غزة والصمت العالمي
رشيد العجيل
أمام أعين العالم وشاشات وسائل الإعلام ، تُباد غزة بدم بارد. أكثر من مليوني إنسان، معظمهم من الأطفال والنساء، يعيشون الموت في كل لحظة، بين القصف والتجويع والحرمان من الدواء والماء، في واحدة من أبشع الجرائم التي عرفها التاريخ المعاصر. لكن الأخطر من الجريمة نفسها، هو الصمت الجماعي للإنسانية، وتخاذل العرب والمسلمين عن القيام بواجبهم في نصرة أهل غزة الذين يُقتلون لا لذنب سوى أنهم متمسكون بأرضهم ويرفضون التهجير والاقتلاع.
كل يوم نرى أطفالاً يركضون بحثًا عن الماء أو لقمة خبز أو ملاذ من القصف، فيُقصفون ويُذبحون بلا رحمة. يُقتلون فقط لأن المطلوب من الاحتلال الصهيوني تفريغ غزة من أهلها للاستيلاء على الأرض وتوسيع المشروع الاستيطاني لتحقيق واقع الشرق الأوسط الجديد. هذه حرب تهجير قسري مغطاة بذرائع واهية، بينما الإنسانية والعالم المتحضر يقف متفرجًا أو شريكًا بالدعم السياسي والعسكري، وخاصة الإدارة الأمريكية التي تزود إسرائيل بالسلاح والغطاء.
أما العرب والمسلمون، فهم بين صامت وعاجز، حتى وكأن غزة ليست في قلب الأمة ولا في ضميرها. أمة المليار ونصف مليار مسلم تقف بلا فاعلية حقيقية، تاركة أهل غزة وحدهم في مواجهة آلة القتل والحصار والجوع.
إن الواجب الإنساني والشرعي لا يقتصر على الدعم العاطفي أو الدعاء، بل يجب أن يتحول إلى أفعال ملموسة على كل المستويات. أول هذه المبادرات هو تنسيق الجهود في المحافل والمنظمات الدولية لتفعيل المقاطعة الشعبية للمنتجات الأمريكية والشركات الداعمة لإسرائيل، ووقف التعامل مع كل من يشارك في تمويل آلة القتل. المقاطعة الاقتصادية ليست شعارًا، بل سلاح فعّال لتقويض الدعم المالي الذي يتدفق على إسرائيل من كبريات الشركات الأمريكية والغربية.
كما أن على الحكومات العربية والإسلامية أن تتخذ مواقف رسمية واضحة لقطع العلاقات الاقتصادية مع المؤسسات الصهيونية وحلفائها في العالم، وإغلاق الأسواق أمام السلع القادمة من داعمي الاحتلال. لا معنى لخطابات التنديد بينما يستمر ضخ المال لاقتصاد الاحتلال عبر التطبيع أو التجارة أو الاستثمارات.
أما على المستوى المدني، فالمطلوب منا كأفراد وجمعيات ومؤسسات أن نُطلق حملات توعية شعبية بالمقاطعة، ونُعري كل من يروج لبضائع الاحتلال وحلفائه، وأن نعيد بناء حركة تضامن عربية وعالمية تعيد للقضية الفلسطينية مكانتها في الضمير العالمي.
وفي وسط هذا المشهد، يبرز سؤال حول المحتجزين الإسرائيليين لدى المقاومة: هل يُطلق سراحهم فتسقط ذريعة نتنياهو، أم يبقون ورقة تفاوض؟ في الحقيقة، نتنياهو لا يحتاج لذريعة ليقتل الفلسطينيين. لذا فإن الاحتفاظ بهم ورقة تفاوضية مشروعة قد تفرض شروطًا لصالح غزة، لرفع الحصار، ووقف القتل، والإفراج عن الأسرى الفلسطينيين.
أما الصمت فهو خيانة. غزة اليوم ليست معركة حدود بل معركة وجود وكرامة، فإما أن نقاوم بكل السبل الممكنة، اقتصادياً وسياسياً وشعبياً، أو نكون شهود زور على جريمة قد تطال غداً كل شعوبنا وأوطاننا.