الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
قراءة أدبية.. قصة (النازحة) للكاتبة نارينا أبغريان


قراءة أدبية.. قصة (النازحة) للكاتبة نارينا أبغريان

قصي المحمود

 

 ترجمة ومعاجة الأديب حسين صابر القصة من الحجم المتوسط، عدد الصفحات 225 وعدد الفصول خمسة عشر فصلا

نجاح أي ترجمة لكاتب أجنبي تكمن في معرفة  الثقافة المجتمعية للكاتب عن قرب، لأن الصعوبة في الترجمة هي في قدرة المترجم أن ينقل روح المشاعر في العمل الأدبي إلى العربية وبالتالي يجب أن يكون على دراية بالثقافة العامة للكاتب ويترجم بتمكن أو تعايش مع هذه الثقافة، الترجمة المباشرة من الروسية للعربية شحيحة في عصرنا الحديث على حد علمي ولكن هناك مرحلة الترجمة الوسيطة " سامي الدروبي" مثالا فهو يترجمها عن الفرنسية،  وهذه المرحلة جاءت بعد مرحلة الأرساليات الروسية القيصرية في القرن التاسع عشر، واليوم هناك جيل جديد ممن درس في الأتحاد السفيتي سابقا يبدع في نقل الأدب الروسي الحديث، وينفرد الأديب العراقي حسين صابر بميزة تؤهله للنجاح في الترجمة المباشرة للأدب الروسي لكونه يملك مقومات المترجم الناجح لكنه يفتقر للتسويق المؤسساتي وتسليط الضوء على منجزاته المترجمة، وحقيقة شعرت بالإحباط حينما لم أجد أسمه في قائمة المترجمين العرب للأدب الحديث، وينفرد حسين صابر، الأولى تمكنه من اللغة الروسية الشعبية والمقروءة ويتجلى ذلك في قصة " النازحة" للكاتبة الأرمينية الأصل روسية التعايش والأقامة، وهو مترجم غير محترف بالمعنى الحقيقي لكنه ينتقي ما يروق له وما يجده يروق للقاريء العربي والعراقي ويرضي الذائقة الأدبية، الحقيقة هذه القصة المترجمة هي العمل الأدبي السابع ومع الأسف لم يتسنى لي سوى الأطلاع  إلا على هذه القصة من نتاجاته المترجمة. وتدور أحداث هذه القصة الطويلة أثناء وبعد الحروب التي حدثت بعد تفكك الأتحاد السوفيتي وإنكفاء روسيا للداخل ومسرح الأحداث ما بين الفندق ومحل للصيرفة

الأديب حسين صابر أستفاد من دراسته الهندسية في "الأتحاد السوفيتي " سابقا ودخل عالم الأدب الروسي من خلال شغفه بالأدب عامة ولذلك أكتسب خبرة الثقافة المجتمعية مما أهله لمعالجة العمل الأدبي بما يلائم الثقافة المجتمعية للبيئة العراقية والعربية وهذا ما يؤهله ليضع أسمه في مصاف المبدعين العرب من المترجمين أمثال نوفل نيوف وابراهيم استنبولي وعبد الله حبة وأنور إبراهيم ومحمد نصر الجبالي ويسف نبيل وغيرهم ولضاف أسمه إلى المبدعين العرب اللذين قبله مثل غالب طعمة فرمان وخيري الضامن وحياة شرارة  وأبو بكر يوسف ، في هذه القصة أستطاع الأديب حسين ناصر أن ينقل لنا من خلال الترجمة بروحها الحية أرهاصات الحرب في تسعينيات القرن الماضي أبان تفكك الأتحاد والنزوح ومعاناته من خلال بطلة القصة، أستطاع بحرفنة أن ينقل لنا روح الوجع وفقدان الأمن والأمل والكرامة، لقد أجاد في جعل القاريء يتعايش مع النص من خلال معالجته بصياغة قريبة لثقافته، فالنزوح عن الوطن الأم والأماكن جروح لا تندمل عند الإنسان وقد لخصت الكاتبة والمترجم هذه المعاناة في الفصل الأول ومن رسالة للبطلة إلى صديقتها نقلنا جزء منها بتصرف حتى نصل للفكرة المطلوبة "" لا تقلقي، أنا بخير، لقد حصلت على وظيفة في فندق أنتوريست، هناك الكثير من الأجانب حولنا والكثير من البغايا، يعلمونني استخدام الكلمات البذيئة لكني لا استسلم، ليس من الممكن العمل مع الدراسة ربما سأضطر لترك الجامعة، لا تخبري أمي وأبي أي شيء عن هذا حسنا؟ عن الجانعة والشتائم والبغايا، أخبريهم فقط أني أعمل""أما باقي الفصول فقد برع المترجم الأديب حسين صابر في ترجمة ومعالجة حياة الأنفتاح الغربية وما تتمتع به الخاصية الروسية من حياة مفتوحة لا وجود للمحدادت للمرأة  فيها إلا ما ندر وخاصة في تلك الفترة التي كثر فيه النزوح والعوز المادي والحروب الأهلية، وفي وصف يختصر حياة النازحات العاملات في محلات الصيرفة ومنها بطلة القصة وصديقتها ناتاشا ( كانت ناتاشا تقبل الهدايا وهي تضحك واضعة رقبتها على الرف المتحرك الخاص بتبديل النقود، وفي أحد الأيام سمحت لصبي أن يمسك ثدييها، أبتعد الصبي عنها جانبا وجلس الرفصاء، فيما ظلت ناتاشا مستغرقة في التفكير وهي تتمعن به " أعتقد أنه انتهى"!! ص 39 عرض الحياة في روسيا الأتحادية تتجلى في هذه القصة التي برعت فيها الكاتبة والمترجم معًا " أعتبرت بائعات الهوى عامل جذب للفندق ويطلق عليهن فتيات العملة" ص 46 ومن رسالة النازحة لصديقتها نستشف معاناة بطلة القصة " أفكر أحيانا، هل كان الأمر يستحق قضاء كل تلك السنوات في الدراسة للحصول على وظيفة أمينة صندوق عادية في مكتب للصرافة؟؟" وتستمر برسالتها في مقارنة رائعة قائلة " هل تتذكرين كيف طلب المدرس نارالوف منا رفع يد من قرأ رواية (يوليسيس) لجويس، وكيف كنا أنا وأنت الوحيدتين من الفصل بأكمله الذين قاموا بذلك؟" وتستمر برسالتها التي تختصر رحلتها ومعاناتها" ثم جاء وصافحنا ، كدنا ننفجرمن الفخر، لو امتدحنا نارالوف نفسه فقط، بل فكيف وقد نلنا المديح من الهيئة التدريسية اللغوية بأكملها" ص50 وتستمر الكاتبة في استعراض سيرة الفتيات التي عملن سوية شركة الصيرفة وعرض لحياتهن الخاصة حتى الحميمية منها، المعاناة لا تقتصر على المهاجر والنازحة بل حتى على السكان الأصليين " رحماك ربي، يتسائل ساكن المدينة وهو ينظم لنهاية الطابور، لماذا لا يستطيعون البقاء في ديارهم ؟ يأتون ويأتون ، ويأتون ، إلى متى؟؟عودوا، وليعد كل واحد إلى أرضه" ص 109 ، لقد سلطت القصة بطريقة ذكية عن أرهاصات التحول السياسي والمجتمعي لدول الأتحاد السوفيتي وخاصة ما تسمى اليوم روسيا الأتحادية من خلال التحولات الأقتصادية والقدرة الشرائية وتبديل العملات ودخول الأجانب الذي كان محظورا في زمن الأتحاد السوفيتي ولا يملك حرية التصرف الأقتصادي وخلافه يقع تحت طائلة القانون،

 


مشاهدات 39
الكاتب قصي المحمود
أضيف 2025/04/28 - 4:54 PM
آخر تحديث 2025/04/29 - 4:34 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 257 الشهر 31184 الكلي 10911831
الوقت الآن
الثلاثاء 2025/4/29 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير