أنفال البارزانيين إنموذجاً.. عندما تكون السلطة مدانة بالقتل
فاضل ميراني
ثمانية آلاف من البارزانيين انتهى مصيرهم للقتل بقرار سياسي، هذا الرقم مقتطع من مجموع مائة و اثنين و ثمانين الفا من شعب كوردستان- العراق، جرى اعدامهم بعد اقتيادهم، و ضمن حملات متسلسلة لمواجهة عقاب جماعي بتشريع سياسي، وتم التنفيذ بعد ادانتهم بما صوره العقل الحاكم انهم لا يستحقون الحياة لانهم اهل لقسم من الثوار الكورد.
سبق ذلك الحدث ثلاث عمليات تمت بحق الفيليين، التسفير على ايام شاه ايران، ثم التهجير وخلال التهجير احتجاز الوف منهم تمت تصفيتهم وذلك بعد تبدل النظام في ايران.. القرار واحد، و الضحية المتعددة من نفس العنصر القومي.
القرار من نظام حزبي هو يومها الدولة الواضحة و ايضا هو نفسه يوما الدولة العميقة، و الضحايا هم مواطنون عراقيو الهوية الرسمية لكنهم كورديو القومية.
العملية سياسية امنية عسكرية و ايضا بطابع جمع القضاء للسياسة، ضرب فيها النظام يومها دستوره المؤقت و قوانينه بتشريع جعل قرارات مجلس قيادة الثورة تأخذ قوة القانون، و اسبغ الشرعية الثورية الخاصة به على قرارته لتكون حتى في الاستثنائية قاعدة للعمل لا مسائلة عليها، بل تعد بحساباته اعمالا بطولية وطنية!.
بمعنى ادق شرعنة القتل خارج سياقات تنفيذ عقوبة الاعدام و ما تتطلبه تلك العقوبة من ادلة و اثباتات تشترط اركانا و شروطا تثبت ان المدان بالغ عاقل حر مقترف للجريمة عارف بالنتيجة. لكن الذي جرى هو ان السلطة دانت الف المواطنين بجريمة غير موجودة و لا متوافر عنها انها جريمة، فدفعت مركز الضحية المختارة لتكون مجرمة بسبب صلة القربى و الدم، فأدعت على الضحية و القت القبض عليها و قتلتها.
ولأن ذكرى انفال البارزانيين قد حلت، فأن الحديث سيتركز على هذه البقعة من الحدث.
هم عشيرة الرئيس مسعود البارزاني، وفيهم اخوة له، و كان النظام في احدى دوافعه لتلك الفعلة يريد من ضمن ما يريد ان يخلق واقعا نفسيا حادا على الرئيس البارزاني من جهة و عشيرته من جهة، بحيث يجري تصوير الامر على ان معارضة النظام من شخص تستتبعه عقوبة سالبة للنفس، فيكون الامر اما بتسليم المعارض لنفسه او بأبتعاد اهله عنه، وهذا الامر لم يتحقق رغم فداحة جرم السلطة، ونفس الامر ونفس المراد ابتغته السلطة مع الفيليين و مع باقي اهالي كوردستان الذين ذهبوا ضحية عمليات الانفال بحلقاتها المتعددة، مضافا لها تخريب القرى و النقل القسري من المناطق و الحجز ضمن المخيمات.
تكتيك الحوار
كنا امام تفسير واضح لعقلية السلطة، وفكرها في معالجة مشاكل هي التي صنعتها، فهي تستخدم تكتيك الحوار اذا احست بالضعف و تكشر عن انيابها و المخالب اذا استقوت، وفي مسار دالة الاحداث فقد انهار مؤشرها منذ تنازلت عن اجزاء من اقليم الدولة لضرب حركتنا، ثم انفقت جهدا جهيدا من دم و اموال و دعاية لتواصل ضغطها علينا، فحاربت شعبنا بالاقصاء و الشك، و اعتقلت و شنقت و رمت بالرصاص و الغاز، ولم تدخر وسيلة عنف بيدها ضدنا.
نحن الذين كنا نعارض و نقاتل دفاعا عن حقوقنا نتفهم اطلاق نارهم علينا، وهي حجة لهم نفهمها، ولكن ماهي حجتهم ضد مواطنين عزّل يشتغلون بعمل مدني حر او رسمي، فيتم فرز ثمانية الاف منهم ليتم قتلهم؟
تم افناء اجيال بالكامل و ترميل و إيتام الالوف بلا جريرة تقرها الانسانية او الضمير السليم او شريعة او تشريع شريف.
ضمن دورة الزمان التي حكمت منطقتا وقت منه علاقة الصراع بين السلطة و بين حركتنا و حزبنا مع السلطة، لم تستمر راحة النظام بل لم تكن له راحة اصلا حتى وان ادعى انه انتصر، اذ ان دعاية اعلامه كانت مفرغة من مضمون صادق، فما قيمة نصر سلطة قتلت مواطنا اعزلا؟
لم يعترف النظام بجريمته، وقد لا يسطر مشارك بتلك الجريمة اعترافا بالجرم، لكن طبيعة العدالة و دوافعنا لنيل حقوقنا اعانا امتنا على الشد على جروحنا لمجابهة سنوات قاسية بين الخنادق و اللجوء و تكاثر الاعداء، فلقد رفعتنا تلك التضحيات فعفونا و احتسبنا ضحايا نضال شعبنا عند الله، وعدنا لأرضنا لنثبت صدق شعاراتنا وامكانيتنا في الاعمار بدل هدمهم و السلام بدل اعتدائهم و الحرية بدل قيودهم.
لكن السؤال و المطلب الباقيين:
متى ترتدع السلطات عن التورط بدور المجرم
ومتى تدرس سلوكها مع شعبها بحيث تبقى طاهرة الثوب؟
مسؤول الهيئة العاملة للمكتب السياسي للحزب الديمقراطي الكردستاني.