إيران واجهة للزوار العراقيين

كرمنشاه.. رحلة إلى عبق التاريخ وروح الطبيعة

كرمنشاه- حمدي العطار 

 تُعد إيران وجهةً ساحرة تجمع بين عمق التاريخ وروعة الطبيعة، وتأتي مدينة كرمنشاه في غرب البلاد كواحدة من أبرز الشواهد على هذا التمازج الفريد. تقع هذه المدينة قرب الحدود العراقية، مما يجعلها مقصدًا سهلاً للزوار العراقيين، خاصةً مع إلغاء تأشيرة الدخول وتنوع معالمها التي تتناغم بين الآثار الساسانية العتيقة والمناظر الطبيعية الخلابة.

في هذه الرحلة، نستكشف معًا أسرار» طاق بستان الأثري»، و»شجرة الرحمة المباركة» و»احتفالات رأس السنة الشميية (نوروز)» الاحتفالات التي تنبض بالحياة.

طاق بستان: نحت التاريخ في صخور الجبال:

تشتهر كرمنشاه بموقع «طاق بستان «الأثري، الذي يبعد 30 دقيقة عن مركز المدينة، حيث يُجسد فن النحت الساساني ذروة الإبداع الفارسي القديم. هنا، نُحتت تماثيل ضخمة لملوك الإمبراطورية الساسانية مثل «كسرى الأول» (أنوشيروان العادل) (531-579 م)، الذي يُعد أحد أعظم الأباطرة لتأسيسه نظامًا إداريًا متطورًا وإصلاحاته الضريبية والعسكرية، ما جعل الإمبراطورية في قمة مجدها الثقافي والسياسي . 

بجانبه، يظهر تمثال «خسرو الثالث»، الذي أُضيف لاحقًا ليُخلد سلسلة الحكم، رغم الفارق الزمني بينهما. تُظهر المنحوتات تفاصيل دقيقة لملابس الملوك وزخارف تيجانهم، بالإضافة إلى مشاهد رمزية مثل مشاركة النساء في الحروب وقيادة الجيوش، مما يعكس دور المرأة في تلك الحقبة. ولحماية هذه الآثار من التخريب، أُحيط الموقع بسياج مائي وُضع حديثًا، كما تُستخدم مياه الثلوج الذائــــــــــــــبة في توليد الطـــــــــاقة لمدينة كرمنشاه، دمجًا بين التــــــــراث والحداثة. 

شجرة الرحمةإرث طبيعي مسجل في اليونسكو 

على مقربة من طاق بستان، تقف «شجرة الرحمة»، التي يبلغ عمرها 425 عامًا، مُسجلةً في قائمة اليونسكو كرمز للتناغم بين الطبيعة والثقافة. تتميز هذه الشجرة بأغصانها المتشابكة التي تنحني نحو الأرض لتعود وتنمو من جديد، في دورة حياة فريدة. تتغير ألوان أوراقها بين الأخضر والأصفر والأحمر عبر الفصول، مما جعلها أيقونةً محلية للجمال والاستمرارية. بُني منصة مرتفعة حولها للحفاظ على جذورها وفروعها، وتحولت إلى موقعٍ للتبرك والاستمتاع بالهدوء الطبيعي. 

احتفالات عيد نوروز: كرمنشاه تنبض بالفرح 

لا تُعرف كرمنشاه بآثارها فقط، بل تُحيي احتفالات رأس السنة (نوروز) بطرقٍ مميزة تجمع بين التقاليد الفارسية والطقوس المحلية. تُزين الشوارع بالأضواء، وتُقام العروض الفنية في ساحة المدينة، مع توزيع الحلويات التقليدية مثل «نان برنجي» و»سمنو». تُعد هذه الاحتفالات فرصةً للتواصل بين الثقافات، خاصةً مع توافد السياح العرب الذين يستمتعون بالدفء الإيراني وحسن الضيافة، وتعد تشخيص بعض النماذج الغريبة والملابس واطلاء الوجه بالوان زاهية احد مظاهر الاحتفال! حقا تمتعنا بهذه الاجواء وهو ما يتجلى في العبارة الشهيرة: «إيران بلد الجمال والكرم». 

السياحة في كرمنشاه: سهولة لا تُضاهى

تتميز كرمنشاه بسهولة الوصول إليها من العراق دون حاجة لتأشيرة مسبقة، كما أن تكاليف الإقامة والتنقل فيها منخفضة مقارنةً بغيرها من المدن السياحية.

تُعد المدينة وجهةً مثاليةً لعشاق التاريخ والطبيعة، حيث تُوفر مسارات للمشي حول الآثار، ومطاعم تقدم أطباقًا محلية مثل «ديزي» (مرق اللحم مع الفاصوليا) و»جغور بغور» (أرز بالزعفران). 

الخاتمة 

كرمنشاه ليست مجرد مدينة، بل لوحةٌ مرسومة بتفاصيل التاريخ والطبيعة والإنسان. من تماثيل طاق بستان التي تحكي مجد إمبراطورية عظيمة، إلى شجرة الرحمة التي تعانق الأرض والسماء، وصولًا إلى الاحتفالات التي تُجسد روح الفرح، كلها عناصر تجعل من هذه الرحلة تجربةً لا تُنسى. إنها دعوةٌ لاكتشاف إيران بعيون مختلفة، حيث يلتقي الماضي بالحاضر، والجمال بالعمل.