عيب النفس أمضى من عيوب الخلائق
عباس الصائغ
في كثير من الأحيان نجد أناسًا يميلون إلى انتقاد الآخرين وتسليط الضوء على عيوبهم دون أن يلتفتوا إلى العيوب التي في أنفسهم. هذا السلوك ليس بجديد فقد عبّر عنه الشاعر العربي الكبير المتنبي في أحد أبياته الشعرية حين قال: «إذا جاءك مذمة من ناقصٍ فهي الشهادة لي بأنّي كاملُ».
هذه الكلمات تعكس حقيقة أن كثيرًا من الانتقادات التي نواجهها من الآخرين قد تكون انعكاسًا لما في نفوسهم من نقص أو قصور، وليس بالضرورة أن تكون تعكس حقيقة عيوبنا نحن. فالناس الذين يركزون على انتقاد الآخرين غالبًا ما يكونون غير راضين عن أنفسهم وينعكس ذلك في طريقة تعاملهم مع من حولهم.
كما قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «يُبصر أحدكم القذاة في عين أخيه وينسى الجذع في عينه» هذا الحديث النبوي الشريف يوضح أن الناس غالبًا ما يلاحظون الأخطاء الصغيرة في الآخرين، بينما يتجاهلون الأخطاء الكبيرة في أنفسهم.
ومن الأمثلة على ذلك الشخص الذي ينتقد غيره على التأخير بينما هو نفسه دائم التأخير في عمله. أو الشخص الذي ينتقد الناس على مظهرهم، بينما هو نفسه مهمل لمظهره..
كباحث في المجال النفسي أرى أن هؤلاء الأشخاص قد يكونون مرضى في تقديري حيث إنهم يعانون من اضطرابات نفسية مثل انعدام الأمن أو الشعور بالنقص أو حتى بعض الاضطرابات الشخصية هذه الاضطرابات قد تدفعهم إلى انتقاد الآخرين بشكل مبالغ فيه في محاولة لتعويض ما يشعرون به من نقص داخلي...
السؤال الذي يطرح نفسه هنا : هل هذا السلوك يقوم به الإنسان المثقف ذو الشهادة العلمية؟ الجواب هو لا ، لأن الإنسان المثقف الحقيقي وذو الشهادة العلمية من المستحيل أن يسلك هذا السلوك. وهنا نقف عند نقطة مهمة، وهي أن بسلوك هؤلاء الأشخاص يتم كشف حقيقتهم بأنهم جهلاء ولا يحملون أي شهادة علمية حقيقية فالمثقف الحقيقي يعرف كيف يتعامل مع الآخرين باحترام وتقدير ، ويعرف كيف ينتقد بطريقة بناءة ومفيدة.
واخيرا يبقى أن نظرة الناس إلى أنفسهم وإلى الآخرين تعكس الكثير عن شخصياتهم وقيمهم. فلو نظر الناس إلى عيوبهم لما عابوا على غيرهم، ولاستطاعوا أن يروا أنفسهم بوضوح أكبر، ولسعوا إلى التغيير للأفضل.
كما قال الشاعر: «دع عنك لومي، فإن اللوم إغراءُ، ودع عنك عذلي، فإن العذل إغراءُ». فالنقد غير البناء يمكن أن يكون محاولة لإبعاد النظر عن العيوب الحقيقية، وبدلاً من ذلك، يجب أن نركز على تحسين أنفسنا وتطويرها..