جرح التغاضي
هدى جاسم
ارتجفت اصابعها وهي تحاول ان تطوي اخر اوراقها معه ، حاولت ان تمضي بسنواتها دون تتوجع من تكرار جرحها في نفس الموضع ،لكنها فشلت ولم تعد تستطع ان تطبب تلك الجراحات بمرهم التغاضي او النسيان ، حاولت ان تبرر له فعلته في كل مرة لانها هي من دربت خطوته نحوها بهذا الشكل وهو اعتاد على يأخذ دون ان يفكر لمرة واحدة ان يعطي من وقته واهتمامه ورعايته لها، تبرر افعاله بانها رسمت له طريقا اعتاد ان يمضي به دون ان يسأل ، رسمت له حياة مليئة بالابتسامة دون ان تشتكي، بل انها تبكي لساعات وتخجل ان تطلب منه حتى مساعدتها على تخطي احزانها .
قررت ذات يوم ان تواجهه وتقول له كيف امضت سنواتها العشرين معه ، كيف اختزلت طفولتها وهي تركض باتجاه خطواته ، كيف جمعت حقائبها وغادرت بيتها باتجاه بيته لتكون له سند وتواجه الصعاب من اجله ، كيف فتحت ابواب قلبها على اسرار لا يعرفها احد من اجله ، وكيف مضت بكلماته دون ان تقول لقد اخطأت الاختيار .
قررت ان تقول له لم يعد بامكانها المضي بسنوات اخرى معه وهو لايدرك حتى من تكون ولماذا وكيف ، هل جاعت هل لبست ثياب من حرير او ان ثيابها اشواك مزقت جسدها ،كيف مرضت وشاخت قبل ان يخط الشيب مفرقها ، هل عالجها الاطباء ام انهم احتاروا في وصف مابها ، كانت تحاول ان توصل له كلماته باقل الخسائر لكنه في كل مرة يضع امامها مشرط الخيار ويجعل من اصابعها الماسكة لتجرح نفسها دون ان يقول كفى لدموع سالت دون صوت او نحيب . كانت كلما تقرر ان تقول كلمتها تفاجئ نفسها بالتراجع امام شكواه من حياة بلا مبرر وان وجوده سينتهي برحيلها عنه ، تتراجع كلما سمعت انها لم تعد تلك الفتاة التي تركت العالم من اجله ظنا منها انها ستجد اميرا على حصان ابيض ياخذها لعالم بلا كلمات موجعة وسياط تنهال على ذاكرتها لتضع بصمة وجع مزمن لايزول .
الحياة اخذتها معه الى شوائب لم تستطع الخلاص منها ، علقت في ثيابها ومخيلتها وصارت كانما تمشي على جمر وعليها ان تكمل الطريق الى نهايته ، احيانا تصرخ من الوجع وهي تكتم الصوت الخارج منها لئلا ينزل على راسه فيصحوا من نومه وينهال عليها بكلمات لاتريد سماعها ، واحيانا اخرى تهرب الى حيث طفولتها وتنام على ذكرى حلم لاوجود فيه الا لام تغزل الشمس من اجلها وتخيط لها ثياب العيد حتى وهي في عالم اخر .
تتشبث بطفولتها لتلجئ الى ركن في بيت عتيق تنام ملئ جفونها لكنها عادة ماتصحوا على رنين هاتف مخيف يطالبها بالعودة الى حيث اختيارها ليقتل اخر ماتبقى من تلك الطفلة السمراء التي اخطأت الطريق ولا مفر من العودةمن خريف العمر .