الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
كفانا سكوتاً عن جهلنا

بواسطة azzaman

همسات ساخنة .. ومضات هادئة

كفانا سكوتاً عن جهلنا

لويس إقليمس

 

شهدنا في بغداد وعددٍ من المحافظات العراقية ومنها البصرة والنجف والناصرية كالعادة خلال العام الجاري 2025، أصواتًا رافضة جديدة لواقع حالٍ غير مريح وهي تُنبئُ كما في سابقاتها خلال السنوات العجاف المنصرمة باستفاقةٍ مجتمعية واعية أخرى لعناصر سئمت الوعود وأشكال المماطلة والترحيل الخدمي والتنموي الحقيقي على أيدي حكومات متعاقبة وزعامات السلطة الممسكة بالجاه والنفوذ والمال والسطوة في كلّ شيء وأيّ شيء.

 فلم يعد غريبًا أن نرى بين فترة وأخرى فئاتٍ من الشعب الخانع المصدّق بالوعود الكاذبة المتتالية، بارقة انتفاضةٍ ممتعضة  رافضةٍ لواقع حال مزرٍ بسبب الشعور الصارخ بالمواطنة الغائبة عن المشهد العراقي بعد السقوط في 2003. ولعلّ البازار الانتخابي القائم هذه الأيام وما شابَهُ في مختلف وسائل التواصل والدعاية والإعلام من تحفيات ساخرة وتداخلات سافرة ومراهنات خلف الكواليس ومناكفات مفضوحة وتخوينات مبطنة وتهديدات مباشرة أو غير مباشرة وجرائم حصلت، ناهيك عن الإفراط غير الطبيعي في التبذير والصرف على الدعايات الانتخابية التي لم يشهد لها العالم مثيلاً سوى في عراق العجائب والغرائب، قد يعقبها هذه جميعًا ما لا تُحمدُ عقباه من تغييرات جذرية وإجراءات أممية وداخلية قد تطيح بجماعات عديدة وأذيالها وأدواتها في حالة قلب الطاولة وضيق ذرع الشعب النائم والصارخ «هيهاتِ منّا الذلّة».

حياةٍ حرّة

لعلَّ هذه الصحوة الجديدة المرتقبة المضافة لسابقاتها في أوساطٍ ناشطةٍ هذه الأيام وهي تطالبُ بحقها في عيش حياةٍ حرّة وكريمة على أرض الوطن، سيكون لها أثرُها اللافت في تقرير مصير البلاد وسير حركة العباد بعد خوض النسخة السادسة من الانتخابات البرلمانية الجارية خلال هذه الأيام  والتي لا يعوّلُ عليها كثيرون بحسب قراءة المشهد من أساسه. ورغمَ الإحساس الإنساني والمجتمعي بحقيقة كونها أصواتًا رافضة ومستاءة من واقع حالٍ غير مستقرّ بعد مضيّ أكثر من عقدين من الزمن على تولّي ذات الفئة وذات المجموعة الفاسدة للسلطة في البلاد وسط امتعاضٍ محلّي وإقليميّ ودوليّ واضح لتكرار الوجوه الفاسدة، وبكونها لا تقلُّ عن سابقاتها في منظور السياسة العامة والحق الوطني في تقرير المصير والمستقبل للأجيال القادمة، فإنها تستحق التقييم وإعادة النظر في طروحاتها الجديدة. أمّا الجديد القديم بانتفاضتها في هذه الأيام الحرجة، فلكونها زادت من شعور الشعب بقلقٍ صادم وتوجّس مصيريّ بشأن وسائل تأمين عيشه بكرامة، لاسيّما بعد ورود تحذيرات في صعوبة تأمين مرتبات ملايين الموظفين الحكوميين ومثلهم من المتقاعدين وأصحاب الرعاية الاجتماعية والمضمونين بحسب تسريبات من رسميّين في الدولة العراقية. وهذه كارثة لو حصل واستخدم راعي العملية السياسية أي الإدارة الأمريكية سلطتها في تحديد وتقنين تسليم واردات العراق الأساسية من بيع نفطاته بإذن منها حصريًا. هذا إذا أضفنا إليها التوجس البيئي القائم منذ أشهر بل سنوات من مخافة نضوب نهري دجلة والفرات اللذان قد يفقدان خلودَهما بسبب سوء إدارة ملف المياه وزاريًا وحكوميًا ودبلوماسيًا.

لو عدنا لمطالب الفئات المنتفضة على مدار السنوات الماضية والجارية ومنها على سبيل الحصر تلك المطالبة بإلحاحٍ بتأمين رزقها ومعيشتها الآدمية عبر حقّها الوطني المشروع بنصيبها من ثروات البلاد المنهوبة على أيدي المثلث الحاكم منذ 2003  وبعض أدواتها الذيلية الخانعة، لأعطينا لها الحق في انتقادها واستيائها ممّا يجري.

فعندما تسطو فئة باغية وطاغية ومَن بيدها المال والسلطة والسلاح والسطوة الفارضة نفسَها على الأرض وبقوّة مدعومة من جهات خارجية دخيلة وغيرها من جماعات دينية ومذهبية وطائفية، حينئذٍ تستنفذُ باقي فئات الشعب القابع في الفقر والراضخ لأرباب هذه القوّة المفروضة بأشكالها وتنوّع أساليبها ما تبقى لها من رصيدٍ بشريّ لتنفجر في آخر الجولة المصيرية بوجه الفئة الحاكمة في يومٍ ما. لكنّ وسيلة الانفجار المرتقبة هذه المرّة لن تكون سهلة الوقع والتأثير والعـــواقب والنتائج .

على غرار صحوة تشرينإنَّ هذه الصحوات الحديثة المتزايدة في صفوف فئات كثيرة من الشعب العراقي المظلوم والمرصودة عبر مظاهرات شعبية مؤخرًا مع اقتراب موعد الانتخابات البرلمانية في 11 تشرين ثاني 2025، والتي تمثل صرخةً وطنية جريئة بوجه الظلم واللصوصية وأشكال الفساد ليست بغريبة عن سابقاتها المتمثلة خاصةً بحركة تشرين التي قمعتها السلطة قبل سنواتٍ، لكنها لم تنتهي أو تيأس أو تُدفن. إلاّ أنَّ المثير فيها أنّ بعضًا من تلكم الحركات المنتفظة الجديدة النابعة في معظمها من مجموعات اجتهدت ودرست كي ترقى إلى مستوى كسب العيش الكريم في مؤسسات خاصة بالدولة، ومنها على وجه التحديد الصحية والتعليمية والتربوية والمهنية.

وهذه الأخيرة، لو كُتب لها الاستمرار والتواصل في الاحتجاج والتظاهر قد تكون باكورة ثورة مستجدة متجددة حتى تحقيق الغاية المنشودة في بدء صفحة وطنية أخرى ما بعد الانتخابات المرتجاة تشهد لمنظومة سياسية مختلفة عن الراهنة قادرة على خلق عهدٍ وطنيّ جديد أكثر اتزانًا وعدالةً وإنصافًا وحرصًا وطنيًا غائبًا. عهدٌ جديد منتظَر لا يؤمنُ بمنظومة التحاصص ونهب ثروات البلاد وتقاسمها بلا خشية ولا حياء بين زعماء السلطة وأحزابها ولصوصها الكبار والصغار وترك الفتات للشعب الغارق في إطاعة أولي الأمر تنفيذًا لفتاوى وخطب وعاظ السلاطين على المنابر وفي المضايف والساحات المشبوهة. وكلّ هذا جرى ويجري تحت أعين الراعي السياسي الأمريكي المتفرِّج لغاية الساعة على الأحوال المزرية لعامة الشعب بسبب تواطئِه مع الجارة الشرقية واختيارها في شراكة مشبوهة بعد إسقاط النظام السابق لتتولّى زمام إدارة البلاد وفق مقاسات طائفية ومذهبية بحجة الحق المستعاد بسبب المظلومية الجهادية غير المبرّرة

  إنَّ مَن يسكتُ اليوم عن الحق طويلاً ويعتريه سباتُ الخيبة والجُبن والخوف لا يمتُّ لشعب الرافدين بصلة ولا يعرف قيمة حضارة العراق ولا قدرة البلاد وتاريخها الزاخر في الإرادة الصالحة والنوايا الحسنة وما بين طيات هذه من حكمة الحكماء وعلم العلماء وعقل العقلاء عبر التاريخ الطويل.

فالجهل في الحق ملعونٌ ومُعابٌ ومرفوضٌ في الفطرة العراقية خاصةً والإنسانية عامةً، والتي يغلبُ عليها طابع التحدّي والتماهي مع الحاضر المستجدّ بكل تطوراته ومتغيراته.

وقد يكون مثل هذا، ما من شأنه أن ينطبق على بلدان أخرى وشعوب غيرنا في المنطقة وفق المنهجية الاستراتيجية التي يختارها النظام السياسي في شكل إدارته للبلاد. أما النجاح أو الفشل في ترميم المعوجّ وإصلاح المكسور في هذا المجتمع أو هذا البلد أو هذا النظام، فذلك منوطٌ بالمنظومة الفكرية والعقلية والسياسية المنفتحة والمتنورة التي يحملُها هذا الحاكم أو هذا السياسي في عقله وضميره ورؤيته للأحداث والوقائع.

انظمة متخلفة

وما أكثر ما يخطئُ  الساسة في بلداننا الشرق أوسطية والإسلامية في تقدير حاجة الوطن والشعب، خاصةً عندما يبتعدون عن تلبية المطالب الدنيا للعيش الكريم ويجنحون باتجاه شكلٍ مريبٍ موغلٍ في الفساد والدكتاتورية التي تُعدّ من أكثر الأنظمة كرهًا من قبل الشعوب المغلوبة وأخسئها في تجاهل الضرورات الطبيعية للمواطن الذي أمّنَها على حياته وثروات بلاده وسلامة أراضيه المستباحة في العديد من أشكال هذه الأنظمة المتخلفة التي تأبى الالتحاق بالركب المتطور إنسانيًا وفكريًا ودينيًا.

فكفانا سكوتًا عن جهلنا ونعاسًا في سباتنا وترحيلاً لحقوقنا المغبونة! إنه زمن الحسم! إمّا الجرأة والشجاعة والوثبة في معالجة شؤون البلاد المكسورة والمعطوبة منذ 2003 في انتظار الإصلاح الحقيقي أو قراءة السلام على وطن الرافدين وشعبه وتركه رازحًا تحت رحمة أرباب الفساد في زمن ساسة الصدفة والتزوير غافيًا على سرير العافية التي لن يحصل عليها بعد انتظار طويل وعويل فارغ خلف الشاشات وفي كواليس القاعات وصمت البيوت وأصحابها.

والقول الفصل في الكفّ بالسكوت عن الجهل وأشكال التخلّف التي لحقت بالعراق وشعبه!

 

 


مشاهدات 40
الكاتب لويس إقليمس
أضيف 2025/12/17 - 3:08 PM
آخر تحديث 2025/12/18 - 10:55 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 503 الشهر 13366 الكلي 12997271
الوقت الآن
الخميس 2025/12/18 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير