الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
سانت ليغو المعدّل.. آلية حسابية بوجه سياسي

بواسطة azzaman

سانت ليغو المعدّل.. آلية حسابية بوجه سياسي

عامر عبد رسن الموسوي

 

في كل دورة انتخابية جديدة في العراق، تتجدد الأسئلة الكبرى: هل النظام الانتخابي المعتمد يعكس إرادة الناخبين؟

هل يضمن تمثيلًا حقيقيًا للمجتمع بكل أطيافه؟

أم أنه مصمم لخدمة طبقة سياسية بعينها؟

وفي قلب هذه الأسئلة يقف “نظام سانت ليغو المعدل 1.7” بوصفه أكثر الأدوات الفنية إثارةً للجدل في مسار الديمقراطية العراقية.

فما هو هذا النظام؟

ولماذا يشكل هذا الرقم “1.7” علامة فارقة في تعطيل التمثيل السياسي العادل؟

تعديل تقني

وهل هو مجرد تعديل تقني؟  أم قرار سياسي مقنّع بلغة الرياضيات؟

1. ما هو نظام سانت ليغو المعدل؟

نظام سانت ليغو (Sainte-Laguë) هو صيغة رياضية لتوزيع المقاعد في الأنظمة النسبية، تقوم على مبدأ قسمة عدد الأصوات التي يحصل عليها كل حزب أو قائمة انتخابية على سلسلة من القيم الفردية (1، 3، 5، 7،… إلخ).

يتم ترتيب نتائج القسمة من الأعلى إلى الأدنى، وتُوزع المقاعد تباعًا بحسب التسلسل.

في الصيغة المعدّلة المعتمدة في العراق، تم استبدال المقسوم عليه الأول (1) برقم 1.7.

وهو ما يُعرف في الأدبيات الانتخابية بـ”رفع العتبة التمثيلية الفعلية”.

قد يبدو هذا التعديل بسيطًا في ظاهره، لكنه يحمل آثارًا سياسية عميقة تُضعف المشاركة وتمثيل القوى الناشئة.

2. التأثير السياسي للتعديل: من التنوع إلى الاحتكار

الهدف المعلن من استخدام 1.7 بدلًا من 1 هو منع تشتت البرلمان عبر تقليل فرص القوائم الصغيرة جدًا التي قد تحصل على مقاعد بفعل تركز الأصوات في الدوائر.

لكن في الواقع، هذا التعديل لا يمنع التشتت بل يكرّس الاحتكار، إذ يُقصي المستقلين والحركات الجديدة ويُبقي المقاعد في دائرة مغلقة بين القوى المتنفذة.

ولو افترضنا مثال حسابي المبسط:

أن الحزب A حصل على 100,000 صوت  ونال 3 مقاعد

الحزب B على 60,000 ونال مقعدًا واحدًا

الحزب C على 30,000 ونال مقعدًا واحدًا

الحزب D على 15,000 لم يحصل على شيء لكن لو استُخدم النظام الأصلي (بدون تعديل 1.7)، لكان الحزب D اقترب من تمثيل مستحق، ولكان الحزب C حصل على فرص أفضل لمنافسة B.

3. التجربة العراقية: من 2005 إلى 2021… تناقض بين النص والواقع

2005: الدائرة الواحدة والتمثيل المغلق إذ اعتمد العراق نظام الدائرة الواحدة على أساس القوائم المغلقة، ما أنتج تمثيلًا غير متوازن، حيث غابت عنه المحافظات السنية والمستقلون بفعل المقاطعة والانقسامات. وكان هذا مدخلًا لتكريس سيطرة النخب الحزبية.

2010: بداية “التحايل” على النظام النسبي

إذ مع تبني نظام القوائم المفتوحة وتعديل آلية “احتساب الباقي الأقوى”، بدأت بوادر انحراف المنظومة الانتخابية.

فبدل أن تعزز العدالة، أفرزت تحالفات تتلاعب بترتيب الأسماء وبتوزيع المرشحين على القوائم.

2014 و2018: سانت ليغو يدخل المعادلة عند إدخال نظام سانت ليغو المعدّل لأول مرة (بصيغة 1.6 ثم 1.7)، كانت الذريعة هي تحقيق “استقرار برلماني” وتفادي الفوضى، لكن المخرجات كانت:

هيمنة كتل كبرى دون حصولها على نسب كبرى من الأصوات

تراجع تمثيل الحركات المدنية والشبابية

إعادة إنتاج التحالفات الطائفية المغلقة

2021: بوادر تصحيح… لكن مشروطة

في انتخابات 2021، استُبدل النظام بـدوائر متعددة صغيرة وأُلغيت قائمة سانت ليغو مؤقتًا، ما سمح للمستقلين بدخول البرلمان بنسبة جيدة نسبيًا، لكن بظل قانون انتخابي آخر قاصر عن بناء كتل متجانسة أو معارضة حقيقية.

اقرار نظام

ورغم هذه التجربة، عاد البرلمان سريعًا ليقر نظام سانت ليغو المعدّل 1.7 مجـــــــددًا في 2023، وكأن الرسالة واضحة: “نريد برلمانًا بلا مفاجآت”.

4. العتبة التمثيلية: مفهوم مغيّب

أن أحد أبرز إشكاليات النظام المعدّل أنه يفرض عتبة تمثيل غير معلنة، من خلال استخدام رقم 1.7، بدلًا من تحديد نسبة دخول رسمية وواضحة كـ 5 بالمئة مثلًا. وهذا يُضعف الشفافية ويجعل القوانين “مطاطية” حسب التوازنات السياسية.

والأدهى أن هذا التعديل لا يُناقش على أسس فنية، بل يُمرّر كخيار تقني في حين أنه قرار سياسي بامتياز يُستخدم لضبط نتائج الانتخابات مسبقًا.

5. نحو نظام عادل: المقترحات الممكنة

العودة إلى سانت ليغو الأصلي (1، 3، 5…)، ما يعيد الفرصة للقوى المتوسطة والصغيرة للدخول والمنافسة.

إقرار عتبة انتخابية رسمية ومعلنة (4 بالمئة مثلًا) بدلًا من التعديل الرقمي غير الشفاف.

دمج النظام النسبي مع تمثيل مناطقي (Mixed System) بحيث يجمع بين التمثيل الوطني والتمثيل المحلي.

مراجعة حجم الدوائر وعدد المقاعد المخصص لها بناءً على الكثافة السكانية لضمان التوازن بين الناخبين والمقاعد.

6. خاتمة: الأرقام ليست محايدة

النظام الانتخابي ليس مجرد معادلة رياضية بل أداة سياسية ترسم ملامح البرلمان القادم. وحين يُستخدم التعديل الرقمي (1.7) كوسيلة لإقصاء المستقلين وتكريس النخب، فإننا لا نتحدث عن آلية توزيع بل عن منظومة إقصاء ممنهجة.

إن استعادة ثقة الشارع العراقي بالمؤسسات تبدأ من العدالة الانتخابية. والعدالة لا تتحقق إلا بنظام انتخابي يمنح الصوت قيمته ويتيح للتمثيل أن يعكس المجتمع، لا أن يعيد تدوير السلطة.

 


مشاهدات 63
الكاتب عامر عبد رسن الموسوي
أضيف 2025/08/02 - 1:02 AM
آخر تحديث 2025/08/02 - 11:24 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 339 الشهر 1074 الكلي 11276160
الوقت الآن
السبت 2025/8/2 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير