الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
من رواية قطيفة المساكين

بواسطة azzaman

من رواية قطيفة المساكين

حسن النواب

 

فتح الحاسوب وخلال دقائق كتب مقالاً خطيراً، قرأه مرة أخرى وشذَّب بعض كلماته، ونشره على صفحته بموقع «الفيس بوك» دون علم الدَّرْدَبيس. بعد مضيَ نصف ساعة بلغ عدد المعجبين بمقاله أكثر من عشرة آلاف قارئ؛ بينما وصلت آلاف الرسائل إِلى بريده، كانت معظمها تسأل عن سر غيبته الطويلة، لم يرد على أحد وظلَّ يدخن سيجارته ويراقب تزايد عدد المعجبين مع كل دقيقة تمضي، كان مقاله بعنوان استفتاء؛ طرح بسطوره فكرة شجاعة وناجعة، إذْ طالب الحكومة بإجراء استفتاء شعبي حول بقاء مجلس الأعيان أو إلغائه، وذكَّرَ الحكومة باستفتاء سابق على الدستور، وكيف تمَّ استغفال الشعب الذي اشترك فيه وهم يجهلون ما كان يحتوي من فخاخ كثيرة؛ لم تكن بصالحهم؛ إنما كانت لمنفعة الأحزاب المهيمنة على السلطة. لم يكتف بذلك إنما طالب الحكومة باستفتاء آخر حول إضافة فقرة للدستور تتضمن إلغاء منصب الرئيس، والاكتفاء باقتراع جماهيري على منصب رئيس الوزراء، يستطيع كل مواطن نزيه ولا غبار على سلوكه الترشيح لهذا المنصب، شريطة حصوله على شهادة جامعية، كما طالب بإجراء استفتاء لإلغاء المجالس البلدية في المدن، والاستعاضة عنها بخلية عمل مصغَّرة يُحدَّدْ أعضاؤها حسب الكثافة السكانية لكلّ محافظة، حيث يكون كل عضو فائز في هذه الخلية مقابل نصف مليون فرد، يتمُّ اختيارهم باقتراع من قبل أهالي المحافظة، ومن هؤلاء يشكّل مجلس البلاد الرقابي، الذي تكون أولى مهامه مراقبة قرارات رئيس الوزراء التي يصدرها، ويكون ملزماً بتنفيذ مقترحات وتوصيات هذا المجلس، وتطرّق إِلى إِيجابيات ومزايا هذه المقترحات؛ إذْ ستوفر للحكومة مبالغ طائلة نتيجة إلغاء مجلس الأعيان ومنصب الرئيس، وأنَّ مجلس البلاد الرقابي لا يتجاوز عدد أعضائه العشرين فرداً، ويتم الاقتراع على هذه المناصب كل أربع سنوات بما فيها منصب رئيس الوزراء؛ وكتب في خاتمة المقال.. ليس أمام الحكومة سوى القبول بهذه المقترحات، وإِلاّ ستكون نهايتها مريعة. فهذه المقترحات ستوفر لخزينة الدولة أكثر من أربعين مليار دولار؛ وهكذا مبلغ يكفي لبناء مساكن لائقة لجميع المساكين. لم تمض غير ساعتين على نشر المقال حتَّى تلقَّفته معظم مواقع النت، وبلغ عدد المعجبين في مقاله أكثر من مائة ألف مشارك، بينما سارعت القنوات الفضائية للترويج عن مقترحاته الرائعة، وهناك بعضها بعثت برسائل عاجلة لمالك الحزين تتضمن مغريات مادية تمنحها بالسر إليه؛ مقابل ظهوره من خلال شاشاتها للتحدث بشكل مباشر عن هذه المقترحات التي ستنقذ البلاد من أزمته الاقتصادية وتوقف فساد الحكومة جذرياً. وصل الأمر إِلى إنَّ التاجر الثري رئيس حزب المساكين عرض عليه مبلغاً مغرياً إِذا وافق على لقاء معه لمدة ساعة تبثَّه فضائية موطني.

. لم تسع مالك الحزين الفرحة وبدأ يرقص بجذوة عارمة لما حقَّقتهُ مقالته من ردود أفعال إيجابية حتَّى شعر بالتعب فجلس لاهثاً على كرسي يستردّ أنفاسه. حين دخل الدَّرْدَبيس إِلى منزله لم يكن يعرف بالضجَّة الكبيرة التي أحدثها صديقه، أخرج زجاجة جِعَة من الثلاجة وشرب منها جرعة كبيرة ثمَّ استرخى بجسده فوق أريكة في الصالة؛ لفتت نظره صفحة مالك الحزين على شاشة التلفاز والتي ضمَّت مقاله، بينما كان المذيع يقرأها كأنه يتلو بياناً هامَّاً على الشعب، تنبَّه الدَّرْدَبيس مندهشاً والتفت نحو صاحبه متسائلاً:

- هل أنت من كتب هذا المقال؟

تبسَّم مالك الحزين براحة قصوى وأشار بسبابته نحو شاشة التلفاز:

- رأيتك من فضائية موطني تُلقي خطابك المؤثر، فحرَّضني على كتابة هذا المقال.

قبل أن يعبَّر الدَّرْدَبيس عن وجهة نظره، رنَّ هاتفه المحمول، ردَّ على المكالمة بترفّعٍ:

- نعم أنا الدَّرْدَبيس.

- أريدك بأسرع وقت، سأرسل سيارة خاصة لمنزلك.

كان المتكلم فخامة الرئيس، أجاب الدَّرْدَبيس بهدوء:

- أنا مرهقٌ وأريد أنْ أنام.

- الموقف خطير ولا يتحمل التأجيل.

- لا تقلق، كل شيء مسيطر عليه، سأتصل بك عندما أستيقظ من النوم، مع السلامة.

أغلق الهاتف ولم يدع الرئيس يتحدث أكثر من ذلك، رنَّ النقاَل مرة أخرى وبجزع فتح الدَّرْدَبيس فمه:

- ألو

- مرحبا أيها المنقذ.

- من المتكلم؟

- زعيم حزب المساكين.

- ماذا تريد؟

- ألم تقرأ ما كتبه مالك الحزين؟

- ماذا كتب؟

- الشعب في هياج وثورة عاصفة ستنفجر بجميع المدن.

تلفَّتَ الدَّرْدَبيس نحو مالك الحزين وقال هامساً:

- ماذا فعلت أيها الماكر؟

ظل مالك الحزين صامتاً، بينما طغى صوت التاجر على المكان:

- ربع مليون دولار عرضتها على مالك الحزين، مقابل ظهوره بفضائية موطني.

- وما علاقتي بالأمر؟

- أتوسّل إليك أيها المنقذ أنْ تقنعه حتَّى يظهر من خلال فضائيتي.

- أمهلني وقتاً، وسأعاود الاتصال بك.

أغلق النقّال وألقاهُ جانباً، سأل مالك الحزين بحرص:

- ماذا كتبت؟

- مقترحات.

- مقترحات أم مفخَّخات؟

ضحك مالك الحزين وقال:

- أظنها أحرجتْ الحكومة وستكون نهايتها إِذا تأخرت في تنفيذها.

- لماذا لا تريد الظهور بالقنوات الفضائية؟

- لا أحب الشهرة، كما أنَّ الكاميرات تربكني.

- إنها ربع مليون دولار، ستجعلك من أثرياء البلد.

- لا أريد أنْ أكون ثريَّاً على حساب المساكين.


مشاهدات 130
الكاتب حسن النواب
أضيف 2025/11/11 - 12:21 AM
آخر تحديث 2025/11/11 - 6:04 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 228 الشهر 7518 الكلي 12569021
الوقت الآن
الثلاثاء 2025/11/11 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير