الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
من التنظيف إلى التنصّت.. المكانس الذكيّة تتحوّل إلى جواسيس داخل البيوت

بواسطة azzaman

من التنظيف إلى التنصّت.. المكانس الذكيّة تتحوّل إلى جواسيس داخل البيوت

اثير هلال الدليمي

 

لم تعد المكانس الذكية مجرد أجهزة تنظيف منزلية عادية، بل أصبحت اليوم جزءًا من منظومة إنترنت الأشياء التي تُعيد تشكيل علاقة الإنسان ببيئته الرقمية؛ ففي الوقت الذي يُفترض أن تسهّل هذه الأجهزة الحياة اليومية من خلال إزالة الغبار والأوساخ بشكلٍ ذاتي، فإنها تحمل في طياتها جانبًا مظلمًا يتجلى في قدرتها على جمع كمٍّ هائل من البيانات الحساسة حول البيئة المعيشية للمستخدمين. وهكذا، تحولت المكانس الذكية تدريجيًا من أدوات تنظيف إلى منصات محتملة للتجسس السيبراني داخل المنازل، مما يثير تساؤلات جوهرية حول الخصوصية والأمن الرقمي.

تطبيقات الهواتف

تعمل المكانس الذكية من خلال شبكة إنترنت الأشياء، إذ ترتبط بتطبيقات الهواتف الذكية أو بمساعدات صوتية مثل Alexa وGoogle Assistant؛ وهي مزودة بمستشعرات متقدمة وكاميرات وخرائط رقمية تُمكّنها من تحديد مواقع الأثاث والجدران ورسم خريطة دقيقة للمنزل، هذه البيانات، التي تبدو في ظاهرها مفيدة لتحسين كفاءة التنظيف، يمكن أن تُستخدم في مجالات تتجاوز ذلك بكثير، خصوصًا عندما تُرسل إلى خوادم الشركات المصنّعة أو إلى أطراف ثالثة لأغراض تجارية أو بحثية. هنا تكمن الخطورة، إذ إن المعلومات المكانية عن منازل المستخدمين تُعد ثروة استخبارية في عالم الأمن السيبراني، إذ يمكن استغلالها لمعرفة تفاصيل دقيقة عن عادات الأسرة، وعدد أفرادها، وأوقات وجودهم في المنزل، بل وحتى نوعية الأجهزة الأخرى المرتبطة بالشبكة.

في عام 2022، كشفت تقارير إعلامية عن حادثة تسرب صور من داخل منازل مستخدمين التُقطت بواسطة كاميرات مكانس ذكية من نوع «Roomba» بعد أن تم إرسال البيانات إلى منصات تدريب الذكاء الاصطناعي.

هذا المثال الواقعي شكّل صدمة للرأي العام العالمي، إذ أبرز بوضوح أن أجهزة التنظيف البريئة يمكن أن تتحول إلى عيون رقمية داخل البيوت، كما بيّنت الحادثة هشاشة أنظمة الحماية المدمجة في هذه الأجهزة، خاصة عندما تُخترق أو تُستغل من قبل جهات غير مصرح لها.

من منظور قانوني، يثير هذا الواقع إشكاليات معقدة تتعلق بالمسؤولية والرقابة؛ فالقوانين الدولية والوطنية لحماية البيانات الشخصية غالبًا ما تركز على المؤسسات التقنية الكبرى، لكنها لا تواكب بالضرورة السرعة التي تتطور بها أجهزة إنترنت الأشياء، فعندما تُخترق مكنسة ذكية، يصعب أحيانًا تحديد الجهة المسؤولة: هل هي الشركة المصنعة التي لم توفر حماية كافية؟ أم المستخدم الذي لم يؤمّن شبكته المنزلية؟ أم الجهة التي نفذت الاختراق؟

هذه الثغرات القانونية تفتح الباب أمام مطالبات بضرورة تحديث الأطر التشريعية لتشمل حماية البيانات في الأجهزة المنزلية الذكية، التي أصبحت أشبه بجواسيس رقمية داخل كل بيت.

من الناحية التقنية، تعتمد معظم المكانس الذكية على الاتصال السحابي لتخزين وتحليل البيانات، وهو ما يجعلها عرضة للاختراق من خلال ما يُعرف بهجمات “Man-in-the-Middle” أو “Cloud Breach”. إذ يستطيع القراصنة اعتراض البيانات المرسلة أو المتلقاة عبر الإنترنت، مما يمنحهم إمكانية الوصول إلى الخرائط الداخلية للمنازل أو حتى إلى الميكروفونات المدمجة في بعض الانواع، وفي حال دمج المكنسة بنظام المنزل الذكي، يمكن أن تشكل مدخلًا لهجمات أوسع تطال كاميرات المراقبة أو الأقفال الذكية أو الأجهزة الصوتية المتصلة، مما يجعل الاختراق ذا أبعاد أمنية متعددة.

أما على الصعيد الاجتماعي، فإن المسألة تتجاوز التقنية إلى البعد الإنساني المرتبط بالإحساس بالخصوصية داخل المسكن، الذي يُفترض أنه أكثر الأماكن أمانًا للفرد.

مع انتشار المكانس الذكية في المنازل حول العالم، بدأت تظهر نقاشات أخلاقية حول الحدود المقبولة لجمع البيانات في مقابل الراحة التقنية، فهل يُعقل أن يضحي الإنسان بخصوصيته مقابل نظافة منزله؟ هذا السؤال أصبح في قلب النقاشات الحديثة حول الذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء، خاصة في ظل غياب وعي كافٍ لدى المستخدمين حول طبيعة المعلومات التي تجمعها هذه الأجهزة وكيفية استخدامها لاحقًا.

اجراءات احترازية

ولمواجهة هذه التحديات، يمكن للمستخدمين اتخاذ مجموعة من الإجراءات الاحترازية للحد من احتمالات التجسس السيبراني عبر المكانس الذكية؛ من أهمها ضبط إعدادات الخصوصية قبل الاستخدام ومراجعة سياسات الشركات المصنّعة، وتحديث البرامج الثابتة بشكلٍ دوري لتفادي الثغرات الأمنية، واستخدام شبكات Wi-Fi آمنة ومشفرة بكلمات مرور قوية. كما يُوصى بإنشاء شبكة فرعية خاصة بالأجهزة الذكية لعزلها عن الحواسيب الشخصية والهواتف، وتعطيل خاصية الاتصال السحابي عند عدم الحاجة إليها، كذلك يجب مراجعة أذونات التطبيقات المرافقة للمكنسة والتأكد من عدم منحها صلاحيات غير ضرورية، مثل الوصول إلى الكاميرا أو الميكروفون أو الموقع، كما ويمكن للمستخدم تعزيز الأمان أكثر عبر مراقبة حركة البيانات من خلال الراوتر وتفعيل جدران الحماية، إلى جانب فصل الجهاز عن الإنترنت عند عدم الاستخدام الطويل.

وأخيرًا، يُستحسن شراء المكانس الذكية من شركات معروفة وموثوقة تلتزم بمعايير حماية البيانات الدولية، مع تفعيل خاصية المصادقة الثنائية لتأمين الحسابات المرتبطة بها.

إن تطبيق هذه التدابير لا يعني إلغاء المخاطر تمامًا، لكنه يقللها بدرجة كبيرة ويحوّل المكنسة الذكية من “جاسوس محتمل” إلى أداة منزلية آمنة تخدم الهدف الذي صُممت من أجله، دون المساس بخصوصية المستخدم أو أمنه الرقمي.

وفي الختام تكشف المكانس الذكية عن وجهٍ مزدوج للتطور التكنولوجي، فهي من جهة تمثل قمة الراحة والابتكار في الحياة المنزلية، ومن جهة أخرى تجسد التهديد الخفي للخصوصية في عصر إنترنت الأشياء؛ إن تحول هذه الأجهزة من أدوات تنظيف إلى منصات محتملة للتنصت ليس مجرد سيناريو افتراضي، بل واقع يؤكده التاريخ القريب لحوادث الاختراق وتسرب البيانات.

وعليه، فإن التوازن بين الراحة التقنية والأمان الرقمي أصبح مسؤولية مشتركة بين المستخدم والمشرّع والشركات المصنّعة؛ فبينما تواصل التكنولوجيا التقدم بخطى سريعة، يظل الوعي الأمني هو الحصن الحقيقي الذي يحمي الإنسان من أن يتحول منزله إلى ساحة مراقبة خفية، تُسجَّل فيها تفاصيل حياته تحت غطاء الذكاء الاصطناعي والتنظيف الذكي.

 


مشاهدات 78
الكاتب اثير هلال الدليمي
أضيف 2025/11/08 - 12:40 AM
آخر تحديث 2025/11/08 - 2:54 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 88 الشهر 5120 الكلي 12366623
الوقت الآن
السبت 2025/11/8 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير