعبا يتخفى خلفَ الكلماتِ المعسولة، وهنا يكمن الخطر...! كما صورهُ الشاعر نزارْ قباني في قصيدتهِ الشهيرةِ (متى ستعرفُ منْ أهوك)، التي صاغَ لحنها محمدْ عبدِ الوهاب، ووشحتها نجاة الصغيرة بصوتها المفعمِ بالحنان. هناك، ينكشفَ الزيفُ في عتابٍ موجع، إذ؛ يقول: كفاكَ تلعبُ دورَ العاشقينَ معي. . . وتنتقي كلماتٌ لستُ تعنيهُ

 وكمَ ذهبتْ لوعدٍ لستَ تهديه. . . وكمْ حلمتْ بأثوابٍ سأشتريها

هكذا يذكرنا الأدب، كما الحكمة، بأنَ الحبَ الصادقَ لا يقاسُ بجمالِ البدايات، بلْ بصدقِ النوايا، وثباتَ الأفعال.


مشاهدات 65
الكاتب محمد خضير الانباري
أضيف 2025/12/27 - 5:37 PM
آخر تحديث 2025/12/28 - 2:36 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 99 الشهر 20581 الكلي 13004486
الوقت الآن
الأحد 2025/12/28 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير