شيكاغو ..نفاق السرد العربي للغرب
فيصل عبدالحسن
سلك علاء الأسواني في روايته شيكاغو المسارات التقنية التي اتبعها في روايته الأولى”عمارة يعقوبيان”من حيث تعدد المشاهد والانتقال من مشهد إلى آخر عبر القطع السينمائي، والتوسع في طرح النماذج الإنسانية خصوصا في عالم الطب مستفيدا من عمله كطبيب.
وبالرغم من أن الكاتب راعى الصنعة الروائية أكثر من أي شيء آخر في نصه دون أهتمام كبير باللغة الأدبية، التي كان يهتم بها على سبيل المثال كتاب كبار كنجيب محفوظ أو يحيى حقي، وحتى يوسف إدريس في قصصه القصيرة.
وحرصوا دائماً عليها في كتاباتهم، معتبرين أن الآدب ليس ما يدور في الحياة اليومية مئة في المائة بل أنه مسار آخر يسمى الكتابة الأدبية وعمودها الفقري اللغة الأدبية، وهي فوق التناول الحياتي، والمطلوب من القراء أن يرتقوا سلمة واحدة إلى فوق لتذوق ما ابدعوا من صور أدبية في رواياتهم وقصصهم.
ويبدو أن اختيار الأسواني لهذه اللغة كان موفقا للترويج لروايته، وجعلها متاحة لمختلف الأذواق، ولأدنى المستويات الثقافية، ملبيا للجميع ما يطمحون أن يجدوه في رواية عربية حديثة تحكي عذابات المصريين مع السلطة المصرية، ووسط تفش واسع للفساد.
مذكرات
توزعت مشاهد”شيكاغو”الأربعين على مدينة شيكاغو والقاهرة التي تجىء كخلفية للأحداث، واستعير هنا تقنية المشهد السينمائي لأن الرواية مكتوبة كسيناريو، مملوء بالحركة والحدث، وتوالي العقد القصصية لكل شخصية.
فما أن يبدأ القارىء بمتابعة مذكرات ناجي عبد الصمد التي كتبها أثناء رحلته، وهي بالحرف المائل الاسود، ولكن القارىء يجد صعوبة في العثور على الحروف المائلة السود!! لأن المطبعة التي طبعت الرواية لم تحقق هذا تقنيا.
وهذه من المثالب التي يقع فيها الكاتب حين يعتمد على تقنيات طباعية، وتكنلوجية لتحقيق غرض روائي، المهم سيتابع القارىء المذكرات ضمن المتن الروائي، الذي يروي لنا أحوال المصريين في مدينة شيكاغو التي جاءت في الرواية عبر الحقائق التأريخية التي وظفها الكاتب عن هذه المدينة.
المحجبة
شيكاغو كانت مدينة للهنود الحمر في الماضي، الذين كانوا يزرعون البصل على ضفاف بحيرة ميشيجن، ولكن التطهير العرقي الذي طالهم من قبل المستعمرين البيض بعد عام 1673 م لم يبق منهم إلا أعدادا قليلة.
ولم تنته مشاكل شيكاغو بعد هذا بل هاجر إليها الامريكيون السود ليقعوا ضحايا للتمييز العنصري أيضا، وفي هذه الخلفية لأحداث الرواية ينقل لنا كواليس العلاقات بين طلاب البعثات المصرية إلى الولايات المتحدة الأمريكية للدراسة.
فنعيش مع شخصية مصرية متدينة، ومحجبة هي شيماء، التي تقرر إكمال دراسة الدكتوراة في أمريكا بالرغم من توفر الفرصة لها للدراسة في مصر بين أهلها، وناسها، لكنها تريد أن تكمل دراستها في الولايات المتحدة الأمريكية فرارا من عنوستها، وبلوغها سن الأربعين عاما.
وبالرغم من تحجبها وكونها متدينة، فهي تقع ضحية الإغواء من قبل زميل لها في البعثة هو طارق حسيب فتحمل منه سفاحا.
وتقرر بعد فصول من المعاناة مع ماتحمله من قيم دينية، ومشاعر أمومة نحو جنينها إلى أجراء عملية إجهاض في أحد المستشفيات الأمريكية المتخصصة بهذا النوع من العمليات.
خلط الأوراق
رواية شيكاغو ليست بالسهولة التي يظنها القارىء لأول وهلة بل هي كسر للكثير من التابوات، وفضح المسكوت عنه في المجتمع المصري، والكاتب يريد أن يقول أن ليس كل من ارتدت الحجاب أو قرأت القرآن الكريم ستصبر في امتحانات الحياة لتنال حياة سليمة وتستحق نعتها بالفتاة المتدينة.
أو أنها لا تقع ضحية لاقتراف الكبائر التي حرمها الأسلام، ولكن لماذا اختار الكاتب محجبة لتقع في الرذيلة والإغواء؟ ولماذا لم يختر الكاتب نموذجا سافراً من المصريات المتحررات، وهن كثيرات ليتطابق التصرف الحياتي المطروح في المتن الروائي مع المحتوى الفلسفي والنظري للشخصية الروائية ؟
ويبدو أن المؤلف غمز بعمله هذا النسيج الأخلاقي والتربوي الإسلامي والنساء المحجبات بشكل خاص، خدمة لجهات وجماعات تمويل أجنبية تريد خلط الأوراق، والأساءة للإسلام، إذْ أن المؤلف اختار النموذج الخطأ فحتى لو كان هذا النموذج موجودا بين المحجبات، فهو نادر ولا يعتد به.
وتبقى شيماء المحجبة الشخصية الرئيسية في الرواية “مجرد فكرة” تتحرك على الورق من دون دم ولا حياة نابضة فيها، ولكن يبدو أن تجربة نجيب محفوظ في طلب الشهرة العالمية، من خلال الخروج على مألوف الواقع الديني والفكري في مجتمعه، جعله يختار شخصية بطلة روايته المتدينة، لتقع في الزنا.
مما وضع رواية”شيكاغو”كنتاج مريب لنفاق السرد العربي للغرب، والكاتب لم يترك روايته تتوقف عند خط رئيسي واحد بل ناقشت الوجود المصري في الخارج كله، وكيف تتم إدارته من قبل السفارة المصرية في الولايات المتحدة الأمريكية عبر مسؤولين أمنيين مهمتهم تكون في أوجها، من الناحية التنظيمية والأمنية.
خصوصا حين يقرر حسني مبارك الرئيس المصري السابق زيارة الولايات المتحدة الأمريكية وقتها، وتضمن برنامج زيارته لقاء بالجالية المصرية، ومقابلة طلاب البعثات المصرية، فيصير هاجس أمن السفارة المصرية منع أي معارض مصري من الهتاف أو التلويح ضد الرئيس.
الرواية تجاوزت عدد صفحاتها الأربعمائة والخمسين صفحة وفيها أحداث متشعبة كثيرة إلا أن القارىء لا يقع في الملل، وهو يتابع مصائر أبطالها المأزومين.
التي نقلت لنا هواجس ثورة 25 يناير المصرية، قبل أن تقع في مصر من خلال القبضة الأمنية الشديدة، ووسائل التعذيب المستخدمة، التي يصفها الروائي في عمله الروائي.
كاتب مقيم بالمغرب