التنافس بين المصالح وحقوق الوطن
جاسم مراد
نحن في العراق لم نرتقي الى دولة المؤسسات ، بحيث من يقود السلطة ويغادر ، ويأتي من بعده يبني على ما تحقق من منجزات ومشاريع وقوانين وغيرها من الإجراءات التي تخص مصالح المواطنين ، وهذا السلوك في النظم الديمقراطية هو المعمول به ، فالحزب أو الكتلة السياسية المؤتلفة في الانتخابات عندما تحقق فوزاً يصبح انتمائها وخطوط عملها واجراءاتها اللاحقة مبنية على ما تحقق ، بالإضافة الى تعزيز الانتماء للوطن والشعب ، فالحزب او الكتلة الفائزة لا تحظى بخصوصية التعيين ولا بالاستحواذ على المناصب ولا التجاوز على ما تحقق من منجزات ، هذا هو السلوك الديمقراطي ، في دولة المؤسسات إضافة تراكمات في العمل والبناء والتطور الى تلك التي تحققت في فترة الحكم السابق .
نحن في العراق مع الأسف الشديد رغم مرور اكثر من ( 20) عاما لم نخلق أسس لدولة المؤسسات ولم نتعامل بشروط العمل الوطني الجامع لكل الشعب ، وإنما نشاهد في كل مرحلة انتخابية تضاف العديد من الكيانات والشخصيات الى قوائم التنافس الانتخابي ، ومعظمها لا تمتلك برنامجاً سياسيا واقتصاديا وثقافيا وتنموياً، ومعظم هذه الأطراف تطرح أفكارا واسماءً قريبة من المذهبية والتعنصر ، بعيدة عن الوطنية وبناء دولة المؤسسات والعمل الجمعي للمواطنة العراقية .
هذا الوضع خلق حالة من الانكماش الشعبي والعزوف عن المشاركة الفعالة في الانتخابات ، بغض النظر عن الأرقام المعلنة ، إلا إن المواطن بات يشعر بان التنافس الانتخابي من اجل الأشخاص وكتل وأحزاب بعينها ، وليس من اجل تأطير العمل لصالح دولة المؤسسات ، والبعض من المواطنين يشعر ليست هناك مساحة لوجوه جديدة وان حصل ذلك فأن هذه الأصوات تضيع بين الكتل الكبيرة ولم يعد بأمكانها التأثير في سياقات العمل .
إن الفرصة الوحيدة في عوامل التأثير والتغيير والبناء ، هي الانتخابات البرلمانية ، ولكن هذه الفرصة لم يعد المواطن مؤثراً فيها ، فالمشارك هو لاسقاط فرض ، ومن لم يشارك فهو يدعي بعدم القدرة على التغيير ، ومثل هذه المواقف مسألة مؤلمة ، فهي تعبر عن التخلي لبناء دولة نظامية ، وعدم الشعور بمسؤولية المشاركة لتحقيق قفزات نوعية بما يعزز المواطنة الجمعية وتحقيق مصالح الشعب في الدولة المؤسساتية ، لذلك نلاحظ اصبح التنافس بين العديد من المرشحين هو الوصول للسلطة والاستفادة من مواردها ، لذلك ليس غريبا عندما نشاهد قلة المرشحين من الاكاديميين وأصحاب المعرفة الإدارية والذين يتمتعون بالقيادة في البناء ومعالجة الازمات وخلق الفرص التنافسية في التطور واللحاق بركب العالم الناهض نحو سعادة الانسان باعتباره هو رأسمال الاوطان ، في الوقت الذي نلاحظ فيه صعود التنافس بين مشايخ العشائر وما دونهم بغية الحصول على مواقع في مجلس النواب ، وهي مواقع مجزية ماليا واعتباريا ورسميا .
ونعتقد وغيرنا الكثيرين لوكانت هناك ضوابط مالية ، وإجراءات إدارية ، منها بأن النائب الذي انتهت مدته النيابية يعود للمكان الذي جاء منه ولا يحظى بالتقاعد المجزي بعد اربع سنوات من توليه السلطة البرلمانية ، ثم لو توقف هذا الاسطول من السيارات المضللة واعداد الحراس ، لما تنافسوا على سلطة البرلمان ، ولم يدري هذا الشيخ الذي يفشل من انه خسر مكانته في العشيرة وخسر حضوض حجمة ووزنه بين العشائر .
المهم ثمة ضرورة التأكيد على دولة المؤسسات والقوانين والأنظمة الضابطة للإنسان ، والعمل للنهوض بالعراق الذي يستحق ذلك بعيداً عن التأويلات والأفكار الرجعية والشعارات التفريقية والمسميات التي ما انزل بها من سلطان ، لنرى هل يمكن البناء على ماتحقق ، وهل التنافس من اجل عراق متمدن قوي وعزيز سيتحقق ..