الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
حلم اللقاء مع الرغيف

بواسطة azzaman

نقطة ضوء

حلم اللقاء مع الرغيف

محمد صاحب سلطان

 

المشاهد المروعة التي تنقلها وسائل الإعلام بمختلف توجهاتها، عما يجري من مآسي وانتهاكات واستلاب لحق الإنسان في العيش بكرامة، في العديد من مناطق العالم المبتلية بالإحتلال وبحكام يكرهون شعوبهم، تدفعنا إلى القول عن قناعة تامة، بأن التحدي الأساس لعصرنا الحالي، يكمن في ضرورة قيام البشرية بأن تضع نموذجا حضاريا لوجودها، كمقياس بين التشرب بالألم والخنوع لأدواته، وبين الرفض المقرون بالتحدي والمواجهة لأدوات الشر التي تريد السيطرة على العالم بأفاعيل وبأدوات إجرامية قل نظيرها في التاريخ.. فمشاهد القتل الجماعي في غزة بغية إبادة شعبها عن طريق إستخدام الأسلحة التدميرية الصهيو-أمريكية، ترافقها جرائم القتل بالجوع في معركة الأمعاء الخاوية، التي تدفع إلى البحث عن لقمة عيش ورغيف خبز، وعن كيس طحين، لا يحصل عليه إلا بالتضحية الجسدية، للباحثين عن فرص البقاء واقفين على أقدامهم، وممن تبقى من عوائلهم، بعد أن تحولت مراكز التوزيع فيها إلى مصائد للحم البشري المشوي بقنابل الفتك الصهيوني، حتى بات المتوجه إليها، يودع عائلته خشية أن لا يعود ثانية اليهم، وهذا ما يحصل غالبا، فيما نحن المتفرجون تذرف دموعنا حسرة، عما آلت اليه الأمور من عجز شل قدراتنا وقيد حركتها، بفضل العجز العربي الرسمي عن المواجهة، حتى بتنا نحن العرب، وما أكثرنا عدداً ومالا وسلاحا، نرى وجوه الغزاوين تذوي، ومحاجرهم تصرخ أنينا وأسفا على الحال العربي المتفرج على المأساة، وگأن الأمر لا يعنيه، بينما الآلة الصهيونية تنشط وبإتجاهات متعددة لقضم سواترنا واحدا بعد الآخر، فمن يتصور إن حريق غزة بعيدا عنه حاليا، أفاعيل الصهاينة تبشره بإنه قادم، وسيأتي إليه لا محالة، إن لم نسهم جميعاً بإخماده، من خلال مواجهة حقيقية، لا مواجهة إعلامية دعائية-منددة ومستنكرة وداعية لوقف العدوان فحسب!، حتى بات الفعل الرسمي العربي معكوسا في الرد، مثل الضحك كالبكاء!، والفرح بموازاة الحزن، وبتنا لا نتجرأ على ذكر مفردة الصهاينة أو إسرائيل ما لم نقطع حروفها كتابيا، بعد أن تركنا لها تقطيع أجسادنا فعلياً !، فأضحت المأساة، فكاهة ملهاة بكوميديا سوداء..

وفي مقاربة مشابهة عن الضحك والرغيف، وإن اختلفت الأماكن والادوار في مسرح الحياة، يرى الايرلندي صموئيل بيكيت، مهندس مسرح اللامعقول، من أن الفكاهة هي عنصر إحتجاج وعنصر تخريب وتدمير ورفض، والحياة برمتها هي أصلا فكاهة سوداء بشخصيات تشبه المهرجين والصعاليك، ويقول: (لا شئ يثير الضحك والسخرية أكبر من البؤس).. فيما الشاعرالكبير حسين مردان، هذا العراقي الذي ظلمه الزمن، يرى الحياة من زاوية البؤس الإنساني المكلل بالعاطفة الجياشة ونزعة براءة الطفولة التي يجب ان تسود في علاقاتنا بقوله: (لن أحترم العالم وفي الأرض طفل واحد منكسر العينين)، فالايام بنظره سحابة صيف لا تمطر إن لم نحقق إنسانيتنا الحقة.. فما قيمة الحياة إن لم يرفع الإنسان عن كاهل أخيه الإنسان، حمل حاجته، ويمسح دمعة العوز والفاقة عن وجنته، (في رأسه شفة تدور & &شفة لإمرأة عجوز &&تعيش في حلم مخيف && حلم اللقاء مع الرغيف)!، وفي ضوء ذلك تعد شرعنة الإنحرافات الاخلاقية للمحتل الغاصب، قاتل الأطفال، نذير شؤم بالغ الخطورة يؤدي إلى إنقراض الحس الإنساني، وإحداث كوارث لا يعلم أحد فواجعها على مستوى علاقة الإنسان بمن حوله، فمتى يعي الأشقاء والأصدقاء، ما دام الوقت الآن أضحى مناسبا، أكثر من أي وقت مضى للتفكير المتعمق في فلسفة وجود الإنسان وغايته وكرامته التي لا بد من إستعادتها، وسلاما لتراب غزة المعجون بالعزة.

 


مشاهدات 214
الكاتب محمد صاحب سلطان
أضيف 2025/08/02 - 1:49 AM
آخر تحديث 2025/08/02 - 11:44 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 359 الشهر 1094 الكلي 11276180
الوقت الآن
السبت 2025/8/2 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير