الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
تيئيس وتنكيس وتبويس

بواسطة azzaman

تيئيس وتنكيس وتبويس

فاتح عبد السلام

 

هل يجوز للإنسان تغيير موقفه الذي قضى سنوات طويلة متمسكاً به؟

هذا السؤال شغل العلماء قبل الناس العاديين، وتوصلوا الى قناعة واضحة وقاطعة في انه يجوز تغيير الموقف والتراجع عنه مهما كان في زمنه الاصلي علمياً ومدججاً بالحجج والبراهين، وذلك في ثلاث حالات:

براهين جديدة:

حين تتوافر أدوات أو تقنيات حديثة تكشف عن بيانات لم تكن متاحة من قبل، مما يسمح للعلماء بإعادة تقييم الفرضيات والنظريات الحالية.

تفسيرات أكثر دقة:

حين يقدم عالم

معين تفسيراً لظاهرة جدلية في صيغة أكثر دقة وأعمق احاطة من النظرية السابقة، فإن العلماء يميلون إلى تبني النظرية الجديدة وعدم الركون الى القديم في سياق تيار العلم المتدفق الذي لا يعرف الركود.

التطور الطبيعي:

بما ان العلم حقائق متحركة غير ثابتة، وخاضعة لعملية مستمرة من الاكتشاف والفهم، فإنّ النظريات تتغير وتتطور استجابة للمعرفة المستحدثة، وليس دائما يكون هذا ضعفاً في النظرية القديمة، بل هو مؤشر على صحة مسار العلم ومرونته واستمرارية جريانه.

في الحياة العادية للإنسان، تتغير المواقف تبعا لاكتشاف حقائق جديدة، هناك مَن يكتشف خيانات من اشخاص يثق بهم وهناك من يلمس انتهازية أصحاب الالسن المعسولة عندما تنقطع المصالح المادية. وهناك امثلة كثيرة.

في الحياة السياسية بالعراق هناك نوعان من تغيير المواقف،  النوع الأول هو مواقف السياسيين التي تتبدل بسرعة استناداً الى الولاءات والنفوذ المسلح أو المال السياسي او التحالفات الانتخابية والوعود المغرية، وهذا النوع من تغيير المواقف لا قيمة له في أصل الموقف القديم أو المستحدث، ذلك ان التغيير قائم على نظرات شخصية ومصالح وانانية وانتهازية، وليس فيه ما يمثل مصلحة عامة أو خدمة للبلد. وهؤلاء جميعاً محشر ومعشر السياسيين الغارقين في بحور الصفقات ما قبل الانتخابات وخلالها وما بعدها لا ينطبق عليهم القول في الرجل كلمة وموقف.

 أمّا النوع الثاني، فهو تغيير الناس العاديين وهم بالملايين مواقفهم من الحياة السياسية بالبلد بعد اكثر من عشرين سنة من التجارب الملموسة للأشخاص والعناوين والمواقع. فقد كان هناك كثير من العراقيين المحرومين من التعددية السياسية في النظام السابق مندفعين قبل عشرين سنة  نحو أحزاب وسياسيين ، رافعين اياهم الى مراتب ذات قدسية، وظنوا انّ مع هؤلاء سيشبع الناس وتسود العدالة ولا يكون المتقاعد شحاذا وتصان حرمة القوانين وقدسية الانسان ويفتح الطريق للنساء لطريق التنوير من دون خزعبلات وظلامات، ثم اكشفت الملايين ان ابناءهم الذين تجاوزوا العشرين عاما وتخرجوا في الجامعات والمعاهد لا يزالون عند نقطة الصفر التي كان اباؤهم يحلمون بانها نقطة التأسيس، فكانت نقطة تيئيس للأمل وتبئيس للواقع وتنكيس للهمم وترفيس للشعارات.. وتبويس للحى والاكتاف.  

fatihabdulsalam@hotmail.com

 


مشاهدات 135
الكاتب فاتح عبد السلام
أضيف 2025/09/06 - 1:01 PM
آخر تحديث 2025/09/26 - 6:28 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 231 الشهر 19468 الكلي 12037341
الوقت الآن
السبت 2025/9/27 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير