الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
نحن بخدمتكم.. لا تضحكوا رجاء

بواسطة azzaman

كلام أبيض

نحن بخدمتكم.. لا تضحكوا رجاء

جليل وادي

 

ما رأيت عامل نظافة في الصباح الباكر وقبل أن يتوجه الناس الى أعمالهم حاملا كيسا ومكنسة يلّم مخلفاتنا ويلتقط الأكياس المتطايرة وعلب المشروبات الغازية وقناني الماء الفارغة، الا واستذكرت المثل العراقي الذي يقول: (واحد يبخر وعشرة.....) واستميحكم عذرا لا يمكنني اكمال بقية المثل لأنه لا يتناسب مع الذوق العام ومقامكم الكريم ، فالمثل ينطوي على معان قبيحة ومضحكة في الوقت نفسه، ولكنه من أكثر الأمثال دلالة على ظاهرة عدم اهتمام الناس بالنظافة في الأماكن والشوارع العامة، طبعا هناك الكثير من الأمثال المشابهة، لكن للأسف غالبيتها غير موثقة في الكتب المهتمة بالأمثال، وظلت مقتصرة في استخداماتها على الجلسات الخاصة التي يكون فيها مستوى (الميانة) عاليا والحواجز بين الأشخاص مرفوعة.

 تقودني رؤية عامل النظافة وهو يتصبب عرقا بفعل حرارة الجو وعوادم السيارات ورفع الانقاذ المرمية الى جانب الحاويات وليس فيها، يقودني لمقولة أعجبتني، وكنت قرأتها في الفيسبوك ويذهب معناها الى ان المواطنين الذين لا يستطيعون وضع النفايات في أماكنها المناسبة، هل بمقدورهم اختيار الرجل المناسب للمكان المناسب؟، أكيد لا، وبالمعنى السياسي ونحن مقبلون على انتخابات برلمانية هل بمقدور هؤلاء المواطنين اختيار النواب الوطنيين الأكفاء، ام ستكون اختياراتهم على أسس عشائرية ومذهبية ومناطقية ومصلحية ذاتية، وهي شبيهة بتعاملهم مع النفايات التي يلقونها من نوافذ المركبات في الشوارع التي للتو انتهى عامل النظافة من تنظيفها ومازال لم يجف عرقه بعد، انا واثق ان عمال النظافة وعلى الرغم من حصيلتهم العلمية المنخفضة او بلا حصيلة ينظرون لنا باحتقار، ويصفوننا بالمتخلفين، ولا نستحق أن يقوموا بخدمتنا، لكن قوت العيال هو ما يجبرهم على تحملنا.

أظن ان نظافة الأماكن العامة صارت بعيدة المنال، ولا يمكنني ان أتخيل شوارع مدننا وأزقتها نظيفة تماما كما هي الحال في بلدان بعضها مجاور لبلدنا، والسبب الرئيس ليس في مستوى أداء الجهات البلدية فقط، بل في ثقافة المواطن الذي لا تقع النظافة من بين أولوياته ولا سيما بالنسبة للأماكن العامة، فهو يحرص وبشدة على نظافة بيته وسيارته، لكنه لا يلقي بالا للزقاق الذي يقع فيه منزله، او الشارع العام الذي يسلكه، او المدينة التي يتجول فيها، وبالرغم من ذوقه المتدني في هذا المجال، لكنه يلقي باللائمة ويصب جام غضبه على الجهات البلدية، العراقي شخصية انتقادية بطبيعتها، لكنه غير قادر على انتقاد نفسه، ويستشيط غضبا فيما اذا وجهت له انتقادات من آخرين بسبب سلوكه المشين.

ولو كان الأمر بيدي، وان كان هذا بعيد المنال ايضا كبعد تحقق نظافة مجتمعنا، لوضعت شرطا لأي شخص يتقدم للتعيين في دوائر الدولة، او من يريد الحصول على اجازة افتتاح مشروع، او من يترشح لمنصب اداري او سياسي بصرف النظر عن مستوى ذلك المنصب، ان يقضي شهرا كاملا عاملا في البلدية، وفي نظافة الأماكن العامة تحديدا، وتحت مراقبة شديدة وحقيقية من الجهات المعنية وأمام أنظار الناس، وفي ضوء التأييد الذي يحصل عليه من تلك الجهات يصدر أمر تعيينه او اشغاله للمنصب الذي يبتغيه، ولتكن البداية من أعلى المستويات في الدولة وصولا للمواطنين العاديين.

ان شرط العمل في البلدية يحقق أهدافا عديدة منها الشعور بالجهد الذي يبذله عامل النظافة بسبب قذارتنا، ما يدفعنا الى الاهتمام بالنظافة، وتجسيد مقولة (نحن في خدمة الشعب) عمليا في الواقع، واجبار الذين يظنون أنفسهم كبارا على التواضع وعدم التعالي على الناس، وكذلك استئصال قيمة (الاستنكاف) السلبية من قاموسنا، ولا سيما العمل في هذا المجال، وبدوره يشكل حافزا للعاملين الحاليين في القطاع البلدي واقدام الشباب على العمل فيه، بتقديركم هل يتحقق هذا المقترح؟، انا أراه يكاد يكون مستحيلا ، وأول المعترضين عليه كبار المسؤولين والسياسيين الذين جثموا على صدورنا، وكثيرا ما صدّعوا رؤوسنا بكلمة (نحن بخدمتكم).

 

jwhj1963@yahoo.com

 

 

 

 


مشاهدات 29
الكاتب جليل وادي
أضيف 2025/05/24 - 1:46 PM
آخر تحديث 2025/05/25 - 4:50 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 1224 الشهر 33012 الكلي 11027016
الوقت الآن
الأحد 2025/5/25 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير