الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
حتى لا يطير الوطن

بواسطة azzaman

حتى لا يطير الوطن

حسن النواب

 

في أواسط الثمانينيات جاهدوا بشتََّى السُبل على تدميرهِ وإخماد موهبتهِ النافرة؛ طردوهُ من نادي الأدباء عشرات المرَّات، وتجمََّعوا حول جسده الهزيل وضربوهُ حتى اصطبغتْ أصابعهم الغادرة بدمهِ العنيد، مارسوا معهُ التجويع في سنوات الحصار ريثما صار ملاذهُ أزقَّة وخرائب الحيدر خانة؛ وتعمَّدوا على تجاهلهِ عسى أنْ تخمد روحه وينهزم؛ لكنَّهُ كان على يقينٍ أنَّهم بلا موهبةٍ أصيلةٍ وسطوع نجومهم كان زائفاً، ولذا ها هُمْ بدأوا ينطفئونَ تباعاً الآن، بينما نزيف يراعه يتشكَّلُ رويداً رويداً في سماوات الإبداع، ونصوصه تطرق بهدوء باب العالم. ويبدو أنَّ حقد الفاشلين والانتهازيين مازال يطاردهُ، لقد أصبح بعضهم رؤساء تحرير وخبراء، وهم من يتحكَّمونَ بنشر نصوصهِ؛ ألا سحقاً لهم، فمن أراد إجهاض موهبتهِ فيما مضى أصبح قبض ريح، وأنتم الذين شاءت ذيولكم أنْ تقودوا الثقافة العراقية الآن، تأكَّدوا أنَّ براميل القُمامة مصيركم. ولذا بهدوء جداً سيكتب هذه المرَّة، حتى يمسك بالدخان المتطاير من أقلام بعض الأصدقاء الإعلاميين الذين يعرفُ نزاهة ضمائرهم أكثر مما يعرفُ عن الاتصالات الفورية التي تصل لهم بالخفاء من جهات سياسية متنفذة حتى يكتبون بهذا الشأن أو ذاك. ولكي نصل إلى مآربنا ورسالتنا الإعلامية بدون غش، ولكيلا نضع مزاج المنطقة الخضراء ومساعيها في خاطرنا ونحن نكتب؛ نتوخَّى من القلم الإعلامي النبيل الذي يدوِّنُ أفكاره مهما كانت جامحة، عليه أولاً أنْ يضع أمام ناظريه في لحظة الكتابة أنَّ قلبه يخلو من الحقد والضغينة على أية جهة إعلامية أو مؤسسة حكومية حتى لو كانت تخلط السم بالعسل، لأنَّ اندفاعه بهذا الشكل المتهور يشير أيضاً إلى خلطه للزعاف مع الحبر الذي يسيل من قلمه الذي يظنِّهُ ساخراً، وهو لا يعلم أنَّ قلمه خدعهُ ويضحك عليه؛ ثمة أمور مستورة يجب مراجعتها قبل وقوفنا على المنصة لمواجهة الجمهور، كأنَّ واحدنا هو أبو زيد الهلالي ، فهناك من ارتكب المآثم بطريقة يندى لها الجبين، ونحنُ نراهُ يعلن أمام الملأ عن بياضه الخالص لضميره وشجبه الصريح لنظام الطاغية وسنواته المرعبة والمريرة التي ولَّت من دون رجعة؛ ولكنَّهُ تناسى أنَّ هناك من يتذكر بذات الوقت قصائده ومقالاته التي كانت تمجِّدُ بالوثن، وهناك من كان ينشر نصوصه المتملقة بأسماء مستعارة؛ بعد اتفاقه بالخفاء مع مسؤول الصفحة الثقافية لهذه الجريدة أو تلك على تقاسم الغنيمة وفق تعاليم الشريعة الإسلامية أو وفق بارومتر الموائد الماجنة

. أي بمعنى يغرف من تحت الطاولة ويستعرض ريشه الأبيض على المغفلين، وهؤلاء نعرفهم جميعا؛ ولدينا من البراهين ما تثبت أنهم كتبوا تلك المعلقات الذيلية ولعبوا بمهارة لاعب سيرك محترف على الحبلين، وهذا يعني أنَّ المغريات والهبات والمكارم التي كان يوزعها الطاغية في ذلك الوقت قد تذوَّق حلاوتها الجميع إلا ما ندر. من هنا علينا التريث قليلاً قبل التهجُّم على قناة إعلامية ما، خاصة إذا كانت تلك القناة تتمتع بشعبية عريضة لدى الناس نتيجة جرأتها بطرح الوقائع بلا رتوش، وإلاَّ لماذا وضعوا سطراً في الدستور يكفل حرية الرأي؟ ربما يكون أحد المراسلين قد أخفق بإيصال الحقيقة؛ ولكن هذا لا يعني أنَّهُ كان يتلقَّى تعليمات من مسؤوليه، لأن هذا الديدن يغازل أولئك الذين مازالوا يستلمون الأوامر من أسيادهم، خاصةً إذا كانوا خُبراء وأصحاب تجربة باستلام الأوامر العسكرية لأنَّ مهنتهم كانت تحتِّمُ عليهم ذلك، وربما أدمنوا على الهوان، ويتصورون أنَّ جميع الأقلام؛ إنَّما هي تشبههم وتنتظر أوامرها من جهاتها الإعلامية

. أقول لهؤلاء أن القلم النبيل الذي لا يهادن حتى لو كبَّلته كل قيود السلطة والطغاة يبقى حرَّاً، لكنَّ القلم الذي يكتب بالعلن عمَّا يفصح عن شجاعته زيفاً، ويصغي مثل تابع ذليل إلى أوامر أسياده في الظلام يستحق اللعنة قبل الشفقة. فيا أيها الإعلاميون لا تلبسوا قمصاناً بيض وقلوبكم سود، ولا تكتبوا بحبر الحقيقة وأقلامكم مشتراة بحفنة دولارات، لأنَّ الذين سيجعلون الوطن يمضي إلى الهاوية من شدَّة الفساد والظلام والظلم؛ هم أولئك الذين يحملون ألف قناع بالخفاء ويظهرون للناس بقناع أبيض؛ لكنَّ الوحل الذي يسيل منهُ نراهُ جيداً. احتكموا لضمائركم أيها الإعلاميون حتى لا يطير الوطن.

 

 

 


مشاهدات 18
الكاتب حسن النواب
أضيف 2025/05/19 - 3:08 PM
آخر تحديث 2025/05/20 - 2:07 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 377 الشهر 25192 الكلي 11019196
الوقت الآن
الثلاثاء 2025/5/20 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير