الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
يا لضياع ذهب السودان ومعادنه وتربته

بواسطة azzaman

يا لضياع ذهب السودان ومعادنه وتربته

فؤاد مطر

 

ليس مثل زميلنا الدكتور فيصل محمد صالح أحد الكتاب في صفحات «الرأي» في «الشرق الأوسط» مَن يزيدنا توضيحاً لهذا الذي يعيشه السودان منذ سنتين كونه من خلال منصبه الوزاري  الذي شغله وبات مثل حالنا كاتب رأي في «الشرق الأوسط»، كيف أن جنرال الجيش عبدالفتاح البرهان وجنرال الدعم محمد حمدان دقلو يمارسان بالسودان أرضاً ومؤسسات وشعباً مبارزة بأسلحة تعود ملكيتها إلى الشعب السوداني، في حين أن دور الجيش وبالذات جنرالاته الذين يتناوبون على قيادته هو التنبه والحذر في أعلى درجاته لإستباق المخاطر على الوطن في الحد الأدنى ولإستعماله عند نشوء إعتداء عليه. وفي حال لا مخاطر ولا إعتداء فإن هذا السلاح باق في الحفظ والصون في الثكنات والقواعد العسكرية  الأرضية والجوية التي نالت من الجنراليْن المتبارزيْن من الأذى ما نالته المقرات الحكومية ومنها في الدرجة الأولى قصر الرئاسة الذي هو قصر شعب السودان الواجب صونه والحفاظ على مهابة إطلالته على النيل الذي بدوره نال من أذى الجنراليْن تلويثاً وإهمالاً ،إلى درجة أن ماءه التي كانت تروي باتت تؤذي وتفتك جرَّاء الملاريا بالأجساد التي سبق أن كان للجوع وللتشريد وللهلع دور في أن الأجساد الفارعة باتت مثل أشجار كانت ذات أغصان حافلة بالأوراق الخضراء ثم أتى عليها الحر والتصحر وعدم التغذية بحيث باتت قابلة للكسر.. هذا إلى «تفشي» وباء سفك الدماء ومرض جنون القتل في السودان» على نحو توصيف الدكتور الشفيع خضر سعيد للظاهرة.

مسؤولين أميركان

لا حجة للجنراليْن يقولها كل منهما بطريقته، ذلك أن الأشقاء والجيران العرب الأفارقة ومعهم المجتمع الدولي من قمته الأميركية إلى سفوحه المتوزعة على دول أوروبية ومؤسسات مرجعيتها الأمم المتحدة، لم يحاولوا إسداء النصح والتوسط على كل ما يراه لمصلحة السودان. وفي بداية السعي لرأب الصدَّع  من جانب المملكة العربية السعودية ثم ما سمعه الجنرالان مباشرة من مسؤولين أميركان توقَّع السودانيون خيراً، لكن ذلك لم يحدُث. وبعدما قيل عن نصائح بالتروي أُسديت لجنرال الجيش خلال إجتماعات حدثت في الجزائر مع الرئيس تبون وفي العلمين مع الرئيس السيسي وفي قطر مع أميرها الشيخ تميم فضلاً عن تمنيات بالتروي قيلت للإثنين من قيادات أفريقية، فإن السودانيين الذين كما الجالس في غرفة شديدة العتمة، إعتبروا من باب التفاؤل بالخير علَّهم يجدونه أن الجنرالين لا بد إقتنعا بأن مغامرة الإحتراب لا بد من نهاية لها. وإستبشر هؤلاء تفاؤلاً عندما بدأ الجنرالان يظهران في مناسبات ولقاءات بالثياب المدنية حيث على سبيل المثال يقف جنرال الجيش بالبدلة المدنية خطيباً من على منبر الجمعية العمومية للأمم المتحدة، ومتحادثاً وهو بالبدلة المدنية مع كل القادة العرب الثلاثة (تبون. السيسي. تميم) ويتحادث جنرال «الدعم» مع رئيس أثيوبيا ابي أحمد قبل وخلال مأدبة غداء إقتصرت عليهما في إحد مطاعم اديس ابابا، واللافت أن «جنرال الدعم» لقي إستقبالاً رسمياً لدى وصوله مطار اديس ابابا من جانب مسؤولين حكوميين يتقدمهم نائب رئيس الوزراء ومستشار الأمن القومي. وهذا الإستقبال كان رسالة من رئيس وزراء اثيوبيا ابي أحمد إلى جنرال جيش السودان.

ومثل هذا الظهور  للجنراليْن كان يوحي بأن كلاً منهما بات مقتنعاً بأن لكل مبارزة نهاية وتوقيتاً، وأن النهاية طالت أكثر من المخطط لها كما أن التوقيت يشكِّل مخرجاً لما إبتُلي السودان به. لكن الإيحاء المشار إليه كان نقيض ما حدث بعد ذلك وما زال يتزايد ضراوة وتدميراً وتشريداً، وكأنما هذان الجنرالان يمارسان ما هو حاصل في قطاع غزة فالقصف واحد. والتشريد مماثل. والتجويع أقل مما يكابده الغزاويون إلاَّ أنه حاصل في مناطق كثيرة. وأما حال المستشفيات كما الأدوية التي وصلت في غزة إلى درجة ما قبل الصفر بقليل، فإنها في حال لا يقرر كل من الجنراليْن إعتبار اللعبة وصلت إلى منتهاها ومن دون إحتساب نقاط الغلبة والأخذ في الإعتبار كرامة السوداني المدني وتقويم دوره بالتراضي والتوافق، فإن الذي بين الحال الراهنة والإقتراب من الهاوية، ستجعل أولياء المحنة تنطبق عليهم العبارة المأثورة وهي: «إبكِ مثل النساء مُلكاً مضاعاً لم تحافظ عليه مثل الرجال».

وثمة مسألة بالغة الأهمية يشار إليها في معزل عن الهوى السوداني – الإيراني المتقطع وفترات الإنسجام السوداني – الإسرائيلي المستغرَب، والذي حدث ويتواصل في منأى عن الرأي العام المدني السوداني وحكراً لا تفسير له على عهد الجنراليْن وإن كانت هنالك آثار آراء من جانب رئيس وزراء الجنراليْن عبدالله حمدوك الذي لم ينعم طويلاً بالترؤس وبات معتَقَلاً في البداية وخارج اللعبة لاحقاً.

وتلك المسألة المهمة هي أن إحدى ثروات السودان على أهبة الضياع في حال لم تستقر الحال ويأخذ الحُكم السوداني التقليدي وبصرف النظر إذا كانت شراكة أو تقليدياً بمعنى الطيف المدني يدير شؤون البلاد والجيش يحميها.

وما نعنيه بالثروات التي باتت عرضة للنهب (الذهب واليورانيوم والنحاس والحديد والأحجار الكريمة ومعادن من كل نوع مع الإشارة إلى أن السودان كان قبل ثلاثين سنة ينتج حوالى مئة وسبعين طناً من الذهب). وفي ضوء ذلك فضلاً عن تلويث التربة الزراعية والحقول التي كانت تدر خيرات فإن واجب الجنراليْن المتنازعيْن وضْع حد لهذه المنازلة التي تمعن تدميراً وتهجيراً وتجويعاً فضلاً عن تبذير الثروة الدفاعية السلاحية، وقبل أن تصل الأمور إلى أن السودان الذي كان يشار إلى تعايش بنيه وديمقراطية سلوك مؤسساته باتت يَمناً آخر لا أمل يرتجى من لأم جراح إنقسام بني أصحاب السُلطة فيه.

خلاصة القول إن تآلف القلوب وخيرات الذهب والمعادن والقطن والسمسم والثروة الحيوانية فضلاً عن كميات الغاز الضخمة في «بحره الأحمر» وكذلك الوحدة الوطنية، باتت في مهب صولات الجنراليْن التي لا تحسم صولة هذا صولة ذاك، ويبقى السودان في مهب أعتى العواصف التي تواجهها الأمة بعد عاصفة غزة المستفرَس بها دون موقف دولي حاسم لهذا الإستفراس. ولا حول ولا قوة إلاّ بالله العظيم.

 

 


مشاهدات 49
الكاتب فؤاد مطر
أضيف 2025/06/18 - 4:19 PM
آخر تحديث 2025/06/19 - 4:54 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 287 الشهر 12247 الكلي 11146901
الوقت الآن
الخميس 2025/6/19 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير