الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
اغتيال اللغة العذبة في زمن القبح المُشرعن.. رؤية نقدية للانحدار اللغوي في الإعلام والمجتمع الرقمي


اغتيال اللغة العذبة في زمن القبح المُشرعن.. رؤية نقدية للانحدار اللغوي في الإعلام والمجتمع الرقمي

عبدالكريم الحلو

 

 

مقدمة:

---------

من الفصاحة إلى الفظاظة

من الشجن إلى الشتم

-----------------------

في عالمٍ كان يُعلّم فيه العرب أبناءهم منذ الطفولة أن “الكلمة مسؤولية”، ويُعلِّم فيه الأدب أن التعبير جمال لا جرح، واللغة عذوبة لا عنف…

نستيقظ اليوم على مشهد مفجع:

الشتيمة صارت لسانًا، واللغة العذبة نكتة قديمة.

ماذا جرى لنا؟

كيف أصبح القبح فصاحةً،

والفظاظة حرية رأي؟

ومن هذا الذي يقود الانقلاب اللغوي في الإعلام، والمنصات، وحتى داخل بيوت من نسمّيهم “نُخبًا ثقافية”؟

أولًا:

الانهيار الصامت

لغة الشارع تقتحم الشاشات

--------------------------

من البرامج الساخرة، إلى بعض الأغاني الرائجة، إلى ردود مواقع التواصل الاجتماعي، بل وحتى بعض الحوارات في المسلسلات والمسرحيات والأفلام…

تحوّلت اللغة البذيئة من استثناءٍ إلى قاعدة، ومن “زلة لسان” إلى “مادة كوميدية”، ومن تعبير غاضب إلى “علامة على الجرأة”.

لم تعد “قلة الأدب” تثير الاستنكار، بل صارت تُكافأ بالتصفيق والمشاركة وإعادة النشر.

ثانيًا:

لماذا أصبحت الشتيمة ظاهرة شعبية؟

---------------------------------

1. غياب التربية اللغوية في البيوت:

حين لا يسمع الطفل إلا الأوامر والنهر، وحين يرى الشتيمة تُقال داخل البيت من الأكبر إلى الأصغر، تصبح “الكلمة الجارحة” جزءًا من مفرداته الأساسية.

2. الإعلام التجاري الموجّه:

منصات تُروّج للغة السوق والابتذال باعتبارها “تعكس نبض الناس”، بينما هي في الحقيقة تصنع نسخة مزيفة وساقطة من الواقع.

3. المنصات المفتوحة بلا حسيب: السوشيال ميديا حوّلت الشتائم إلى رأي، والتعابير السوقية إلى تعليقات عادية… وصارت تغذّي الغضب بدل أن تهذّب التعبير عنه.

4. انسحاب اللغة الفصحى والمهذّبة من الحياة اليومية: لا خطب، لا دروس، لا مسلسلات، لا قدوات…

من أين يتعلم الجيل مفردات العفّة والسمو إذا كانت اللغة الوحيدة المتاحة هي “لغة الضجيج”؟

ثالثًا:

من يستهدف اللغة العذبة؟ ولماذا؟

-------------------------------

* هناك منظومة إعلامية خفية تعرف تمامًا أن القيم تنهار حين تنهار لغتها.

فاللغة ليست وسيلة تعبير فقط، بل وسيلة بناء هوية وكرامة وذوق.

* استهداف اللغة العذبة ليس مجرد عرضٍ جانبي، بل سياسة خبيثة لجعل القبح مألوفًا، والسطحية شجاعة، والانحلال تمرّدًا.

* حين تغيب اللغة الراقية، يغيب معها التفكير الناضج، والتواصل المحترم، والحب النظيف، والنقد البنّاء.

رابعًا:

الشتيمة ليست رأيًا

بل ضعف عقل وتهتك روح

------------------------

من يسبّك لأنه يختلف معك، لا يملك حجة.

ومن يعلّق عليك بلغة دونية، لا يبحث عن حقيقة، بل يستعرض عقده.

ومن يفرح بانتشار الشتيمة، لا يدافع عن حرية التعبير، بل يروّج لعبودية الانحطاط.

إن شيوع الشتيمة في التعليقات ليس نابعًا من الحرية، بل من العجز عن المحاججة والفقر العاطفي والمعرفي.

خامسًا:

ماذا نفعل؟

مقاومة هذا الطوفان واجب لا خيار

-------------------------------

* نُعيد الاعتبار للفصحى والمهذّب من العامية، في بيوتنا ومدارسنا وصفحاتنا.

* نُشجّع نربي أبناءنا على فكرة أن “الكلمة ميزان أخلاق” لا مجرد وسيلة تواصل.

* نُسمّي الأشياء بأسمائها: الشتيمة ليست “سخرية”، ولا “كوميديا”، ولا “خفة دم”… بل إهانة للمجتمع بأكمله.

خاتمة:

الكلمة مرآة حضارتنا

فماذا نرى فيها اليوم؟

--------------------

* لسنا بحاجة إلى لغات أجنبية لنكون مثقفين،

* بل نحن بحاجة إلى لغة عربية راقية تحمل في نبرتها الحياء، وفي تركيبها الذوق، وفي مقصدها الخير.

* فلنحذر…

* إذا استمررنا بهذا الانحدار، فلن يكون التهتك اللغوي سوى مقدّمة لانهيارات أعمق:

* انهيار الذوق،

* والضمير،

* والأسرة، والهوية.

* الكلمة الأولى… كانت هي “الخلق”.

* فلا نتركها تموت في زمنٍ يصفّق للشتيمة، ويصمت عن الجريمة.

 


مشاهدات 242
الكاتب عبدالكريم الحلو
أضيف 2025/09/20 - 12:40 PM
آخر تحديث 2025/09/26 - 9:32 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 120 الشهر 19357 الكلي 12037230
الوقت الآن
السبت 2025/9/27 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير