التشابه والإختلاف (2)
من هو الأصل في حياتنا ؟
منقذ داغر
«كل البشر أعداؤنا، وكل الحيوانات رفاقنا» جورج اورويل
هكذا لخص لنا الكاتب والمفكر البريطاني جورج اورويل قصة الأختلاف والتشابه في حياتنا الاجتماعية. فطبقاً لروايته «مزرعة الحيوان» كان اول شيء فعله الخنزير الذي قاد ثورة الحيوانات في المزرعة هو أقناع الحيوانات التي ساندته بأنهم كحيوانات تجمعهم مشتركات كثيرة (تميزهم) وتجعلهم (رفاقاً) لبعضهم البعض في ذات الوقت الذي تجعل فيه هذه الصفات «الحيوانية» المشتركة من البشر أعداءً لهم. هكذا يصبح واجباً على الرفاق ان يساندوا بعضهم (ظالمين او مظلومين) ليقفوا ضد أعدائهم-البشر- سواءً كان أولئك البشر(ظالمين او مظلومين). فمجرد الأختلاف يبرر الذبح والقتل! الم يكن سبب الخطيئة الأولى هو الأختلاف؟ «قال انا خيرٌ منه خلقتني من نار وخلقتهُ من طين»!! ومن يتمعن في الأجتماع الإنساني يجد ان «الإختلاف» كان دوماً مبرراً للحروب والقتل والدمار،على الرغم من تكرار قول المفكرين والمصلحين والفلاسفة بأن الأختلاف رحمة وقوة. صحيح ان الاجتماع البشري والعمران الإنساني بدأ بسبب ادراك البشر لأهمية إيجاد المشتركات مع الآخر لتحقيق التعاون في مجالات الأمن والدفاع والبناء والإقتصاد...الخ، لكن الصحيح ايضاً ان تاريخ العمران الإنساني وثقافات الشعوب مليئة ب»نصائح» من مثل (ان لم تكن ذئباً أكلتك الذئاب، وأن الحياة غابة،والبقاء للاقوى،واقتل جارك قبل ان يقتلك). هذه الفلسفة الهوبزية (نسبة الى المفكر هوبز Thomas Hobbs) تجد لها صدى كبير عبر التاريخ ولدى مختلف الثقافات والشعوب للأسف.
أقلية صربية
لم يكن ذنب شعب التوا Batwa الذين أُبيدوا بالكامل على ايدي الهوتو في رواندا عام 1994 سوى انهم أقزام «مختلفين» عن الآخرين. وتمت إبادة اكثر من 800 الف من التوتسي لانهم مختلفين عرقياً عن الغالبية (الهوتو).
لا بل ان عشرات الألوف من العرقية (الأغلبية) أي الهوتو قُتلوا على ايدي الهوتو أنفسهم لأنهم كانوا معتدلين (او مختلفين عن بقية الهوتو) وانكروا قتل التوتسي وابادتهم في الحرب التي حصدت حوالي مليون شخص متصارعين عرقياً.
وعندما سُئل مجرم الحرب سلوبودان ميلوشيفيتش عن سبب ابادته للمسلمين في كوسوفو برر ذلك بانه كان يدافع عن (الأقلية الصربية) المختلفة عن (الأغلبية المسلمة) في كوسوفو!! وحين كان المقاتلون المسلمون يُسألون عن سبب قتلهم للمقاتلين المسيحيين في لبنان ابان الحرب الأهلية كانوا يجيبون «لأنهم مسيحيين» أي مختلفين عنا!! وكان المقاتلون المسيحيون يجيبون بنفس الطريقة عن سبب قتلهم للمسلمين. وفي أيام القتال الطائفي في العراق في 2005-2006 كان «السنة» يحفظون تسلسل أئمة «الشيعة الأثني عشر» كي ينجحوا في الأختبار الذي تختبرهم به بعض الميليشيات «الشيعية» في المناطق المختلطة وبالتاي يثبتوا انهم شيعة وليسوا سنة كي ينجوا بأرواحهم من القتل او الخطف او التهجير. مقابل ذلك كانت الميليشيات السنية وأرهابيي القاعدة آنذاك لا يقلون قتلاً وإرهاباً وتهجيراً ضد كل من يعتقدون انهم شيعةً. فكونك «مختلف» يبرر قتلك دفاعاً عن «المتشابه» الذي تارةً يكون ايزيدي،وثانية يكون توتسي، وثالثة يكون شيعي، ورابعة يكون سني ...الخ. المهم ان نقتل المختلف دفاعاً عن المتشابه. واذا كنا رحيمين ولا نريد قتل المختلِف عنا،فأننا نحتقره لانه من درحةٍ ادنى. اما اذا تسامينا قليلاً في مشاعرنا،فاننا سنعتقد اننا الطائفة «المنصورة» او «الناجية» او «التي تمتلك الحقيقة» أو «الطائفة الأفضل».
لقد قام الاجتماع الإنساني منذ بداياته -حينما انتقل الانسان من عصر الصيد والتنقل الى عصر الزراعة والإستقرار- على إيجاد المشتركات. لذا كانت اللغة هي من بين اول الاختراعات البشرية لأنها تسهل التواصل مع الآخر. ولولا اشتراك البشر مع بعضهم البعض في الحاجات الإنسانية لما وُجدت المجتمعات ولما تطورت الحضارة. مع ذلك لا زال البعض ينبش في الاختلافات كما ينبش حفارو القبور في الجيف والأشلاء.
قاعدة اجتماعية
وكم يحلو لنباشي الجيًف أولئك استخدام لغة مليئة بالتمييز والأختلاف مثل «الأقلية-الأغلبية» أو «نحن-هم» أو «ديننا افضل» أو «عقيدتنا افضل» أو «عقيدتهم منحرفة» أو «قوميتنا افضل» و «لوننا افضل»...الخ من العصبيات النتنة التي لم تسبب لشعوب العالم سوى الدمار.
ولو تمتع نباشو العصبيات والإختلافات أولئك بقليل من الحصافة لأدركوا ان هناك قاسم مشترك أعظم بين الجميع هو «الإنسانية» والتي تجعل الجميع اخوة لي كما وعظنا بحق الأمام علي كرم الله وجهه. معنى ذلك اننا متشابهون اصلاً وان التشابه هو القاعدة الاجتماعية والخَلقية الأولى، وأن الإختلاف على أهمية وجوده والإعتراف به ،لكنه ليس الا الإستثناء. فالوجود البشري هو القاعدة التي يتشابه فيها كل البشر ويبحثون عن تحقيقها وإثرائها وإغنائها، أما الجماعات العرقية والاجتماعية المختلفة فما هي الا تباين في ذلك الوجود البشري بحسب البيئة والتاريخ والجغرافيا. كذلك الإيمان، فهو القاعدة الأساسية للنفس البشرية التواقة له، أما الأديان فهي الاستثناء لانها طرق متباينة لإشباع الإيمان. وبَشَرة الأنسان هي القاعدة المشتركة لكل البَشَر، لكنها اختلفت وتباينت بحسب البيئة والجغرافيا. الخلاصة هي اننا جميعاً تشابهنا ابتداءً في خَلقنا وحاجاتنا ورغباتنا،لكننا اختلفنا في معايشنا وبيئاتنا وافكارنا. وما دام التشابه هو الأصل فأن من السُخفِ وقلة الوعي ان نستبدله بالإختلاف.