الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
كعكة القائد الفلتة

بواسطة azzaman

كعكة القائد الفلتة

وجيه عباس

 

يُصاب العراقيون في زمن السيد الرئيس(سابقاً)!، بدهشة عظيمة حين يقترب اليوم الثامن والعشرون من نيسان!، كيف لايُجنّون ومولد القائد الضرورة أو الضريبة، يطلُّ برأسه كالحاً مثل مولد فرعون حكم مصر بالسيف والحديد والنار، العراقيون طينة تأريخية تتشكل بيد القادة الضروريين كما تريد السلطة الحاكمة، فإذا هلك القائد لعنوه ولعنوا أجداده وأجداد أجداده، الحاكم قبل موته أو تنحّيه يختلف عن الحاكم بعد يوم من موته أو تنحّيه، لهذا دأب الحكام على ممارسة هواية التسلط والديكتاتورية على من يقع تحت أيديهم، وهذه سمة لاصقة بالشعوب التي كانت معرضة للغزو الخارجي كثيراً .

حرب داخلية

صدام جلد الذاكرة العراقية بتأريخ الثامن والعشرين من كل نيسان، وجاء الرفاق ليسيروا بسيرته الوضاءة!، إنهم يريدون من العراقيين أن ينسوا بقية التأريخ في مجتمع مُطوَّق بالرفاق البعثيين، كأّنه (الإنذار ج)، أعلى درجات الإنذار أُعلن على الحياة العراقية، أشبه بحرب داخلية، الجميع ينظّر، الذي يريد أن يتكلم عليه فقط أن يُهنّيء العراقيين على الحظ “المنيّل بستين نيلة”، لأنه جلب لهم قائداً تأريخياً، وكأن الرحم العراقي عقم أن يلد قائداً مرحلياً حتى ضرب الطلْقُ “صبحة طلفاح” في العوجة، فأنجبت “صدام” لتهديه سفّاحاً منفرداً إلى العراقيين، وكأنَّ العراقيين لم يكفهم خلفاء بني أميّة وخلفاء بني العباس، لاسيّما الحجاج بن يوسف الثقفي في خلافة الأموي عبد المَلْكِ بن مروان.

قبل شهر من حلول هذه المناسبة العظيمة، يتكهرب العراقيون، تتنافس الوزارات جميعها، ومدراء المديريات حتى تصل الدورة إلى العاطلين عن العمل!، ربّات البيوت وأولادهم وبناتهم، يتنافسون فيما بينهم على إظهار فرحهم الكبير بهذا المولد الكبير الذي لاينافسه في احتفاليته حتى المولد النبوي لعظيم البشرية والإنسانية محمد ص وآله، مولد صدام كان مناسبة لإذلال العراقيين أمام شاشات التلفزيون، صور القائد الملوّنة الكبيرة تنسلُّ بين الناس لتشغل مكاناً لها في ساحة أو جدار، الورود تُزيّنُ الطرق، وحذار أن تُمسُّ صورة منه أو تمثال لوجه صدام في جدارية أو نُصُب، طُلاب المدارس يُعطِّلون أو لايدرسون في هذا اليوم، يتم إصعادهم في السيارات الكبيرة التي تُكلِّف وفق قاعدة “السخرة”(أي من دون إجرة، يتم سحب مستمسكات السوّاق ولا تُعاد إليهم إلا بعد انتهاء الميلاد المبارك لقائد الأمة “سابقاً!”)، وويل لمن يتهرّب من هذا العمل الجهادي!، سيجد التهم حاضرة إذا تبيّن هروب سائق منهم، يكفيه عاراً وخيانةً أنه هرب من الإحتفال!، وسيتم تثبيت هذا الموقف الشائن في صفحته التأريخية!.

يجب على الوجوه جميعِها أن تصطبغ بالبهجة والسرور،حتى لو كان البيت خالياً من الطحين والدهن والبيض، هناك من تَهيَّأ للأمر خشية حدوث طاريء مفاجيء، لايمكن لعراقي أن يثق بعراقي آخر في قضية انتقاد صدام ونظامه الفاشي، جعل الجميعَ يراقبُ الجميعَ، الأولاد على آبائهم، الزوجات على أزواجهم، الجيران على الجيران، يتحول الجميع إلى حقل أو غابة لاتختلف عن “حقل حيوان” جورج أورويل!.

إشارة إلى مشاهدات (مازن الجزراوي-مدير القصور الرئاسية الصدامية في كتابه ( عشر سنوات في قصور صدام) الصادر عن دار الحكمة 2005 [ إن تصميم كعكة الميلاد يجب اختياره بدقة، يتم عقد الندوات بين سكنة القصر الجمهوري من موظفين في القصور الرئاسية للوصول إلى الشكل النموذجي لتشكيل كعكة الميلاد]!.

إبن (صبحة طلفاح) لايريد أن يغادر مشاهد إحتفالات العائلة المسمومة حين كان صغيراً في العوجة، تعوّد على إشعال الشموع وإطفائها ليزيد عمره سنة واحدة، سنة واحدة ليسير سيرة الأوائل من الصالخين الذين عوّدوا الأرض على شرب الدم بدلاً عن الماء، لهذا علَّم العراقيين ضرورة احترام مولد القائد الضرورة!...

اختيار الكعكة

تنتهي المشاكل في العراق، لم تبق إلا مشكلة أو كارثة إختيار شكل كعكة ميلاد القائد، الكعكة التي لن يتذوقها القائد نفسه خشية وجود سمٍّ فيها!!، شكل الكعكة يجب أن يسرَّ العراقيين الذين يحصلون على الرغيف (بألف ياعلي)...يجب أن تسرَّ هذه الكعكة قلوب العراقيين المتعبين والمحرومين من رؤية الجمال وكأنها بقرة بني إسرائيل، ورشات النجارة في القصور الرئاسية تعمل على مدى 25 ساعة! لتصميم وتنفيذ مقاطع للكعكة التي يجب تهيئتها على شكل قطع لتركيبها في المكان الذي لايعرفون مكانه أصلاً!، وهذا يستلزم إجراء تمارين الإحماء للبروفة الختامية، وهذا يؤدي إلى استهلاك المكونات لعشرة كعكات ضرورية لتأمين النجاح اللازم ليوم الإحتفال المرتقب!...، أنتم تريدون أن تعرفوا مكان الإحتفال ليقوم الأميركان بقصفه وقتل القائد الضرورة الذي يقود مسيرة (البتاع) التأريخية العربية!!...كيف يمكن لمحتفلٍ بولادة القائد الضريبة التأريخي السفن آب أن يكون دليلاً على وجود صدام في زمان ومكان محدد؟!..يجب أن يرضى المواطن المحتفل بفناء نسله إلى قيام الساعة وأن لايرتكب هذا الإثم الوطني الجارح لمشاعر الأمة العربية المُجيّمة، أيها العراقي يجب أن تكون أنت وعشيرتك وأهل منطقتك فداءاً لتراب قندرة القائد المهيب الركن الذي يخاف من فكرة وجوده في مكان معين، فكيف إذا كنت محتفلاً بميلاده!، تلك حسنة لم يكتسبها أي عربي يعيش تحت حكم أحد القادة الضروريين الذين أثبتوا الوجود الفعلي للأمة العربية...على الخرائط فقط!..العمل الهندسي لكعكة ميلاد القائد من مكمّلات العمل الوطني والجهد الوطني والشعار الوطني، الوطن أشبه بتكّة لباس القائد الداخلي، وشرفه يمثِّلُ شرف الأمة الكبير الذي يضاهي السد العالي في أسوان والإهرامات وكل عجائب الدنيا الأخرى، [هل تعلم أيها المواطن العراقي أن الاميركان حين نشروا صورة القائد وهو يجلس خلف طشت الغسيل قد كشفوا للعالم سراً من أسرار القيادة التأريخية للأمة، مما يعدُّ خدشاً في منظومة الأمن القومي!]... البطولة أن تسجِّلَ اسمك بين الأسماء المحتفلة في عيده الأغرّ، لا عيد الجيش العراقي ولا عيد الأمة ولا العيد الكبير والعيد الصغير، إنه عيد الأعياد الذي يذكّرني بكبة الكبة الشهيرة في (مطعم أبو يونان) أيام التسعينات، أن تكون جزءاً صغيراً محتقراً مظلوماً في كلٍّ منافق أشرف ألف مرة من التعلّق بمشنقة إعدام أو تكون السبب في خسارة البعث العراقي لعدة إطلاقات نارية مهمتها إنزالك في قبر وإيفادك إلى الآخرة من دون تذكرة إياب، قليلون من رأوا الطائرات حقيقة، نراها في الصور الفوتوغرافية فقط، ممنوع عليك رؤية الطائرات، لا أن تسافر فيها، صدام كان حريصاً على منع سفر العراقيين، إنه يخشى عليهم الـــ( هوم سيك!)، إنه قاهر الفايروسات الوطنية وهازم جيوش مكروبات الحنين إلى وطن يحكمه صدام حسين، يخشى على المواطنين أن يحلموا بالسفر إلى بلد ثان غير العراق، لم نكن نصدِّق إن الله قد خلق بشراً آخرين وأنهارا وبحاراً وأشجاراً ومدناً معمورة إلا عن طريق التواتر بالصور الفوتوغرافية!، لاوجو لوطنٍ ثانٍ لم يبنه قبلهم السومريون والبابليون والأكديون والآشوريون، وهم جميعا أجداد صدام وحده!، كلُّ شيء خارج حدود العراق فناءٌ وهباءٌ، الوجود الحقيقي لملايين من الشعب العراقي المكَرود كان للعراق، والعراق فقط!، وللبقية من المُدَّعين الذين يؤمنون بالتواتر أن يدَّعوا صحة وجود لندن أو نيويورك....أما اليابان فتلك دولة نسمع أنها في السماء، يبتكرون الآلات والسيارات ويرسلونها الى العراق فقط، لم نكن نصدق وجود سيارات غير المارسيدس الشبح التي يركب فيها صدام بموكبه الرئاسي...وسيارات الأجرة “الطايح حظها” التي يركب فيها العراقيون، لم نصدق أن هناك عيداً كبيراً سوى عيد ميلاد القائد المحفوظ بالله ورسوله ص وآله!، كيف يمكن أن لانصدِّقَ ذلك وذاكرة العراقيين الفقراء محفوظة في نفس الثلاجة الكبيرة التي يحتفظون فيها بكعكة ميلاد القائد المُلْهَمْ؟!.

تهيئة كعكة عيد الميلاد لاتختلف عن إشعال ثورة أو قيادة إنقلاب، الكل هيّأ سلاحه لإطلاق النار، لم أر شعباً مهووساً برمي إطلاقات النار مثل العراقيين، إذا ختنوا صبياً، تشتعل السماء باطلاقات النار، اذا تزوج محيسن من حمزية فالسماء على موعد مع الإشتعال، إذا رجعت ليلى لعيالها بعد مضي مدة طويلة على زعلتها المشهودة، الهوسات تصعد إلى عنان السماء وهم يرددون ( ليلى ردت لعيالهه وطير السعد يبرالهه)!، السماء على موعد إطلاق ناري تحترق فيه الغيوم، الناس يدخلون في بيوتهم خشية أن يكون أحدهم أضحية يتم دفنها في نفس الليلة التي تنام ليلى مع زوجها تحت لحاف واحد....عشرون إطلاقة مدفع تقع على رؤوس المحتفلين تحية لمجيء هذا العيد وهو يردح بالميلاد مثل راقصة غجرية، هز الأكتاف والأرداف نظرية علمية أظهرها صدام للعراقيين في الرقص الشرقي لشرح قانون الموازنة ( أفهم الآن سبب تأخر مجلس النواب في إقرار الموازنات!)، أعياد ميلاد القائد اتفقت أن تكون الشغل الشاغل للعراقيين في بداية التسعينات، خروج العراق المخزي في الإنسحاب من الكويت وإبتداء فترة الحصار المفروض على الشعب العراقي وليس على صدام وعشيرته، يرقص المحاصرون على خيباتهم مادام القائد يريد أن يفرح بعيد ميلاده رغم أنوفهم، الشعب العراقي المحاصر يُفاجأ أن العالم يحاصره من كل جانب، وهم يرقصون ويهوّسون على هذه اللفتة الإيمانية بدور القائد في تحرير عقرقوف!، التسعينيات طعمها مرٌّ كالحنظل في أفواه العراقيين!، الحصار الإقتصادي أبرز للعلن أن المجتمع يتكون من ثلاث طبقات، الطبقة الغنية، المتوسطة، فالفقيرة، اجتهد صدام في إلغاء الطبقة الوسطى من المجتمع، الغنية زادها غنى، والفقيرة زادها فقراً، الطبقة المتوسطة من المجتمع التي تشمل الموظف والضابط والعامل ألغى وجودها بالكامل، لأنه ملأها بالفساد، جريمة صدام أن الغني أتخمه بالغنى، والفقير سحقه بالفقر، لكن بوجود القائد المُلْهم والمبدع أفرز فئتين، فئة باعت شرفها من أجل أن تحافظ على أغراض بيوتها، وفئة باعت أغراضها من أجل أن تحافظ على شرفها....وللفقراء حوبة!.كانت اللجنة المُكلَّفة بإدارة فعاليات الإحتفالات الجماهيرية تبالغ في نفقات عيد الميلاد، لو أنها كانت تملك أجهزة لإنزال نديف الثلوج لاشترته وفق برنامج (النفط مقابل الثلج!)، لهذا السبب ربما، وجد صدام نفسه يرشح نائبه “عزت الدوري” الثلجي لإدارة أعمال عيد الميلاد الصدامي، “صدام” وأعضاء القيادتين القومية والقطرية محرومون في داخل العراق من الوقوف بساحة المدن الأوروبية للإحتفال مع حبيباتهم وتقبيلهن بمناسبة مرور عام جديد، كيف تجرّأ العالم الأعمى على منع صدام والذين معه من حضورهم الفعّال في احتفالات السنة الميلادية الجديدة!؟، كيف منعناه من مشاهدة ليلة ثلجية ورؤية الرفاق أعضاء القيادتين القومية والقطرية يتزحلقون مع نسائهم وأولادهم على الجليد!؟.

 شكل الرفيق “عزت الدوري” وهو يتزحلق على الجليد مع امرأة شقراء هو لوحة سوريالية أو سروالية!، لم يكتشفها آرغون أو سلفادور دالي، أما الرفيق طه ياسين رمضان، فكرشه الممتد أمام وجهه يمنعه من التفكير في إثبات وجوده الحقيقي أمام عيون الزا -سجودة!!.

مكوّنات كعكة عيد الميلاد سنة 2000 م، التي كلَّفت اللجنة المكلفة بإعدادها:

أولاً: (2000 بيضة)[ 100 طبقة].

ثانياً: 150 كغم من الطحين[ ليس الطحين الأسمر او الأسود أو الأصفر أو الرمادي وكان العراقيون يأكلون منه].

كغم من الزبدة.. 150 -ثالثاً

رابعاً: 150 كغم من السكر الأبيض.

. خامساً: 38 لتراً من الحليب المعقم

. سادساً: 7 كغم من جوز الهند والفانيلا

كل هذه الكميات من المكونات الرئيسة لكعكة ميلاد القائد، هل تريدون من صدام أن يقف خجولاً أمام جلجامش مغتصب العرائس ليلة زفافهن، في كيفية إثبات أنه مغتصب جديد؟!، ألف أنكيدو لايمثلون أمام صدام سوى كومبارس يؤدي لقطته أمام الكاميرا، أما الوحش الفقير”خمبابا” فهذا يتركه لتعذيب الرفاق الآخرين في “قصر النهاية”، ربما يشوونه وكأنه دجاجة تدور تحت نار متقدة، أو يكون ديكاً مراهقاً جرَّب ذات مرة أن يفرش جناحيه ويصيح بأعلى صوته!، الواضح أنه سيتحول إلى فرّوج يدهسه أول طقم أسنان بعثي فقد أسنانه الأصلية تحت تعذيب رفاقه!.. وأسأل: ماذنب هذا الفرّوج أن يلقى نفسه ضحيةً للبعث الصامد؟!...

هذه المكونات تكفي طعاماً لمائة يتيم ولثلاث وجبات ولمدة ثلاثة أشهر!.

هذه مكونات خاصة للكعكة فقط وليس لنفقات ميلاد القائد “المنصور والوشّاش وحي العامل”، لقد بلغت نفقات ميلاد صدام في عامه الثالث والستين أحد عشر مليون دولار في سنة 2000م، فيما كان الشعب المحتفل يبحث عن كسرة خبز يبلِّلها تحت الماء، وحين ينتهي منها، يُقبِّلُ يده اليمنى ويضعها على جبهته وهو يقول: الحمد لله...

نقص الدواء والغذاء أسكن الآلاف في مقابرهم المستطيلة...، صدام كان يحتفل بموت أطفال العراق المحاصرين لأنه وفّر المعادل الصوري التلفزيوني لخبر نقص الدواء والغذاء للشعب العراقي، كان يضع التوابيت المغلّفة بالعلم العراقي على ظهور السيارات وهي تسير بشكل جماعي في شارع الرشيد، تتوجه إلى المقابر بينما صدام يكرع الويسكي ويدخِّن السيجار الكوبي مع أنه لايشبه فيديل كاسترو، لكن لحية كاسترو مليئة برائحة العوجة!!..

يتم تشكيل لجان لفحص المحتفلين جميعاً، قف جانباً ليتم تفتيشك، مهمة الإحتفال بعيد الميلاد شرف لمن لا ميلاد له، إذا امتدّت أصابع العسكريين لتزن أية مؤخرة مختلفة، على صاحب المؤخرة او صاحبتها أن يقنعوا جميعاً بالصمت، والسكوت علامة الرضا!، حتى لو تطور الأمر إلى اغتصابك!، إنه عمل مهني ووطني وبعثي!، ماذا تشكِّل مؤخرتك أمام الجمهور المليوني الذي يجاهد أن يشترك في إظهار فرحة العراقيين بهذا الحدث الخطير، كل المؤخرات والمقدّمات فداء لمؤخرة الرفيق القائد ومقدمته!، لاعليك...تعيش وتأكل غيرها!...

العقل الصدامي الأمني كان يتعمّد إغتصاب السجينات من قبل ضابط الأمن، صدام يعلم أن الفكرة لحمٌ هشٌّ، فيعمد إلى انتهاز فرصة إنتصاب أعضاء ضباط الأمن لإدخالها في شرف السجينات، إنَّه يطهِّر الأرحام بزرع نغل بعثي صدامي في داخل الجسم المعارض لفكرة وجوده أصلاً!، المُغْتِصب فسح مكاناً لرأسه الثانوي في الدخول بفكرة الجهاد الجنسي ليكسر عينها كما يقول العراقيون!..

موعد الإحتفال المركزي بعيد الميلاد الليمون مجهولٌ، إنهم يجرون التمارين والبروفات قبل فترة، وربما قبل يوم أو يومين من تاريخ 28-4، ويتم تسجيله تلفزيونياً، لكنهم يبثونه في يوم 28 نيسان ليشاهده العراقيون!، سينما قيادية ولا أحلى منها!، هل يريد الشعب العراقي بثّاً حيّاً لأخطر الأعياد قاطبةً؟!، هل تريدون اغتيال شخص القائد الليمون؟!، الصوت البعثي المشورب سيقول إنكم خونة وإمبرياليون، أنتم صفحة الغدر والخيانة الجنوبية، أنتم تؤسسون لجمهورية الخراب والضياع في سوهو لكولن ويلسن...قتلتكم الدواهي ومسحتكم الماسحات...، كيف يمكن إعطاء فرصة للأميركان بقصف نيران صديقة؟! أيتها الآلهة...لتنزل اللعنات على جيراني لأنهم يبقون صوت التلفزيون ينبح بعد أن ينام الجيران أنفسهم، ونحن نخجل من طرق الباب عليهم لتنبيههم على ذلك، الحزب علَّمنا الصبر وكتابة التقارير الحزبية وأن لانجرح مشاعر الجيران...، فلماذا حارب صدام الجارة إيران واحتل الشقيقة والجارة الكويت؟ إنها أسئلة خارج متن كعكة الميلاد!.

حفاة ذل الميلاد الحاضرين يستعدون للتفتيش، لا عذر لأي حاضر محتفل أن يمتنع عن إجراءات التفتيش، الرجل يفتش المرأة، والمرأة تفتش الرجل، كل الإحتكاكات الجسدية مسموح بها ماداموا سيحضرون مع صدام في نفس المكان، المكان كله بحاجة إلى تطهير صحي أو تطهير عرقي، الداخل في قصور صدام مفقود ولايمكن لكائن من في العالم أن يبحث عنه، والخارج من القصور مولود يشتم الحرية من جديد، الحرية التي أشبه ماتكون برائحة عظم قرب أنف كلب، والراقص والرادح موجود، يهز الأكتاف والأرداف، يهز الترسانة اللحمية لجسده العراقي، الكلُّ يقف في حالة استعداد أمام الوجوه المنتفخة بالغلظة التي كانت ترتسم على وجوه أقرباء صدام وجيران أهل صدام، وكلهم من قرية العوجة في تكريت، يكاد ينفجرون من الحرص الزائد على سلامة القائد صدام حسين، العراقيون جميعاً لم يأملوا أن يروا وجهاً مبتسماً ووظيفته حماية صدام!، اللهم إلا إذا قهقه صدام نفسه، فيضحكون معه إكمالاً للمشهد المعروض على المشاهدين العراقيين والمشاهدين العرب، كل ذلك من أجل أن يعيد الروح البعثية إلى روح المواطن العراقي المكَرود، والعربي المُغرَّر به، الذي تصور أن “صدّاماً” هو شقيق صلاح الدين الأيوبي سوى أن أمهما وأبيهما اختلفا في الوجود والإسم!.

نحن لم نكن نعرف موعد إقامة الإحتفال المركزي...كنا مراهقين، لانفقه من الحقيقة شيئاً، اختار صدام أن يركب عربة ذهبية، نعم، من الذهب الخالص، شبيهة بالعربة الملكية ( مع أنه يبغض العهد الملكي كأي بعثي قح!!)، البعثيون الأوائل هم من قتلوا العائلة المالكة بيد “النقيب عبدالستار العبوسي” في 14 تموز 1958، ومن ثم انقلب البعثيون أنفسهم بقيادة “عبدالسلام عارف” وأعدموا الزعيم “عبدالكريم قاسم” في 8 شباط 1963، هكذا إلى أن جاءت العائلة الماكلة!، بكبيرها الأكول جداً... صدام حسين!...

يركض المرافقون أمام الخيول التي تجر عربة صدام الذهبية، الخيول تمشي الهوينا، بينما مرافقو صدام السمينين يركضون أمامها ليوازنوا خطواتهم مع خطوات الخيول، أنهم خيول القائد الحقيقية!.

حين تمشي الخيول تمشي خبباً، لا سريعاً ولا بطيئاً، لكن بانتظام، العظيم الموهوب الخليل بن أحمد الفراهيدي توصل إلى إقرار البحور الشعرية في خمسة عشر بحراً، وترك البحر السادس عشر وأهمله لعدم وجود شواهد شعرية عليه، برغم أن البحر السادس عشر مثبت في الدائرة العروضية، لكن لبساطته وعدم وجود شواهد مهمة في تأريخ الأدب العربي أهمله، وصادف أن أحد تلاميذ الفراهيدي ولقبه” الأخفش” سطا على أوراقه بعد موته وإدّعى ملكية هذا البحر الفكرية، “الأخفش” لايختلف عن أي سارق أدبي آخر، وتعجبني لفتة العالم النحوي” د مهدي المخزومي” حين كتب كتابه (الفراهيدي...عبقري من البصرة) وأهداه إلى التلميذ السارق “الأخفش”، الخيول تمشي خبباً...فَعِلُن فَعِلُن فَعِلُن فَعِلُن....وهكذا...ويقيناً أن حماية صدام يهرولون كما الحمير أمام صدام ليثبتوا ولاءهم وإخلاصهم لصدام المفرهد!.

يدخل صدام ببدلته البيضاء إلى القاعة التي قرروا إقامة الإحتفال المركزي لعيد الميلاد الليمون مثل عريس في ليلة عرسه، يزفّه الصغير المأمون شره، والكبير الذين فتشوا ملابسه ومنعوا الكاميرات والساعات والأقلام وحتى الهويات المكبوسة التي بإمكان شخص متدرب أن يقطع بها رقبة آخر...فكيف والآخر هو صدام حسين!.

هكذا يزف المحتفلون صدام إلى الكرسي الوحيد الذي يختلف عن الكراسي الأخرى، ربما كان الجميع وقوفاً سوى كرسي يجلس عليه عبدحمود-السكرتير الشخصي لصدام، وكرسي آخر لجلوس المريض العراقي عزت الدوري لأنه يشبه آلهة الثلج!.

يدخل صدام إلى القاعة ببدلته البيضاء، الجميع يتحول إلى قردة، الطبول والدفوف تدق والأجساد تتمايل، الأصوات ترتفع وهي ترقص...(شحلو طولك من تمشي وآنه راك...عفه   كَلبي الحمل ناري وناراك....إذا انته تعب حيلك آنا راك....)...، ثلاث ساعات من الرقص والردح أمام صدام حسين وهو يصفّق في نهاية كل فقرة، الرقص واجب شرعي أمام صدام، الجثث المؤجلة تتراقص أمام وجهه، والرصاص يفتح ثقوباً في الجهة الأمامية من الجسد، فكيف لايرقص الحاضرون أمامه ويهتفون بحياته من أجل عمر طويل يقضيه في إذلال الجميع، يقص القائد قطعة من جسد كعكة الميلاد بالسيف، ينتهي البث التلفزيوني المسجّل قبل يوم من أجل فسح المجال أمامه للهروب من المكان خشية قصفه من قبل الأميركان...

الذين يبتكرون شكل كعكة عيد الميلاد هم فضائيون جاؤونا من كوكب آخر!، لهذا استحقوا أن يعلِّقوا على صدورهم أنواط الشجاعة!!، كيف يمكن لمواطن عراقي يجاهد في تأمين غذاء زوجته وأولاده، أن يفكّر في صنع مُجسَّم من سكّر وطحين وزبد وفانيلا ومكسّرات (كرزات)، إنه حلم كبير يعيشه العراقيون، هم لايعلمون كيفية صنع الكعك وكيف يتم تركيب الطبقات فوق بعض!!، إنهم لايعرفون ذلك، صنع ماكينة سيارة مارسيدس أسهل لديهم من صنع هذه الكعكة المرعبة في جمالها وارتفاعها فوق كتفي السيد الرئيس الصالخ!، الكعك لدى القائد مسيرة نضالية، كيف يمكن لكعكة أن تحتل مكاناً أعلى من كتفي صدام؟!، لهذا يقوم الرئيس القائد لقوات (ذيج الصفحة) بقطع الكعكة بسيف خاص، سيف حاد كأنما استعاره من خالد بن الوليد أو صلاح الدين الأيوبي، القائد يهجم بكل ما أوتي من سلطة وقسوة فيقطع الكعكة إيذاناً بانتهاء الاحتفال الذي قضى فيه ما يقرب من ثلاث ساعات من عمر القيادة مكشوفاً  أمام التلفزيون العراقي الرسمي، وهو يطَّلع على الرقصات الجنوبية والشمالية، صدام حوّل العراقيين إلى مسرح جديد للدمى الراقصة التي تتحرك وفق ألحان تمتدُّ إلى الحضارات السابقة، الجميع يرقص ويردح، الرادحون باسم القائد كانوا يدوسون ببلاهة الحمقى على جراح الطيبين-أعداء القائد صدام!.

نشر الفرح على مُحيّا القائد الضرورة حاجة وطنية مُلِحّة...، قضيت عمرك أيها المواطن وأنت تناضل من أجل شيءٍ واحد، رسم الفرحة في عيون القائد الذي يحتفل بأنه تسلط على العراقيين، ملك الموت كان يخدم صدام في رغباته الجنونية بمنح وإهداء الموت لكل من لايرتاح إلى شكله وخلقته!، إنه يقرأ الأفكار أسرع من الحاسوب، عيناه موشوران ضوئيان...في العين الأولى يرى الإتهام الذي يُوجَّهه إلى غيره...وفي العين الثانية يرى العقاب الأمثل لمن يرتكب ظن الخيانة ونوعية العقاب الذي يجب إنزاله في الخائن حسب ظنه!، لأن الأعمال بالنيات لدى القائد المُلهم ظل الله على أرضه!، صدام كائن وحشي (مع الاعتذار للوحوش)، امتحن الله به العراقيين 35 عاماً، وامتحن الكويتيين به سبعة أشهر.

هكذا تعمل خلية الأزمة المشكّلة والمكلَّفة بإدارة أعمال الإحتفالات بعيد ميلاد القائد الليمون، ودائماً ماتكون بإشراف الرجل الثلجي عزة الدوري، الذي يكون أول من يهنيء القائد الضرورة في ميلاده الخالد!.

نسيت أن أقول لكم أن الرفاق الحزبيين في بعض المناطق يستثمرون هذه المناسبة للـــ(كَدية)...إنهم يجبرون الناس على الإشتراك بدفع بعض المبالغ التي تصل إلى بعض المخشلات الذهبية، لتصل حتى نصف كيلوغرام من طحين الحصة التموينية للإشتراك في تهيئة كعكة عيد الميلاد، شعب محاصر يتبرع بكمية من حصته التموينية القليلة أصلاً في بناء هذه العمارة البيضاء من الكعكة الموعودة، على الرغم من أن صدام ونظامه يرصدون مبالغ لاتقل عن 11 مليون دينار تصرفها وزارة المالية والبنك المركزي العراقي من دون أن يعترض أحدٌ من الشعب ولا حتى ممثلوه في المجلس الوطني!.

طعن الكعكة بالسيف الصدامي يسيل الزبدة المتخمة بالسكّر، حد السيف يريق الدم فكيف بالزبدة والسكّر؟ المشهد الرئاسي لذبح الكعكة بعد أن أراق صدام على جوانبه الشوكولاته!، يعطي للجميع إشارة لانتهاء الإستعراض الميلادي لولادة صدام المخفية والمجهولة، إشارة تنهي كل فتوى حزبية أو بعثية أو صدامية، جميع الفتاوى هي زيادة في نقصان الفتاوى البعثية، يهرول أفراد الحماية ليفسحوا الطريق لخروج الرفيق القائد من الباب الذي لم يدخل منه، يقينا أن صدام لم يدخل من باب وخرج منه إلا باب السجن الذي أخرجه إلى منصة الإعدام بعد 2003

خروج صدام هو دخول لسواه، من غير المحتفلين والحاضرين في نفس القاعة، هناك حفلة ردح لاتنتهي بقطع الكعكة بالسيف، أعني احتفالية ردح المدّعين للشعر والصحافة، إنهم يفتدون الخيول التي جرّت عربة صدام الذهبية، إنها حفلة المطبّلين والمزمّرين خارج حدود القاعة، إنهم المحتفلون بولادة صدام خارج الذاكرة الفعلية، إنهم يطيرون مثل الخفافيش ويحومون حول نار الولادة وهم يمزّقون دشاديشهم أو قمصانهم ليبقوا بملابسهم الداخلية، ولو أنهم سمعوا أمراً صدامياً بخلع ملابسهم الداخلية لخلعوها من دون أي امتناع أو حياء حضوري، يكتبون قصائدهم بحماية البويات الملائكية التي تحيط بقناني الويسكي أو البيرة أو العرق الفَلْ، احتفالات على الصفحات الأولى والأخيرة والداخلية في الصحف الصادرة في اليوم الثاني من ميلاد الفلتة!، عدد خاص بميلاد القائد، القصائد العمودية المطولة، وافتتاحيات صحف الثورة، الجمهورية، القادسية والعراق، وكل صاحب قصيدة أو إفتتاحية يُكافأ بمبلغ معين مع كلمة “عفية” تكتبها يد صدام، كل “عفية” بمبلغ 500 الف دينار!، يُصادف أن رؤساء التحرير أنفسهم يتناوبون رئاسة هذه الصحف، الثورة الناطقة بلسان الحزب، والجمهورية الناطقة باسم جمهورية العراق، فيما تختص القادسية بوزارة الدفاع والعسكرة المؤدلجة التي حوّلت مدنيي العراق إلى جيش شعبي أشبه بميليشيات الحرس القومي!.

مدح القائد المناضل صاحب المشانق المتناسلة من أصابعه، بالقصائد والأغاني الوطنية والافتتاحيات المصابة بإسهال البطن، عكس صورة مسيئة للمثقف العراقي، أظهرته بشكل المنتفع والحريص على بقاء قائده الذي احتل الكويت، الإعلام العربي عكس صورة المثقف النفعي والمنافق العربي الذي يرى العود في عيني منافسه العراقي ولايرى جذع النخلة في عين العربي، إنها نظرة أحادية منقوصة، كيف بإمكان المثقف العربي أن يرى المثقف العراقي الحقيقي الذي أخفى وجهه عن عيون الإعلام العربي الأعور، هم أرسلوا المنتفعين الخاصين منهم، هؤلاء استثمرهم الفكر البعثي فموَّل مجلات (الوطن العربي-العربي- كل العرب....) وغيرها، في نفس الوقت كان المثقفون العراقيون الحقيقيون، يخفون أوجههم ونتاجهم في بيوتهم، يذكرون أعمالهم في وصاياهم لورثتهم، بينما يستطيل المستنقع الأخضر الراكد بآلاف الشعراء والصحفيين المنافقين، ليعيش العراقيون عيد ميلاد أسود لايريد أن ينتهي، وخشية أن ألطخ بياض الصفحات باسماء هؤلاء النكرات لكتبت أسماءهم..ولست خائفاً منهم، وهم يعلمون ذلك.

ماذا لو أن الشعراء الشعبيين في مصر كانوا عراقيين...؟، هل سيجدون أنفسهم مجبورين أن يتغنوا بعيد الميلاد الميمون أم لا؟!، على المثقفين المصريين أن يدعوا لكل الحكام الذين حكموهم بالرحمة لأنهم جميعاً مجتمعين لم يساووا دموية صدام خلا فرعون الذي ذكره الله عزوجل في القرآن الكريم.

حدّثني أخي وصديقي الإعلامي “أمين ناصر” حين كان موقوفاً في مديرية أمن الرمادي لمحاولته اجتياز الحدود للهرب من العراق في تلك الأيام، أنه التقى بمسجون إسمه “دكتور يوسف” من تكريت”، يقول أمين، سألته: كم لك من الزمن وأنت في السجن؟ قال: أحد عشر عاماً....!!، سألته عن تهمته، فقال أنا موضوع للحفظ فقط!، تعجبت!، فقلت: ألم يعرضوا أوراقك التحقيقية على قاضي التحقيق، ألم يكن هناك محامٍ يدافع عنك؟!، قال: لا...سألته عن تهمته؟، قال: كنت جالساً في أحد مقاهي تكريت، وصادف أن حضر رفيق حزبي وهو يحمل سجلاً، وسألني:ماذا تتبرع من أجل تجهيز كعكة ميلاد القائد صدام حسين؟ فقلت له:

-صدام حسين لايحتاج تبرعاً لأجل كعكة ميلاده، عليه أن ينهي الحروب وإنقاذ العراقيين من جحيم هذه الحروب، ثم نفكّر ماذا نتبرّع لكعكة عيد الميلاد.

تصورت نفسي، والحديث منقول عن لسان د.يوسف: كنت أتصور نفسي وأنا تكريتي من نفس محافظة السيد الرئيس، وإنني لايمكن أن أقف متهماً لأفكار تكلمت بها جهراً، لم أكن أصدّق قصة “أخوة يوسف” إلا حينما زجوا بي في السجن، وها أنت تراني قضيت أحد عشر عاماً ومازلت...

خرج أمين ناصر من سجن مديرية الأمن في الرمادي، وكان يوسف لا يزال سجيناً!.

 

 


مشاهدات 115
الكاتب وجيه عباس
أضيف 2025/08/09 - 12:37 AM
آخر تحديث 2025/08/09 - 3:25 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 516 الشهر 6436 الكلي 11401522
الوقت الآن
السبت 2025/8/9 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير