البلد الغريب في العالم الأليف
فاتح عبد السلام
يزخر القاموس السياسي في البلاد بكلمة “السيادة” ومرادفاتها، ويفهمها السياسيون حصراً على كونها بقاء السلطة الحاكمة بأيديهم، بالرغم من انّ مفردة السيادة لا صلة لها في عالم اليوم بهذا المفهوم الضيق والساذج والمرتبك.
هناك في هذا العالم صناعة جديدة تسمى صناعة السيادة، بتنا نغمض عنها عيوننا ونفتحها على أزمات الشرق الأوسط ليس أكثر من ذلك.
السيادة، هي كيف تستمر بالحياة بذاتك وبدعم من تحالفات تؤمن بأهمية وجودك معها، حتى لو كنت قليل الإمكانات والموارد، لكن بشرط واحد هو امتلاك متلازمة الإرادة والرؤية.
المنازلة العالمية الكبرى اليوم أو بديلها» اللغوي» الحرب العالمية الثالثة بحسب الكواليس الاعلام المسيس على مواقع التواصل الاجتماعي، انّما هي منازلة الاقتصادات الكبرى والمتوسطة من أجل عدم انهيار اية دولة تسير على نسق هذا المفهوم وتعرف انّ استمرارها في الميدان وحدها لن يدوم ولن يوفر لها البقاء في المنازلة وعدم الانسحاق.
الولايات المتحدة استفزت العالم بالرسوم الجمركية وهي ماضية فيها، تكاد تساوي فيها بين الحلفاء والخصوم، وهذه ليست سياسة اقتصادية لجمع الضرائب وتعزيز موازنة الدولة الامريكية المدرعة أساساً بالدولار السياسي والعسكري فائق التأثير، وانّما هي رؤية لرسم معالم النفوذ على الكوكب من مداخل عدة، تبدو عملية دفع الرسوم المبالغ فيها نوعاً من تقديم الولاء بالإثباتات المادية. لكن في الطرف الاخر من العالم هناك الصين التي يستهدفها أي اجراء امريكي، ولا تستطيع أن تتفاداه كلياً مهما ناورت بالرغم من إمكاناتها، لذلك نراها اليوم في قمة منظمة شنغهاي للتعاون
تجمع قادة روسيا والهند وإيران وتركيا وعشرين بلداً آخر في منطقة أوراسيا بحثا عن ترسيخ نموذج جديد للعلاقات الدولية يكون محوره الصين في وقت لا تزال فيه التوتّرات الجيوستراتيجية مشتعلة مع وطأة الرسوم الجمركية الأمريكية.
هذا العالم المتشكل بهذه الطريقة، ليس للعراق فيه أي موضع قدم، ليس على الميدان الأمريكي او على الميدان الصيني. العراق يبدو معزولاً في بقعة اعتبارية لا جغرافية غريبة جداً في هذا العالم الذي يعرف ماذا يفعل وماذا يريد الى حد الالفة في التعاطي والتصرف والعلاقات .
من هنا يجب أن نفهم معنى مصطلح السيادة، او معنى مصطلح التحالفات. لا اعتقد مطلقا انّ ذلك «الهم الاستراتيجي» يشغل أيّ سياسي في العراق في خلال العقدين الأخيرين، لذلك اعود الى وضع هذا التصور في سياق التفسير والاجابة معا على سؤال، لماذا يتجه العراق نحو المجهول؟