الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
قصة صمود يصنع النصر.. الذكرى الثانية لطوفان الأقصى

بواسطة azzaman

قصة صمود يصنع النصر.. الذكرى الثانية لطوفان الأقصى

قتيبة آل غصيبة

 

عامان مرا على اندلاع غارة طوفان الأقصى، ذلك الحدث الذي قلب موازين الشرق الأوسط؛ وأعاد تعريف مفهوم المقاومة في وجه الاحتلال الصهيوني؛ كما أعاد كشف الوجه الحقيقي للكيان الصهيوني أمام ضمير الإنسانية، عامان على حربٍ تحوّلت من «عملية عسكرية» إلى مأساة إبادة وتطهير عرقي ممنهج؛ تساقطت فيها كل الاقنعة المزعومة «بالدفاع عن النفس»؛ وظهر هذا الكيان الغاصب كقوة استعمارية؛ لا تتردد في سحق شعبٍ بأكمله من أجل وهم السيطرة والبقاء.

في هذه الايام؛  يحيي العالم الذكرى الثانية لهذه الحرب؛ ولم يعد السؤال: من انتصر؟ بل: من بقي إنساناً؟..

فمنذ السابع من أكتوبر 2023؛ شن الكيان الصهيوني أوسع عملية تدمير عرفها القرن الحادي والعشرون ضد شعبٍ محاصر في بقعة صغيرة من الأرض تُدعى غزة؛ القصف لم يبقي بيتاً ولا مدرسة ولا مستشفى وحتى المساجد والكنائس لم تنجُ من نيران الحقد؛ وأكثر من 60 ألف شهيد و70 ألف جريح؛ معظمهم من النساء والأطفال، في حربٍ وصفها بعض المنصفين؛ من داخل وخارج الكيان الصهيوني؛ بأنها تجاوزت حدود البربرية.

في تقارير الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان؛ تتكرر كلمات «التجويع؛ التهجير القسري؛ التدمير المنهجي؛ القتل العمد» ، وكلها تشير إلى جريمة لا لبس فيها؛ (إبادة جماعية تهدف إلى محو غزة من الخريطة)، إلا أنه؛ وسط كل هذا الخراب؛ ظل الفلسطيني واقفاً؛ يحمل قلبه على كفه؛ ويقول للعالم: (لن نموت قبل أن نحيا كما نريد).

ما حدث في غزة ليس فقط مأساة إنسانية؛ بل هو ملحمة إنسانية من الصمود؛ أعادت تعريف معنى البقاء، في أزقةٍ مهدّمة؛ وبيوتٍ تحوّلت إلى ركام؛ فقد ولد جيلٌ جديد لا يعرف الخوف؛ يحمل في ذاكرته ألف جرح؛ وفي عينيه وعداً لا يخون؛ (أن تبقى فلسطين حرة ولو تحت الركام)، وإن غزة لم تعد مجرد مدينة تُقصف؛ بل رمزٌ عالمي للكرامة؛ ولم تعد حكاية حصارٍ ومعاناة؛ بل مدرسة في الإصرار على الحياة رغم كل أدوات الموت.

فقد ذكر «المفكر  نورمان فينكلشتاين» ؛ وهو أكاديمي أمريكي يهودي متخصص في الصراع العربي

الصهيوني قال في أحد حواراته: (غزة اليوم هي غيتو القرن الحادي والعشرين؛ نسخة حديثة من غيتو وارشو، لكن العالم لا يفعل شيئاً)؛ «الغيتو هي محارق المانيا النازية ضد اليهود خلال الحرب العالمية الثانية»، وقال  «جوناثان كوك» الصحفي الاسرائيلي البريطاني  : (من يراقب غزة يدرك أن الاحتلال الإسرائيلي لم يعد يقتل الفلسطينيين فحسب؛ بل يقتل ضمير العالم معهم)، وفي مقال كتبه المؤرخ إليهودي؛ «إيلان بابيه» ألاستاذ في جامعة إكستر البريطانية؛ المنشور في 2024:(غزة لم تعد فقط سجناً مفتوحاً؛ بل تحولت إلى وارشو جديدة؛ تُذبح فيها الكرامة والذاكرة في وضح النهار.. ).

كيان صهيوني

ومن بين ضجيج الدبابات وصمت العالم؛ فقد ظهرت أصوات نادرة من داخل الكيان الصهيوني؛ ترفض هذه الحرب وتصفها بما هي عليه؛ (جريمة إبادة)، فالمؤرخ الإسرائيلي «أومير بارتوف» أستاذ دراسات الهولوكوست؛ كتب في مقال  نشرته «نيويورك تايمز» : (بوصفي باحثاً في تاريخ الإبادة الجماعية؛ لم أعد أستطيع أن أصف ما يحدث في غزة إلا بأنه إبادة ضد الشعب الفلسطيني... إن مشاهد التهجير الجماعي والقصف الشامل لا تترك مجالاً للتبرير..)، أما المؤرخ « عمّوس غولدبرغ» من الجامعة العبرية في القدس؛ فقد ذهب أبعد حين قال: (إن ما يحدث في غزة وصمة أخلاقية ستلاحق إسرائيل أبد الدهر؛ مضيفاً أن الهولوكوست كان جريمة ضد الإنسانية؛ وما يحدث في غزة اليوم هو جريمة ضد فكرة الإنسانية نفسها..) ،كما أصدر أكثر من 1400 أكاديمي إسرائيلي بياناً مفتوحاً في نيسان 2024: (دعوا فيه إلى وقف الحرب فوراً؛ مؤكدين أن استمرارها يُدمر ما تبقى من قيم الدولة ويقود المجتمع الاسرائيلي إلى الانهيار الأخلاقي الكامل...)؛ إن هذه الأصوات؛ رغم قلّتها؛ تمثل شهادة تاريخية من داخل المنظومة التي تمارس الجريمة؛ وتؤكد أن العالم لم يعد يستطيع تصديق الأكاذيب القديمة حول «الحق في الدفاع عن النفس» بعد أن تحولت غزة إلى مقبرة للأطفال والشيوخ، فالكيان الصهيوني منذ قيامه عام 1948؛ سعى لتثبيت سردية أنه «الضحية»؛  ليحتمي خلفها كلما واجه الانتقاد؛ غير أن حرب غزة الأخيرة قلبت هذه الصورة رأساً على عقب، إذ لم يعد الكيان الصهيوني الضحية في أعين العالم؛ بل أصبح رمزاً للإجرام  والقوة الغاشمة والاستعمار الحديث، وفي هذا الصدد؛ فقد كتب الصحفي الإسرائيلي «جدعون ليفي» قائلا بصراحة في صحيفة هآرتس: (لقد فقدنا إنسانيتنا في غزة؛ والجيش الذي كنا نراه جيش الشعب تحول إلى جيش ينتقم من الأطفال...)، أما المؤرخ اليهودي الأمريكي «نعوم تشومسكي»؛ فقد وصف الموقف الغربي من الحرب على غزة: (بأنه عار أخلاقي يتجاوز كل ما شهدناه في القرن الحالي؛ مشيراً إلى أن الكيان الصهيوني تحول من دولة تدّعي الديمقراطية إلى نظام فصل عنصري يشرعن القتل الجماعي باسم الأمن..)،  واللافت للنظر؛ انه في العواصم الغربية؛ بدأ يتشكل وعي جديد؛ إذ أقرّت تقارير عدة من جامعات مرموقة كجامعتي «كامبريدج وكولومبيا»؛ أن: (الكيان الصهيوني يمارس سياسة؛ الإبادة البطيئة بحق سكان غزة من خلال القصف والتجويع والحصار...)، إن هذه الاصوات أصبح لها الان صدىً بعيداً يملأ الافاق؛ لانه صادر من كُتَّاب لهم مكانتهم العلمية داخل وخارج الكيان الصهيوني.

محاكم دولية

وجدير بالذكر فإنه؛ خلال عامين من الدمار؛ لعبت الولايات المتحدة الأمريكية؛ الدور ألابرز في إحباط كل مساعي الأمم المتحدة والمنظمات والمحاكم الدولية  الرامية لوقف الحرب الوحشية البربرية على الشعب الفلسطيني؛ والاعتراف بحقوقه الشرعية؛ ولم تُترجم الإدانات لمجرمي  النتن ياهو وعصابته  والقرارات ألاخرى  إلى فعلٍ رادع؛ والتي كان آخرها مشروع إقامة الدولة الفلسطينية الذي ولد ميتاً؛ جراء وقوف واشنطن وحليفها المُدلل الكيان الصهيوني ضده، إلا إن الشعوب لا الحكومات؛ كانت ولاتزال هي صوت غزة؛ من واشنطن إلى لندن؛ ومن إسطنبول إلى جنوب أفريقيا؛ إذ خرجت الملايين ترفع علم فلسطين وتصرخ من أجل العدالة، فحرب غزة لم تعد قضية فلسطينية فقط؛ بل قضية ضمير عالمي؛ تُوكد القول: (بأن الساكت عن الحق شيطان أخرس.) وفي الذكرى الثانية لغارة طوفان الأقصى؛ فقد ولِدَ من تحت الركام؛ وعد الحياة؛ فالشعب الفلسطيني الصامد البطل لم يعد بحاجة لمن يواسيه؛ بل لمن يقف معه؛ يدعم صموده ويدافع عن حقه في أن يعيش حراً على أرضه؛ فقد تجاوزت غزة وفلسطين؛  حدود الجغرافيا لتصبح فكرةً؛ وصارت الفكرة ناراً تُلهب الضمير الإنساني كلما حاول أن ينام، وإن كل بيت دُمّر؛ وكل أمٍّ فقدت أبناءها؛ وكل طفلٍ نجى من الموت؛ هو شهادة على أن الكيان الصهيوني مهما قتل فلن ينتصر؛ لأن الانتصار في الحروب لا يُقاس بالأسلحة؛ بل بمن يبقى إنساناً بعد انتهاء المعركة، فقد ربح الاحتلال المعركة بالنار؛ لكنه خسر الحرب أمام التاريخ، تماماً كما قال المفكر العسكري البريطاني «ليدل هارت؛ ت:1971» ؛ في كتابه «التاريخ فكرا استراتيجيا» : (إن الانتصار بالقوة العمياء هو بداية الهزيمة الفكرية والأخلاقية...)، وها هي إسرائيل اليوم؛ بعد عامين من الدم؛ تعيش تلك الهزيمة؛ فهي تعاني ألان من؛ (عزلة سياسية متزايدة؛ وانقسام داخلي غير مسبوق؛ ووصمة أخلاقية ستبقى عالقة في الذاكرة البشرية) ... وهذا ما أكده الصحفي الصهيوني «بن درور يميني» في مقال له نشرته صحيفة يديعوت أحرنوت الصهيونية : (إن بلاده وجدت نفسها خلال الأسابيع الأخيرة على حافة الفشل السياسي والإستراتيجي؛ رغم تفوقها العسكري؛ إذ تمكنت حركة حماس من جرّها نحو الانهيار الاقتصادي والدبلوماسي، وأضاف أن سياسة الضغط العسكري التي مارستها إسرائيل لم تحقق أي تنازلات؛ بل على العكس أدت إلى تصاعد الضغوط الدولية التي كادت تدفع إسرائيل نحو الانهيار الكامل.

قبل أن يأتي الاتفاق الأخير في وقت عصيب... ويقول الكاتب أن أسرائيل «ربحت المعركة لكنها خسر الحرب» ؛ إذ بدأت إنجازاتها الإستراتيجية ضد إيران وحزب الله تتلاشى بسبب الضرر العميق الذي أصاب صورتها الدولية؛ على حد تعبيره، ويؤكد «بن دودر يميني» في مقاله أن غزة انتصرت على الساحة العالمية عبر الجامعات ووسائل الإعلام ومنصات التواصل والنقابات؛ مما أدى إلى تحول الرأي العام الأميركي لصالح الفلسطينيين ودفع الرئيس ترامب للضغط على اسرائيل..)، وكذلك فقد تحدث «مناحيم كلاين» ؛ أستاذ العلاقات الدولية؛ وهو أستاذ جامعي متخصص في تاريخ القدس؛ عن التحول العميق الذي طرأ على المجتمع الصهيوني منذ غارة 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 المظفرة؛ والتي لا تزال تداعياتها مستمرة لحد الان؛ ووصف كلاين المجتمع الصهيوني؛ في مقابلة مع «صحيفة لوتان السويسرية»: (بأنه يعيش في حالة صدمة مستمرة؛ وأنه لم يحقق أي تقدم نحو الشفاء الجماعي من آثار الحدث؛ بل إن صدمته تم توظيفها سياسيا من قبل الحكومة لتعزيز خطاب الكراهية والتفوق القومي؛ «وأن الخطاب الإسرائيلي بات يدور في حلقة مفرغة ؛ ويركز على قضية المحتجزين والعمليات العسكرية» ؛ دون أي تأمل في الكارثة الإنسانية التي يتعرض لها الفلسطينيون في غزة...)، فالكيان الصهيوني الان اصبح مأزوما؛ وانه يقتل نفسه بيده، وإن وطوفان الاقصى لم ينتهِ؛ فهو يغير  كل شيء.

ولابد في الذكرى الثانية لطوفان الأقصى؛ ان نستذكر عشرات آلاف الشهداء الذين لم يرحلوا عبثاً، بل زرعوا في الأرض جذور الحرية... ونستذكر غزة التي قاومت القنابل بالحياة؛ والأمهات اللواتي ودّعن أبناءهن ورفعن رؤوسهن بكرامة؛ والجيل الذي شبّ على أن الوطن لا يُباع ولا يُنسى. ومن كل ضميرٍ عربيٍ حي؛ ومن كل قلبٍ إنسانيٍ لم تلوثه الأكاذيب؛ نقول: يا غزة؛ يا عنوان الصمود؛ يا مرآة الحقيقة في زمن الزيف؛ لقد عرّيتِ العالم وفضحتِ المحتل الصهيوني ؛ وأثبتِّ أن الدم يمكن أن ينتصر على السيف إذا كان نقياً... إنها ليست مجرد ذكرى؛ بل علامة في التاريخ تقول إن الحق لا يُمحى بالقنابل؛ وإن فلسطين؛ مهما طال الليل عليها؛ ستبقى فجر الإنسانية الآتي....

 والله المستعان على الظالمين..


مشاهدات 44
الكاتب قتيبة آل غصيبة
أضيف 2025/10/11 - 3:16 PM
آخر تحديث 2025/10/13 - 7:00 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 530 الشهر 8710 الكلي 12148565
الوقت الآن
الإثنين 2025/10/13 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير