الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
الشص بلهاتي وشايغ من العض

بواسطة azzaman

الشص بلهاتي وشايغ من العض

علي حربوش المسعودي

 

مع انبلاج الفجر، ينهض أبو حسن من فراشه المتواضع، يشدّ ثوبه البالي، ويخرج بخطوات مثقلة نحو «المسطر»، ذلك المكان الذي يجتمع فيه العمال بانتظار من يختارهم ليومٍ من الكدح في مواقع البناء. هناك، تتراصّ الأجساد المتعبة، والعيون شاخصة إلى أصحاب العمل، وكل واحد منهم يعلّق مصيره على كلمة عابرة: «تعال» أو «ارجع». 

بالنسبة لأبي حسن، المعادلة صارخة في بساطتها وقسوتها: إن خرج إلى العمل، وجد لقمة تسدّ رمق أولاده؛ وإن لم يُختر، عاد أدراجه والجوع ينهش أحشاءه ككلبٍ لا يعرف الشبع. يمضي الوقت، والشمس ترتفع، والعمال يتفرقون واحدًا تلو الآخر، بينما يبقى أبو حسن واقفًا، لا أحد يلتفت إليه، فقد أثقلته السنون، وصار جسده شاهداً على عمرٍ طويل من العناء

يمرّ الناس بجانبه، يرمقونه بعطفٍ سريع، ويطلقون دعوات بلسان فقط من دون مد يد العون : «الله يرزقك»، «الله يعوضك». كلمات تتطاير في الهواء، لكنها لا تملأ معدة فارغة ولا تدفع عنه برد الحاجة. أبو حسن يسمعها، لكنه يعرف أن الدعاء وحده لا يبني بيتًا ولا يطعم جائعًا

حينها، يرفع صوته ببيتين يختصران وجعه

إنه الشص بلهاتي وشايغ من العض 

ويكلي الشفيه المنتجي المرتاح تتعوض....!!

كلمات تخرج من قلبه كصرخةٍ مكتومة، تختصر حياة الكادحين الذين لا يملكون إلا العمل كجسرٍ بين الحياة والموت. أبو حسن يدرك أن «الشفيه المرتاح» إذا خسر يومًا، تعوّضه الأيام القادمة، أما هو، فإن ضاع يومه ضاع معه قوت بيته وصبر أطفاله

هكذا يمضي أبو حسن نحو مستقبلٍ مجهول، يعضّ على صبره كما يعضّ على الشص، يجرّ أيامه الثقيلة، ويترك خلفه سؤالًا معلّقًا: إلى متى يبقى الكادحون أسرى جوعٍ لا يشبع وأملٍ لا يتحقق؟ 


مشاهدات 29
الكاتب علي حربوش المسعودي
أضيف 2025/12/01 - 5:54 PM
آخر تحديث 2025/12/02 - 1:07 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 75 الشهر 863 الكلي 12784768
الوقت الآن
الثلاثاء 2025/12/2 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير