في وجه الدعاية المغرضة: إسلامٌ مظلوم ودعوة للسلام والوئام
شيخ عماد الدين
مقدمة: كفى ظلماً على الإسلام تتكرر في بعض الأوساط دعايات مغرضة تستهدف الإسلام والمسلمين، تحاول ربط هذا الدين العظيم بالإرهاب والعنف، متجاهلةً الحقائق التاريخية والواقعية التي تؤكد أن العنف ليس حكراً على دين أو أمة. هذه الدعايات، التي غالباً ما تروجها أطراف متطرفة هندوسية وقوى غربية ذات أجندات سياسية، تهدف إلى شيطنة المسلمين وزرع بذور الفرقة بين الشعوب. في هذا المقال، نرد بقوة على هذه الافتراءات، ونسلط الضوء على الإرهاب المرتبط بجماعات هندوسية ومسيحية، ونكشف زيف الادعاءات التي تروج لها هذه الدعاية، داعين إلى عالم يسوده السلام والتفاهم المتبادل.
الافتراء الأول: المسلمون مصدر الاضطراب في بلدانهمتدعي هذه الدعاية أن الدول ذات الأغلبية المسلمة، مثل باكستان وأفغانستان وسوريا واليمن والعراق، تعاني من الفوضى بسبب الإسلام. هذا الادعاء ليس فقط تبسيطاً مخلاً، بل هو تحريف متعمد للحقائق. الصراعات في هذه الدول ليست نتاج الدين، بل هي نتيجة عوامل جيوسياسية معقدة، تشمل التدخلات الغربية، والصراعات على الموارد، والفساد السياسي. ففي العراق وسوريا، أدت الحروب التي قادتها قوى غربية إلى دمار هائل، وفي أفغانستان، كان الاحتلال الأجنبي هو السبب الرئيسي في عدم الاستقرار. أما في بنغلاديش، فإن التحديات السياسية والاقتصادية، وليس الدين، هي التي تحدد مسار الأحداث. إن إلقاء اللوم على الإسلام في هذه الحالات هو محاولة لصرف الأنظار عن المسؤولين الحقيقيين عن هذه المآسي.
وعلى النقيض، تزعم هذه الدعاية أن المسلمين يعيشون في سعادة في الدول التي يكونون فيها أقلية، مثل أوروبا وأمريكا والهند. لكن هذا الادعاء يتجاهل التمييز العنصري والإسلاموفوبيا التي يواجهها المسلمون في هذه البلدان. في الهند، تتعرض الأقلية المسلمة لهجمات متكررة من جماعات هندوسية متطرفة، وفي أوروبا، تنتشر خطابات الكراهية ضد المهاجرين المسلمين. إن هذه الازدواجية في المعايير تكشف النية الحقيقية وراء هذه الدعاية: تشويه صورة الإسلام وتبرير العداء ضده.
الإرهاب باسم الهندوسية والمسيحية: حقائق مغيبة
تسرد الدعاية قائمة بمنظمات إسلامية مصنفة كإرهابية، لكنها تتجاهل عمداً الإرهاب المرتبط بالهندوسية والمسيحية. هذا التحيز يكشف عن نية مبيتة لتشويه صورة الإسلام فقط. دعونا نلقي نظرة على بعض الأمثلة التي تثبت أن الإرهاب لا يرتبط بدين بعينه:
الإرهاب الهندوسي
منظمة راشتريا سوايامسيفاك سانغ (RSS) وأخواتها: هذه المنظمة الهندوسية المتطرفة، إلى جانب أذرعها مثل فيشوا هندو باريشاد (VHP) وباجرانغ دال، متورطة في أعمال عنف ضد المسلمين والمسيحيين في الهند. هدم مسجد بابری عام 1992، الذي قادته هذه الجماعات، أشعل موجة من الاضطرابات الطائفية أودت بحياة الآلاف، معظمهم من المسلمين.
أبهيناف بهارات: هذه المنظمة الهندوسية المتطرفة نفذت تفجيرات ماليغاون عام 2008، التي استهدفت المسلمين، مما أسفر عن مقتل ستة أشخاص وإصابة العشرات.
رانفير سينا: في ولاية بيهار، قامت هذه الميليشيا الهندوسية بمهاجمة قرى الداليت والمسلمين، مما أدى إلى مقتل المئات خلال التسعينيات.
الإرهاب المسيحي
جيش المقاومة الرب (LRA): في أوغندا، تقوم هذه الجماعة المسيحية المتطرفة منذ عقود بارتكاب جرائم بشعة، بما في ذلك القتل والاغتصاب وتجنيد الأطفال، باسم فرض "القيم المسيحية".
الجبهة الوطنية لتحرير تريبورا (NLFT): في الهند، تقوم هذه الجماعة المسيحية المتطرفة بمهاجمة الهندوس وغيرهم، بهدف إقامة دولة مسيحية في ولاية تريبورا.
جيش الرب: في الولايات المتحدة، نفذت هذه الجماعة المسيحية المتطرفة هجمات على عيادات الإجهاض، مدعية أنها تحمي "القيم المسيحية".
صراعات داخلية بين الهندوس والمسيحيين: نفي الادعاءات
تزعم الدعاية أن الهندوس والمسيحيين يتعايشون بسلام دون صراعات. هذا الادعاء بعيد عن الواقع. التاريخ والحاضر مليئان بأمثلة على صراعات طائفية بين هاتين الجماعتين وداخل كل منهما:
أعمال شغب كاندامال (2008): في ولاية أوريسا الهندية، هاجمت جماعات هندوسية متطرفة المسيحيين، مما أدى إلى مقتل 40 شخصاً وتشريد الآلاف، بسبب اتهامات زائفة بالتحويل الديني.
تمرد تريبورا: في شمال شرق الهند، قامت جماعات مسيحية متمردة، مثل NLFT، بشن هجمات ضد الهندوس، مما أدى إلى مقتل المئات.
الحرب الأهلية في سريلانكا (1983-2009): شهد هذا الصراع مواجهة بين التاميل، ومعظمهم هندوس ومسيحيون، وبين السنهاليين البوذيين، مما أدى إلى مقتل عشرات الآلاف.
صراعات داخل المسيحيين: في أوروبا، شهدت القرون الوسطى حروباً طائفية بين الكاثوليك والبروتستانت، وفي أيرلندا الشمالية، استمر الصراع بين الطائفتين حتى أواخر القرن العشرين.
كشف الدعاية: مؤامرة هندوسية-غربية ضد الإسلام
إن هذه الدعاية ليست مجرد سوء فهم، بل هي مؤامرة مدروسة تقودها جماعات هندوسية متطرفة وقوى غربية تسعى للهيمنة السياسية والاقتصادية. الجماعات الهندوسية، مثل RSS وVHP، تستخدم خطاب الكراهية لتعبئة الجماهير ضد المسلمين، كما حدث في أحداث غوجارات 2002، التي قتل فيها الآلاف من المسلمين. من ناحية أخرى، تستغل القوى الغربية الإسلاموفوبيا لتبرير تدخلاتها العسكرية في الدول الإسلامية، كما رأينا في العراق وأفغانستان. هذه الدعاية تتجاهل عمداً الإرهاب الذي ترتكبه جماعات هندوسية ومسيحية، وتفرض معايير مزدوجة لتشويه الإسلام وحده.
خاتمة: دعوة إلى الوحدة والسلام
إن الإسلام دين الرحمة والسلام، كما أن الهندوسية والمسيحية وغيرهما تحملان رسائل إنسانية عظيمة. الإرهاب ليس نتاج دين، بل هو نتيجة أطماع سياسية واقتصادية وصراعات على السلطة. نحن ندين بشدة هذه الدعاية الهندوسية-الغربية التي تسعى لشيطنة الإسلام وزرع الفرقة بين الأمم. ندعو الجميع إلى الوقوف صفا واحدا ضد خطاب الكراهية، والعمل معا لبناء عالم يسوده التفاهم والتعايش السلمي. فلنرفض هذه المؤامرة المغرضة، ولنعزز قيم المحبة والإخاء بين كل شعوب الأرض، لأن الإنسانية واحدة، ومستقبلنا مشترك.
باحث في قسم اللغة العربية ،جامعة عالية،كلكتا