الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
قطاع السياحة يحتاج إلى ثورة حقيقية

بواسطة azzaman

قطاع السياحة يحتاج إلى ثورة حقيقية

حاكم الشمري

 

من يعمل في قطاع السياحة، ولو لسنوات قليلة، يدرك تمامًا أن الحديث عن السياحة في العراق ليس حديثًا عن الترفيه أو السفر فحسب، بل عن هوية بلد يملك من المقومات ما يجعله وجهة عالمية، لكنه ما زال يقف على أطلال إمكانيات لم تُستثمر كما يجب. أمضيتُ أربع سنوات في هذا المجال، ورأيت عن قرب ما يعتريه من نقص فادح في الكوادر والخبرات، وضعف في القابليات والقدرات المهنية، إلى درجة جعلت العمل السياحي أقرب إلى المبادرات الفردية منه إلى صناعة منظمة.

تواجه السياحة العراقية مشكلات كبيرة في مقدمتها غياب الكوادر المؤهلة، إذ إن كثيرًا من العاملين في هذا الميدان دخلوا إليه دون دراسة أو تدريب متخصص، بل بدافع الحاجة إلى العمل لا بدافع الشغف أو الكفاءة. فضلاً عن ذلك، فإن المؤسسات السياحية في العراق تكاد تخلو من برامج تطوير أو تأهيل مستمر، ولا توجد معاهد تدريب حقيقية قادرة على تخريج مرشدين سياحيين أو منظّمي رحلات أو مختصين في التسويق السياحي بالمعنى الحديث.

أما البنية التحتية فما زالت تقف عند حدود ما قبل السياحة الحديثة، فالفنادق محدودة، والطرق غير مهيأة، والمرافق الترفيهية نادرة، وحتى المواقع الأثرية، وهي كنوز العالم، تعاني من الإهمال وضعف الإدارة والترويج، وغياب الخدمات المساندة التي تجعل الزائر يرغب في البقاء أكثر. فالسائح، سواء أكان أجنبياً أم محلياً، لا يبحث فقط عن المكان الجميل، بل عن الراحة والأمان والتنظيم والخدمة المتكاملة، وهي أمور لا تزال بعيدة عن الواقع العراقي في معظم المناطق السياحية.

وفي عصر التكنولوجيا، أصبحت الصورة والتطور الرقمي بوابة السياحة الأولى، لكن في العراق ما زلنا نفتقد إلى رؤية تسويقية رقمية حقيقية، وإلى منصات تفاعلية تُظهر العراق كما يجب أن يُرى بلد الحضارات، والأضرحة، والمواقع الدينية، والطبيعة الغنية، والتنوع الثقافي الفريد. إن ضعف الترويج وعدم استثمار وسائل الإعلام ومواقع التواصل الحديثة جعلا السياحة العراقية شبه غائبة عن الخارطة العالمية، بل وحتى الإقليمية.

ما نحتاجه اليوم ليس إصلاحًا تجميليًا، بل ثورة حقيقية في التفكير والعمل السياحي، تبدأ من إعداد الكوادر ورفع الكفاءات، مرورًا بتطوير المناهج التعليمية السياحية، وصولًا إلى استقدام الخبرات الأجنبية والاستفادة من التجارب العالمية الناجحة. فالثورة المطلوبة يجب أن تمس المؤسسات السياحية من حيث إعادة هيكلتها وفق أسس مهنية، وتشمل تشجيع الاستثمار وتبسيط الإجراءات وتطوير البنى التحتية والمناطق الترفيهية، وإطلاق حملات ذكية تعتمد على التكنولوجيا والوسائط الحديثة.

إن السياحة ليست رفاهية، بل اقتصاد وثقافة وصورة وطن. وإن أردنا أن نعيد الحياة إلى هذا القطاع الحيوي، فعلينا أن ننطلق من رؤية علمية وتكنولوجية متطورة تضع الإنسان في مركز الاهتمام، وتحوّل السياحة من شعار جميل إلى مشروع وطني حقيقي.

 


مشاهدات 66
الكاتب حاكم الشمري
أضيف 2025/12/25 - 1:55 AM
آخر تحديث 2025/12/25 - 3:31 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 149 الشهر 18429 الكلي 13002334
الوقت الآن
الخميس 2025/12/25 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير